ارتكاب جريمة جديدة بحق جسر الحجر الطبيعي في كفردبيان. فبعد محاولات الـ2008، والـ2013، تعود اليوم المحاولات إلى حيث تجري عدّة أعمال بناء وحفريات في حرم جسر الحجر الطبيعي ومحيط نبع اللبن، وضمن شعاع الحماية للجسر المحدّد بثلاثمئة متر، وضمن حرم موقع نهر الكلب الطبيعي، المحمي من قبل وزارة البيئة بموجب قرار صادر منذ العام 1998.  

مشروع سكني من دون دراسة أثر بيئي 

انتهت أعمال شق الطريق وانطلقت الحفريات وسحب الرمال في محيط الموقع، استعداداً لإطلاق مشروع بناء مجمع سكني ضخم من خمسة مربعات، يتألّف كلّ منها من أربع طبقات، بناءً على ترخيص المديرية العامّة للتنظيم المدني وضوء أخضر من بلدية كفردبيان، في مخالفة لمرسوم "أصول تقييم الأثر البيئي" الذي يجبر أصحاب المشاريع الصناعية والسكنية السياحية على إصدار دراسة أثر بيئي في المواقع الطبيعية إثر بضعة انتهاكات. 

ولما كان هذان الموقعان ضمن تصنيف المناطق الحساسة بيئياً في لبنان بموجب مرسوم أصول تقييم الآثار البيئي الرقم 8633 الصادر في 7 آب 2012، ولما كان الجسر الطبيعي لفقرا، هو أحد المواقع الثمانية المحمية بموجب قانون 8 تموز 1939، وكذلك بموجب المرسومين 434 المؤرخين في 28 آذار 1942 و8-10- 1974، فقد تقدّمت رئيسة جمعية بيتي وعضو بلدية كفردبيان جوزفين زغيب، بعد التنسيق مع الحركة البيئية وجمعية أرض لبنان، بشكوى إلى رئيس بلدية كفردبيان، د. بسّام سلامة، لوقف الأعمال على الفور.  


وإثر المخالفات البيئيّة التي تحصل في محيط جسر كفردبيان الطبيعي في حرم نهر الكلب المصنّف موقعاً طبيعياً جراء تنفيذ مشروع شقّ طريق وبناء مجمّع سكني من دون دراسة تقييم أثر بيئي، تقدّمت جمعيّة الأرض – لبنان، في 8 نيسان 2024، بإخبار إلى النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان سُجّل تحت الرقم 2414/م طالبةً من النيابة العامة إجراء ما يلزم لقمع هذه المخالفات ومنعها ورفع الضرر الحاصل. 


العمل ممنوع تحت قطر 300 متر من الشعاع 

وشرح بول أبي راشد رئيس جمعية الأرض - لبنان مخالفات المشروع للقوانين والمراسيم الاشتراعية، إذ "يبعد 180 متراً عن الجسر، علماً أنّ المرسوم 434/1942 الذي يصنّف موقع الجسر أحد المواقع الطبيعية حدّد نطاقه بدائرة قطرها 300 متر من الشعاع الذي يقع مركزه في منتصف الجسر". كذلك "يقع المشروع على بعد 100 متر من مجرى نهر الكلب المُصنّف أيضاً موقعاً طبيعياً ومحمياً ضمن مسافة 500 متر من منتصف المجرى باتجاه الضفتين عرضاً، بموجب المرسوم الصادر عن وزير البيئة أكرم شهيب عام 1998". 

خريطة الموقع



ما الآلية التي أعطيت الرخصة بموجبها؟ 

بدورها، أعلنت "الحركة البيئية اللبنانية" في بيان، أنّ "ما يستدعي لفت الانتباه، هو أنّ أصحاب المشاريع في محيط جسر الحجر الطبيعي، يستندون في أعمالهم إلى تراخيص وكشوفات صادرة عن دائرة التنظيم المدني في كسروان، وبموافقة من بلدية كفردبيان نفسها، وهذا ما يستدعي طلب التوضيح من البلدية عن الآلية المعتمدة للموافقة، والتي قد تكون حصلت من دون كشف ميداني من دائرة التنظيم المدني المعنية ومن دون الأخذ في الاعتبار أهمية الموقع التراثي الطبيعي، وخصوصاً أنّ منظمة اليونيسكو قد أدرجت الموقع المذكور ضمن لائحة الجرد العام العالمي لحماية هذه المواقع، وبهدف الحفاظ على الإرث والتراث الطبيعي والثقافي الوطني والعالمي، توازياً مع الحركة الإيجابية التي أحرزتها البلدية في مجال السياحة والتسويق للبلدة".  

