خالد أبو شقرا

تترقّب "كهرباء لبنان" بدء المؤسّسات العامّة تسديد المستحقّات المتراكمة عليها قريباً، وبالتالي، إزالة عثرة قديمة من أمام "خطّة طوارئ الكهرباء". فالخطّة التي أُقرّت في آب 2023، اشترطت أربعة أمور أساسية لرفع التغذية إلى ما بين 8 و10 ساعات يومياً، وهي: رفع التعرفة، تأمين الدولة الفيول لستة أشهر، تسديد المتأخّرات على مصالح المياه والإدارات العامّة، نزع التعديات. وباستثناء رفع التعرفة، بقيت حتّى الأمس القريب الشروط الثلاثة مجتزأة التطبيق. اليوم، مع تحقيق شرط جديد بتسديد الدولة متأخّراتها، تبقى الآمال بزيادة ساعات تغذية الكهرباء قليلة. ليس لانتفاء شرطين أساسيين فحسب، إنّما لتشابك خطّة الكهرباء مع خطّة تثبيت سعر الصرف.

عُقد مطلع الأسبوع الجاري اجتماع في وزارة الطاقة والمياه، بدعوة من الوزير الدكتور وليد فياض، وحضور المدير العام لمؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك، والمديرين العامين لمؤسسات المياه ومدير الخزينة في وزارة المال. وذلك لإطلاق حملة الجباية من الإدارات والمؤسسات العامّة عن الفترة الممتدّة من 1 تشرين الأول 2022، تاريخ صدور التعرفة الجديدة، إلى نهاية حزيران 2023. وتتوقعّ مؤسسة كهرباء لبنان أن تجبي 7000 مليار ليرة، منها 4500 مليار من مؤسسات المياه الأربع، التي تمثّل أكبر مستهلك للكهرباء في القطاع العام. وستسدّد الإدارات العامّة المتأخّرات من سلفة خزينة كانت قد أقرّتها الحكومة في مرسوم صدر في 21 كانون الأول 2023 ويؤمّن مبلغ 7000 مليار ليرة لدفع فواتير الكهرباء المستحقّة على مؤسسات المياه لمصلحة مؤسسة كهرباء لبنان.

هل تزداد ساعات التغذية بالكهرباء؟

الخطوة التي أتت متأخرة أكثر من ثمانية أشهر ستؤمّن، بحسب الوزير فياض، "الحوكمة الرشيدة في إدارات الدولة، وعدم تحميل مؤسسة كهرباء لبنان عبء فاتورة الطاقة في القطاع العام وتحقيق العدالة الاجتماعية، كونها تساوي بين المواطنين ومؤسسات الدولة كافّة". إلّا أنّها "قد لا تسهم في زيادة إنتاج الكهرباء في المعامل ورفع ساعات التغذية إلى ما بين 8 و10 ساعات"، يقول المدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة غسان بيضون. "إذ من المهم جداً معرفة قيمة التزامات مؤسسة الكهرباء مقابل الأموال المجبية". فإلى نيسان 2023، لا تزال الجباية لا تغطّي إلّا نسبة منخفضة من قيمة الكهرباء المنتجة والموزعة. أي أنّها لا تغطّي ثمن الفيول المستورد من العراق خلال السنوات الثلاث الماضية، والذي تتجاوز قيمته المليار دولار. وما زال يسجّل في حساب في مصرف لبنان لمصلحة العراق، من دون اتضاح آلية تسديده. خصوصاً مع عدم إبصار المنصّة الموعودة بالتعاون مع المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمار "إيدال"، النور إلى اليوم. وفي جميع الحالات، يرى بيضون أنّ "ما يتم جبايته فعلياً على أرض الواقع، يبقى أقلّ بكثير مما يفترض جبايته. أو بعبارة أخرى، فإنّ الكهرباء عاجزة عن تحقيق التوازن المالي، وتغطية النفقات من الإيرادات".

أسباب العجز المالي في الكهرباء

يعود عجز الكهرباء عن تحقيق التوازن المالي إلى مجموعة أسباب تقنية، أبرزها:

- ارتفاع نسبة الهدرين التقني الناتج من تقادم الشبكات، وغير التقني الناتج من سرقة الكهرباء والتهرّب من تسديد الفواتير.

- تأخّر الجباية لنحو عام.

- إنكار العديد من النفقات، ومنها ثمن الفيول العراقي الذي يشكّل أحد أكبر عناصر التكلفة.

- تأخّر إنجاز موازنة العام 2024 في الكهرباء التي يجب أن تتضمن المبالغ المرصودة لتسديد الفيول العراقي، والمبالغ المجبية في العام 2023 (قطع الحساب)، وتلك المتوقع جبايتها خلال هذا العام.

