رغم توقيع وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال القاضي بسام مولوي قرار دعوة الهيئات الانتخابية البلدية في كل من محافظة بيروت ومحافظتي البقاع وبعلبك - الهرمل لانتخاب أعضاء المجالس البلدية ولانتخاب مختارين ومجالس اختيارية في دوائر محافظة بيروت ودوائر محافظتي البقاع وبعلبك - الهرمل، وحدّد لها موعداً بتاريخ 26 أيار 2024. لا تزال مسألة تأجيل الانتخابات البلدية بالنسبة للبعض وكأنّها حاصلة بانتظار النائب الذي سيأخذ هذه المسؤولية على عاتقه، ويتقدّم بقانون التمديد للمجالس المحلية والاختيارية، في الفرصة المناسبة. ويخشى الذين يقولون بحتمية التأجيل أنّ الفكرة الإخراجية اكتملت بدورها، آخذة حرب الجنوب ذريعة، وقد وجدها المعنيّون "شحمة على فطيرة" للتهرّب مرّة جديدة من واجباتهم الرسمية، بعد تأجيل انتخابات البلدية في العام 2022 (معظم المجالس انتُخبت في العام 2016) لتزامنها مع الانتخابات النيابية، ومن ثمّ مُدّد للبلديات في أيّار 2023 بذريعة عدم وجود تمويل.

تقصير بلدي يشمل معظم المناطق 

إلى ذلك، رفع العديد من مواطني البلديات المنحلّة صرختهم، كما حصل مع أهالي بلدية الجديدة - السدّ- البوشرية، الذين عبّروا عن شكواهم لـ "الصفا نيوز" من بطء المعاملات الإدارية بعدما حُلّ المجلس البلدي، ومن انعدام أبسط الخدمات، فالطرقات تغرق في مياه الصرف الصحي والحِفر، ولا إنارة للشوارع في الليل، والنفايات تتراكم على جوانب الطرق بعد غياب عمّال النظافة. 

أمّا أهالي الفنار، فإنّهم يشكون عدم اجتماع المجلس البلدي، وعدم قيام البلدية بأيّة مشاريع تنمويّة للمنطقة، فيما غزت الحشرات المنطقة بعد انقطاع خدمة الرش. 

هذه المشكلات لا تنحصر في ضواحي العاصمة، بل تتخطّاها إلى أقاصي مناطق البقاع والجنوب والشمال على السواء. 

مخاطر التمديد

في هذا الإطار، يشرح لـ"الصفا نيوز" محمد أيوب، مدير جمعية "نحن" المختصّة بعمل البلديات: "التمديد للبلديات يحمل مخاطر عديدة، أبرزها أنّ قسماً كبيراً منها أصبح منحلّاً، فيما البلديات التي لم تحلّ بعدُ لا تجتمع، وبالتالي لا تعمل"، مشيراً إلى أنّ "البلديات مؤسسات أساسية لتسيير حاجات الناس اليومية، وبإلغاء دورها سيشلّ عمل الدولة، ويجعلها عاجزة عن مواجهة التحديات. فالاعتماد على سلطة مركزية في تسيير الأمور غير كافٍ، لكون الأخيرة جاهلة خصوصيات المناطق وحاجاتها الفعلية، خصوصاً في ظلّ الأزمات. فالبلديات أثبتت مدى أهمية دورها في الأزمات السابقة، من أزمة النفايات، فأزمة كورونا، والأزمات الأخرى".

وعن ذريعة الحرب لتأجيل الانتخابات، أجاب أيوب "في بعض المناطق اللبنانية، وخصوصاً القرى الحدودية يصعب إجراء انتخابات بسبب الوضع الأمني. هذا الأمر نتفهّمه. ولكن في المقابل، هناك العديد من الدول التي تواجه ترددات الحرب في بعض مناطقها، ومع ذلك أجرت انتخابات البلدية في المناطق الآمنة. فمن غير المنطقي تفريغ دور المؤسسات، خصوصاً في ظلّ الوضع الأمني الراهن، لأنّ النازحين من المناطق غير الآمنة يلجأون إلى المناطق الآمنة للعيش، وبالتالي يجب أن يكون عمل المؤسسات المحليّة الرسمية في المناطق الآمنة فعّالاً من أجل إدارة شؤونهم".

و"نحن بتأجيل انتخابات البلديات، نسهم في تدمير مؤسسات الدولة"، يتابع أيوب، "وتعطيل عملها يؤثّر بشكل مباشر في الخدمات الأساسية في هذا الوضع الطارئ والخطر المحدق. وفي المقابل، فإنّ عمل الحكومة المركزية معطّل، فيما البلد يغرق في فراغ رئاسي منذ أكثر من عام ونصف العام. فإلى أين نحن ذاهبون؟"، معتبراً أنّ "لا إرادة سياسيّة للنهوض بهذا البلد، والمعنيّون يتلهّون بمناكفات سياسية، كما أنّ السلطة المركزية لا تريد تقوية دور السلطات اللامركزية كي تبقى القوّة في يدها".