وناشدت الحركة البيئية "بلدية كفردبيان وقف الأعمال التي تحصل في محيط الحجر الطبيعي وإعادة النظر بقرار الموافقة على تلك الأشغال والمضيّ قُدماً في إعداد دراسة علمية لموقع الحجر الطبيعي ومحيط نبع اللبن". وتمنّت الحركة على البلدية "التعاون مع وزارة البيئة لإعداد دراسة أثر بيئي بغرض حماية الموقعين المذكورين والحفاظ على الإرث الطبيعي والثقافي والسياحي والحضاري لبلدة كفردبيان". 

وعليه، أصبح الملف في عهدة النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون وأحيل إلى المدعي العام البيئي القاضي فادي ملكون، الذي اتخذ بدوره قراراً يوقف الأعمال فوراً. 

وفي متابعة لهذا المسار، تداعت الجمعيات البيئية، والناشطون البيئيون، وأهالي بلدة كفردبيان، إلى وقفة احتجاجية يوم الخميس الماضي، الساعة 12 ظهراً، على جسر الحجر الطبيعي كفردبيان، للضغط باتجاه توسعة الشعاع المحمي ليضمّ طرف مجرى نبع اللبن، من المنبع مروراً بالشير وصولاً إلى الشلال، وتحويل المنطقة إلى محميّة طبيعيّة كمحميّة أرز الشوف. 

جسر الحجر الطبيعي في كفردبيان مصنّف عالمياً كمعلم بيئي تراثي، وبالتالي هو محمي بقوانين دوليّة يجب تطبيقها

تشويه بيت الله "جبوئيل" 

وللغوص في تفاصيل الموضوع، تواصل "الصفا نيوز" مع العضو في بلدية كفردبيان جوزفين زغيب، التي قالت "كفى تعدٍّ على جبلنا، جبل لبنان، المعروف بـ "جبوئيل" بيت الله، فإذا كنّا نشوّه بيت الله فما حال جبالنا الأخرى؟ فمنذ العام 1994 ونحن نخوض دعاوى قضائية، وعادت التعديات في الـ2008 والـ2014 وتمكّنا من توقيفها، واليوم في الـ2024 نعود لنقاوم التعديات ولنحمي جسر الحجر الطبيعي ونبع اللبن في كفردبيان، من الجرائم البيئية. جدودنا سبقونا وناضلوا على مدى العصور لحماية هذه الأماكن الطبيعية والأثرية، ونحن سنكمل هذا المسار، ونحمي جبالنا". 

وأضافت زغيب "يجب أن تكون كلّ هذه المنطقة محمية بيئية أثرية سياحية. والقانون يقول إنّ أيّ مشروع على محيط نبع اللبن ومجرى نهر الكلب يخضع لدراسة تقييم أثر بيئي وهو ما لم يحصل. وموضوعنا لا يقتصر على مسألة الـ 300 متر شعاع أو قطر من نصف الجسر".  

وسألت "كيف تُعطى تراخيص فرز في مناطق محمية بيئياً؟ هذا أمر غير مقبول"، موضحة "نحن لا ندخل بحرب مباشرة مع المستثمرين، إنّما نرفض أيّ مشاريع بناء في هذه المنطقة. ونطالب الجميع بالتكاتف، من المجلس البلدي، فوزارة البيئة، ووزارة السياحة، ووزارة الثقافة، ووزارة الطاقة، ونواب المنطقة، لنحمي معاً محيط جسر الحجر الطبيعي في نبع اللبن في كفردبيان". 