- الإحجام عن تشغيل معملي الذوق والجية الجديدين، الأمر الذي يخفّض انتاج الكهرباء ويقلّل العائدات. خصوصاً أنّ انتاج الكيلوواط / ساعة في هذين المعملين يكلّف 11 سنتاً، في حين ترتفع التكلفة في دير عمار والزهراني إلى 14 سنتاً.

- التوقّع بتراجع العائدات نتيجة إلغاء احتساب بدل التأهيل لجميع اشتراكات التوتر المتوسط والتوتر المنخفض، وإلغاء نسبة 20 في المئة التي كانت مضافة إلى سعر منصة صيرفة في احتساب سعر الصرف، وتباعاً انخفاض نسبة الضريبة المقتطعة من TVA، وذلك للإصدارات التي تبدأ من أيار 2023.

الاصطدام بالاستقرار النقدي

مبدئياً إذاً، ستجبي الكهرباء خلال الاسابيع المقبلة 7000 مليار ليرة من المؤسسات العامة، عن فترة زمنية تقدّر بتسعة أشهر (من تشرين الأول 2022 ضمناً إلى حزيران 2023). المبلغ المتوقع جبايته يقدّر بـ 78 مليون دولار على سعر صرف السوق، يواجه مشكلتين أساسيتين: فهو لا يشكّل إلّا 17 في المئة من قيمة صفقة شراء الفيول العراقي الأولى التي تعود إلى العام 2022 وبقيمة تقدّر بـ 531.6 مليون دولار. فيما يشكّل مجمل هذه الجباية 4.7 في المئة فقط من كامل الكمّية التي تلقّاها لبنان على ثلاث مراحل، والتي توزّعت على الشكل التالي: مليون طن في العام 2022 بقيمة تناهز 530 مليون دولار، ومليون طن في العام 2023 بقيمة 460 مليون دولار. واتفق على شراء 1.5 مليون طن إلى تشرين الأول 2024 بقيمة 700 مليون دولار.

أمّا المعضلة الثانية التي لا تقلّ أهمية فتتمثّل في عدم إمكان تقريش الـ7000 مليار ليرة إلى الدولار. وقد يتطلّب تحويل هذا المبلغ إلى الدولار حوالى ثمانية أشهر. خصوصاً أن مصرف لبنان يحرص على عدم التدخل في السوق مشترياً للدولار بمبالغ كبيرة حماية لسعر الصرف. وعليه، لن تستفيد الكهرباء سريعاً من المبلغ بالدولار، وإبقاؤه بالليرة لا يفيد خصوصاً إذا كان سيستعمل لشراء الفيول من أجل رفع ساعات التغذية.

الحلول البديلة ما زالت مغيّبة

في الوقت الذي يجاهد فيه لبنان لإضافة بضع ساعات من الكهرباء إلى شبكته من معامل الإنتاج القائمة على الوقود الأحفوري، نرى مصر تنتقل إلى الطاقة المتجدّدة بوتيرة متسارعة. وذلك على الرغم من غناها بالغاز الطبيعي. وهو، للمفارقة، الغاز نفسه الذي يعوّل عليه لبنان لتشغيل معمل دير عمار في الشمال، ورفع قدرته الانتاجية إلى نحو 500 ميغاواط. وقد قرّرت مصر إنتاج 42 في المئة من حاجاتها الكهربائية من مصادر الطاقة المتجددة إلى العام 2030. وهي تقوم حالياً باستثمار 20 مليون دولار بتمويل من الاتحاد الاوروبي لبناء محطتين للطاقة الشمسية، وانتاج حوالى 16.5 ميغاواط. وأول ما يتبادر إلى أذهاننا عند سماع إنجازات دول محيطة في مجال الطاقة المتجددة، سؤال عن مشروع تلزيم بناء 11 محطة شمسية لإنتاج الكهرباء بقدرة 15 ميغاوات لكلّ محطة بتفويض من مجلس الوزراء، مضى عليه عامان بالتمام والكمال.

مرة جديدة "تغُطّى سماوات" تأمين الكهرباء بـ "قبوات" رفع التعرفة تارة، وزيادة الجباية تارة أخرى. فالمعضلة التي تجرجر مشكلاتها منذ تسعينيات القرن الماضي أصبحت تتطلب مقاربات جديدة، خصوصاً أنّ زيادة التغذية في ظلّ تعرفة تصل إلى 26 سنتاً للكيلوواط، مقارنةً بمتوسط عالمي لا يتجاوز 15 سنتاً للطاقة الأحفورية و3 سنتات للطاقة المتجددة، لا تبني اقتصاداً، ولا تساعد على تعزيز منافسة القطاعات الانتاجية، وترهق المكلّفين الأفراد وتزيد فقرهم. وعليه المطلوب بأسرع وقت ممكن تفعيل قانون الطاقة المتجدّدة والموزعة المقر حديثاً، والتشجيع على إنتاج الكهرباء في النطاق البلدي، والتوقّف عن إهدار الأموال على الكهرباء التقليدية.