وأخيراً... حصل "الطلاق البائن" بين الدولة و"حزب الله" بعد زواج قسري دام عقوداً وكانت نتيجته عائلة سائبة ومجتمعاً مفكَّكاً ووطناً معلّق الكينونة والمصير تحت توالد الحروب والأزمات.

وأسوأ نتائج ذاك الزواج بالإكراه كانت ولادة أبناء وبنات غير شرعيّين هم بالتراتبية الزمنية: "السلاح يحمي السلاح"، "الثلث المعطّل"، "ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة"، "وحدة الساحات وحرب الإسناد"، "الاستراتيجية الدفاعية"، وآخرهم أو صغيرهم "حوار السلاح".

جميع هؤلاء اللقطاء تمّت تصفيتهم بقرار واحد اتخذه مجلس الوزراء في جلسته أمسِ الأوّل، وله متابعة وتثبيت عبر ورقة برّاك في جلسته اليوم. ولم يكن أمامه خيارات مفتوحة كي ينتقي أحدها، بل مسارٌ إنقاذي واحد تلاقت واتحدت فيه الإرادات اللبنانية والعربية والدولية، بحيث يصحّ القول إن ما بعد هذا القرار لن يشبه ما قبله في أي مجال. وهو "نافذٌ على أصله" كما في قرارات المحاكم الحرّة، ولو أعلن "حزب الله" رفضه، واعتبره في بيان رسمي "خطيئة كبرى" و"كأنه لم يكن".

فبعد وفاة الأولاد الأربعة الأوّلين غير الشرعيّين بفعل تشكيل الحكومة الراهنة المتحرّرة من "الثلث المعطّل"، وبفعل الحرب التي أسقطت شعارات "السلاح يحمي السلاح" و"الثلاثية" و"وحدة الساحات"، حسَم قرار الدولة وضع الإبنَين الخامس والسادس وختمَ يافطة "الاستراتيجية الدفاعية" و"حوار السلاح" بالشمع الأحمر.

كان واضحاً أن "الحزب" استخدم عنوان "الاستراتيجية الدفاعية" بكثافة في الأسابيع الأخيرة كمشجب يعلّق عليه رفضه التخلّي عن سلاحه، على خلفية اعتباره أن هذه "الاستراتيجية" ما هي سوى واجهة لبقاء هذا السلاح مع عناصره بحجّة "المقاومة" وكأنّ لا تغيير حصل في ميزان الردع ولا هزائم نزلت بـ "محور الممانعة والمقاومة".

والثابت، بعد القرار البنيوي التأسيسي الذي أصدرته الحكومة، أن المؤسسات الشرعية وحدها ستضع "إستراتيجية الأمن الوطني" التي نصّ عليها خطاب القسَم والبيان الوزاري، بدون شراكة "الحزب" الذي ليست له أي صفة في المشاركة، أسوةً بسائر الأحزاب والقوى السياسية، إلّا من خلال تمثيلها في مجلسَي الوزراء والنواب.

أمّا في شأن "حوار السلاح" الذي ثبت خواؤه على مدى بضعة أشهر، ولم يكن سوى ورقة في يد "الحزب" لكسب الوقت وخداع أو احتواء وعد رئيس الجمهورية بحلّ مسألة السلاح بالحوار، فقد طواه القرار الشرعي ولم يعُد ذا جدوى، كما لم يعُد له مبرّر أو سبب، لأن الوضع انتقل برمّته إلى حيّز تطبيق قرار "حصر السلاح" على همّة الجيش اللبناني، بين وضع الخطة خلال شهر آب الجاري وتنفيذها قبل نهاية هذه السنة.

والواضح أن تصعيد خطاب الأمين العام لـ "حزب الله" الشيخ نعيم قاسم ومسؤولِي "الحزب" والمرجعيات المذهبية الشيعية (باستثناء الرئيس نبيه بري)، وكذلك التهويل بالتحرّك الميداني ومواكب الدرّاجات و"٧ أيّار" جديد و"قمصان سود" وفتنة طائفية، كلّها عراضات لسدّ ذرائع العجز والإحباط ورفع المعنويات، ومجرّد محاولات لاختبار صلابة موقف الدولة التي تعاملت بحزم مع التحريك الشعبي ومنعته من التمدد خارج مربّعاته تفادياً للاصطدامات الأهلية.

ولا تخرج الاعتداءات المتفرّقة على الجيش، سواء في استراحة صور أو ثكنة الهرمل ومناطق أخرى عن نزَق التعبير ضد قرار الدولة، بل تؤدّي إلى المزيد من نفور الناس تجاه مرتكبيها ومشغّليهم.

إن حزم رئاستَي الجمهورية والحكومة مع الأكثرية الحاسمة داخل مجلس الوزراء، وبإسناد راجح من المكوّنات اللبنانية عبر الأحزاب والشخصيات التي تمثّلها، ومن عواصم القرار المعنيّة بإنقاذ لبنان، وضَعَ الدولة على مسارها الصحيح لإعادة بناء نفسها واستعادة حقوقها الحصرية في استخدام السلاح وامتلاك قرار الحرب أو السلم.

وليس شطب إسم "جادة حافظ الأسد" واستبداله بإسم زياد الرحباني سوى رأس جبل الجليد في القطع مع الموروثات المؤذية لسيادة الدولة على قرارها الوطني.

أمام كل هذه الوقائع الجديدة والتطوّر النوعي في مقاربة الملفّات العالقة، يبقى أن يُعيد "حزب الله" حسابه إذا أتاحت له إيران هامشاً للقرار، فيتحسّب للعزلة التي زجّ نفسه أو هي زجّته فيها، وللأخطار التي تترتّب على مشاكسته قرار "حصر السلاح" أو رفضه واعتباره "كأنه لم يكن".

وعليه أن يدرك مدى انفراط عقد حلفائه رغم محاولاته اليائسة لإعادة ترميم صفوفهم ورصّها وراء سلاحه وتعويم تأييدها الضرير كما في السابق، عبر تجديد وعوده لهم بدعمهم في الانتخابات النيابية المقبلة.

فقد أعلن هؤلاء "الحلفاء" تكراراً أنهم مع "حصر السلاح في يد الجيش"، كرسالة كافية عن الحَرَج الذي يعانون تجاه الموقف الجماعي الواسع والموحّد بين بعبدا والسراي ومعظم القوى السياسية والشعبية (وربما عين التينة أيضاً)، إضافةّ إلى المملكة العربية السعودية والخليج العربي وأكثرية الدول العربية وفرنسا والولايات المتحدة وطَيف دولي واسع.

فهل تكفيه العلاقة الأحادية مع إيران وبعض ذيول أذرعها في العراق واليمن كي يقف في وجه هذا المدّ الطاغي ضد سلاحه، وهل الإنكار والانتحار وعد ربّاني بـ "جنّة تجري من تحتها الأنهار"؟

لعلّ لسان حاله يردّد، في سرّه، مع الشاعر الأعشى:

"كناطحٍ صخرةً يوماً ليوهِنَها

فلم يضِرها وأدمى قرنَه الوَعِلُ"!