الوفد النيابي والبيئي الذي زار موقع المخالفة


الاستثمارات يجب أن تكون بعيدة عن الأماكن الطبيعية المحمية 

في إطار متصل، قالت النائبة ندى البستاني لـ "الصفا نيوز" إنّه "كان مفترضاً منذ شراء المستثمرين الأرض، أن يذكر على السند العقاري أنّ المنطقة محمّية بيئياً، وما نقوم به اليوم هو تصحيح أخطاء، والاستثمارات يجب أن تكون في أماكن أخرى في بلدة كفردبيان بعيداً عن المناطق الطبيعية المحميّة". 

وشكرت البستاني المدعي العام البيئي القاضي فادي ملكون الذي أخذ قراراً بوقف الأعمال، مضيفة "نحن سنكمل مسيرتنا باجتماع سنعقده مع المدير العام للتنظيم المدني، علي رمضان، لأخذ قرار يقضي بمنع أي نوع أشغال في محيط جسر الحجر في كفردبيان ونبع اللبن، وسنعقد اجتماعات مع جميع المعنيين من وزراء طاقة وبيئة وسياحة وثقافة". 

قوانين عالمية تحمي جسر الحجر الطبيعي 

النائبان سليم الصايغ ونجاة عون في الموقع


وأوضحت النائبة نجاة صليبا لـ"الصفا نيوز" أنّ "جسر الحجر الطبيعي في كفردبيان مصنّف عالمياً كمعلم بيئي تراثي، وبالتالي هو محمي بقوانين دوليّة يجب تطبيقها، وهذه المسألة لا نقاش فيها. كما أنّ في لبنان قوانين بيئية تحمي هذه الأماكن ومنها القانون 130 الذي يرعى المحميات، ويعتبر جسر الحجر الطبيعي من المحميات الأثرية، والقانون الـ444، الذي يفرض بنوداً لحماية البيئة. وبالتالي فإنّ القضية تحتاج إلى تطبيق فوري للقوانين من أجل حماية هذا المكان". واقترحت صليبا "تأسيس لجنة مخصّصة لحماية جسر الحجر الطبيعي، وتصنيفه محميةً، لمنع التعديات نهائياً عليه". 

وقالت صليبا "أخذت هذه الصخور ملايين السنين لتتمكّن من تشكيل جسر الحجر الطبيعي، المصنّف معلماً أثرياً، لعامّة الناس، فكيف نكسّر هذه الصخور التي نحتت على مدى قرون لبناء مجمّعات سكنيّة؟"، لافتة إلى أنّه يجب على المستثمر ليس فقط إزالة الجرافات، بل إعادة الأرض كما كانت من قبل، فما يحصل جريمة بحق المنطقة". 

وذكّر النائب سليم الصايغ بأنّ "هذه الجبال تشكّل جزءاً من هويتنا، وتحمل ذكريات من طفولتنا، واعتدنا المشي فيها وزيارتها بين فترة وأخرى، وصخورها حفرت على مدار السنوات،  هذا ما يعطيها طابعاً مميزاً وفريدا، وما نقوم به، هو تدمير للطبيعة، من أجل تحقيق بعض الأرباح. علماً أن قيمة هذه الصخور لا تعوّض، أمّا المباني والمشاريع فيمكننا أن نبنيها متى شئنا وفي أيّ مكان". 

وأضاف أنّ "بلدة كفردبيان مصنّفة عاصمة للسياحة العربية الشتوية، وهو ما يحتّم على أهاليها وأهالي كسروان أخذ القرار حول أيّ سياحة يريدون. فإمّا نحوّل المنطقة إلى مكان بعيد عن ثقافتنا وتاريخنا وجمال طبيعتنا، ومنطقة تافهة فاقدة لخصوصيتها وفرادتها وهويتها، وإمّا نحافظ على ما تبقّى من تراثنا البيئي والطبيعي". 

وسأل الصايغ "لو كان هذا المشروع السكني في موقع يتمتع بأثر بيئي في منطقة الشوف مثلاً، فهل كان سيأخذ الرخصة؟ فلماذا نحلّل في مناطقنا ما هو محرّم في مناطق أخرى تحمي معالمها الأثرية والبيئية والطبيعيّة؟ واليوم هناك إرادة الناس الذين يرفضون هذا المشروع، لكونه يشوّه معالم البلدة. ونحن علينا الاستماع إلى مطالب الناس. ونرفض تدمير ما تبقّى من جمال في لبنان"، مطالباً "بتوقيف فوري للمشروع".