إصلاحات ضرورية

ويضيف أيوب "نحتاج إلى تعديل قانون البلديات لتفعيل العمل البلدي، وإعادة تشكيل البلديات على نحو يجاري المعايير المالية، والاقتصادية، والبيئية، والاجتماعية، والثقافية، إذ ليس ثمّة معايير لإنشاء بلديات في لبنان، بل يكفي أن تكون هناك قرية ليكون لديك بلدية، وهو ليس معياراً علمياً. كما يجب إعطاء البلديات استقلالية مالية وإدارية مع الإبقاء على الرقابة، على أن تكون رقابة لاحقة، وليس سابقة ولاحقة. بالإضافة إلى تشكيل مستويات للبلديات، من مستوى بلدي، فاتحادي، فتجمع بلديات، وهذه إصلاحات أساسية يجب البدء بتطبيقها، مع تعديل الرسوم لتتلاءم مع حاجات البلديات".

وشدد على أنّ "عمل البلديات تنموي، فلماذا ندخلها في صراعات دولية، وسياسية، فيما دورها الرئيسي هو خدمة المواطن، وعدم تفعيل دورها يدخل القطاع الخدماتي في فشل ذريع ينعكس فشلاً في بناء الدولة".

ولفت إلى أننا "لا نطالب بزيادة موازنة البلديات لكون الأخيرة مستقلّة عن الدولة بالأساس، إلّا أنّ ما يحصل هو عملية سطو على الصندوق البلدي المستقل، من قبل الحكومة المركزية. فكيف لصندوق مستقل عن الحكومة أن تتحكم فيه الحكومة وتوزّع ما في داخله من دون إعلام البلديات. في حين يجب أن يُدار هذا الصندوق من قبل البلديات وليس من قبل جهة لديها مصلحة في مصادرته. ومثال على ذلك، أنّ الحكومات المتعاقبة كانت تدفع لمؤسسة كهرباء لبنان من الصندوق البلدي، ولشركة سوكلين، مخالفةً القانون. لذلك لم تتمكن البلديات من إدارة الرسوم التي تجبيها وتوزّعها بطريقة علمية وتنموية".

أكثر من 15 في المئة من مجمل البلديات في لبنان متوقّفة بشكل كامل عن العمل

في سياق متصل، شرحت لـ"الصفا نيوز" جوزفين زغيب، وهي عضو في بلدية كفردبيان: "في لبنان، 162 بلدية من أصل 1064 حُلّت، وبالتالي فإنّ 15 في المئة من البلديات في لبنان متوقفة بشكل كامل عن العمل". محذرةً من أنّ "بلديات لبنان في خطر، إذ يتمّ تركيب مسرحية سياسية لإخراج التمديد الثالث، في خرق واضح للدستور والمهل الدستورية".

وانتقدت زغيب "المبدأ الذي يسمح لـ34 نائباً فقط بالتمديد للمجالس البلدية، المتوقّف عملها حالياً، إذ إنّ أكثر من 300 بلدية لا تفتح أبوابها إلّا يوماً واحداً في الأسبوع، ونحو 70 في المئة من بلديات لبنان اليوم تعاني قصوراً في تأمين أبسط الخدمات. وفي لبنان عدد ضخم من البلديات التي أنشئت بطريقة عشوائية، وعدد أعضائها لا يتناسب وحجمها. وبإزاء هذا الوضع أصبح الأعضاء بدورهم عاجزين عن الاستمرار في تأمين أبسط الخدمات التي يحتاج إليها المواطنون".

وأضافت زغيب "الزيارة التي قام بها وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام المولوي، إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، وما قد تحمل هذه الزيارة في طياتها من نيّات مبطّنة لتأجيل الانتخابات البلدية لعام 2024، والتي كان مقرّراً اجراؤها في شهر أيار المقبل. ورأت "أنّ قرار التمديد كان واضحاً منذ إقرار موازنة الـ2024 وعدم تضمّنها اعتمادات لإجراء الانتخابات، وعندما سألنا المعنيين عن السبب أجابوا أنها "سقطت سهوا" في استغباء واضح للبنانيين".

جريمة بحق اللبنانيين

وما يحصل اليوم، بحسب زغيب، هو جريمة حقيقية بحقّ الشعب اللبناني، وهو إلغاء لسلطة المؤسسات الرسمية المحليّة وتهميشها. وهناك تواطؤ فعلي بين كلّ أحزاب السلطة المتسلّمة زمام الأمور، للإبقاء على فكر الزبائنية وتقاسم الحصص. أمّا الطعون التي حصلت، ورفضها المجلس الدستوري، فتحتاج إلى قضاء مستقلّ، لبتّها".

وحذّرت زغيب من "تداعيات التمديد للمجالس البلدية الحالية، لأنّ أكثر من نصف البلديات ستتوقف عن العمل، ونصف المجالس البلدية ستتقدّم باستقالتها، ولو لم يتقدّم أعضاؤها باستقالتهم بشكل رسمي لدى القائمقام، إلاّ أنّهم مستقيلون من مهماتهم، وهم لا يجتمعون. كما أنّ هناك العديد من البلديات التي لم تجتمع منذ أكثر من 8 أشهر".

وسألت "إذا كانت البلديات عاجزة عن الجباية، فكيف بإمكان البلديات الاستمرار في لقيام بعملها؟ علماً أنّها العمود الرئيسي في الدولة اللبنانية، وورشة بناء الدولة تحتاج إلى تفعيل عمل البلديات".

فهل نشهد تمديداً للمجالس البلدية في وقت يعيش معظمها شللاً على مختلف الصعد؟