أطلقت وزارة البيئة اللبنانية مشروع إعادة تأهيل معمل الكرنتينا لفرز النفايات، بالتعاون مع بلدية بيروت، ومجموعة البنك الدولي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والصندوق الائتماني المخصص للبنان LFF. وجاءت هذه الخطوة في إطار "برنامج التعافي البيئي الملح وإدارة النفايات في بيروت"، المموّل من الصندوق الائتماني المخصص للبنان LFF الذي يديره البنك الدولي.  

مشروع حيوي لتحسين إدارة النفايات 

يأتي هذا المشروع الحيوي لتحسين ادارة النفايات نتيجة ما خلّفه انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020 من أضرار جسيمة لحقت بمرفق فرز النفايات الصلبة في الكرنتينا ومعمل الكورال المعالج للمواد العضوية اللذين توقفا تماماً عن العمل.  

ويهدف المشروع إلى إعادة تأهيل معمل فرز الكرنتينا لتحسين إدارة النفايات الصلبة في بيروت وقضاء المتن ومنع المزيد من التدهور البيئي، وتقليل الضغوط على المطامر الصحية وإطالة قدرتها الاستيعابية وعمرها. وهدفه الرئيسي هو الحد قدر الإمكان من كمية النفايات الصلبة التي يتم التخلص منها في مرادم النفايات الصحية الحالية. 

وتشمل أعمال إعادة التأهيل: أعمال خرسانية وخرسانة مسلّحة، أعمال إنشاءات حديدية، أعمال بنية تحتية، أعمال بناء داخلية، أعمال شبكات المياه والصرف الصحي، أعمال الميكانيك والكهرباء والإنارة، أعمال تأهيل المولدات وأنظمة الحماية، والمراقبة والاتصالات و SCADA ، وإعادة تدوير نفايات الهدم. 

وبعد انفجار مرفأ بيروت تم إطلاق برنامج التعافي البيئي الملح وإدارة النفايات في بيروت في أيلول 2022 والذي ينفذه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بتمويل من الصندوق الائتماني المخصص للبنان Financing Facility LFF Lebanon الذي يديره البنك الدولي، وهو يهدف إلى تلبية القضايا البيئية الملحة والحرجة التي نشأت إثر انفجار مرفاً بيروت، والتخفيف من المخاطر الصحية العامة والبيئية الناجمة عن هذه الكارثة. 

وستُنفذ أعمال إعادة تأهيل معمل الفرز في الكرنتينا خلال 12 شهراً. وسيشمل العمل: تقييم الضرر في معمل الكرنتينا واقتراح خيارات وسيناريوهات مختلفة لإعادة تأهيل المعمل، وتصميم تفصيلي للسيناريو الأمثل، والمناقصات والبناء. 

فرز 1000 طن نفايات بين المتن وبيروت 

وزير البيئة ناصر ياسين إلى جانب عدد من نواب العاصمة خلال زيارة الموقع

وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين قال لـ"الصفا نيوز" "يتضمن مشروع إعادة تأهيل معمل الفرز في الكرتينا، أعمال بناء وتجهيز مختلفة تهدف إلى إعادة المنشأة إلى العمل بقدرة فرز (أي قدرة تشغيلية)، ما يعادل 1000 طن في اليوم، وذلك بعد تأهيل 3 خطوط فرز من أصل 6. سيخدم معمل الكرنتينا بعد إعادة تأهيله بشكل فعال، ولو بقدرة فرز جزئية، مدينة بيروت (400 طن في اليوم وهو مجموع النفايات الصادرة عن العاصمة) وقضاء المتن (550 طن في اليوم وهو مجموع النفايات الصادرة عن المتن)، وبالتالي فإنّ أزمة 20% من نفايات لبنان ستعالج في هذا المعمل. وما نقوم به عبر الفرز، سيساهم في إطالة عمر المطامر. في الوقت الحالي تذهب كلّ هذه النفايات من دون معالجة وتطمر في مطامر جديدة". 

وأضاف ياسين "نحن اليوم نضع مخططاً توجيهياً عاماً لبيروت والمتن، والمعمل هو جزء من هذا المخطط، إذ سيتمّ فرز النفايات، وطمر النفايات العضوية أو العوادم أي ما تبقّى من نفايات بعد المعالجة، في مكب الجديدة بمرحلة أولى، إنما لاحقاً سيكون هناك أماكن أخرى للطمر وهو ما نناقشه مع بلدية بيروت وبلديات المتن. أمّا الخطّة الشاملة لقطاع النفايات الذي تعمل عليها وزارة البيئة، فتشمل 3 ركائز، الركيزة الأولى هي ركيزة الحوكمة والإدارة والتدقيق بالعمل، وإدارة المعلومات، واسترداد الكلفة، والركيزة الثانية هي عمليّة الفرز من المصدر ، وهذه تتطلّب تغييرات سلوكية، إذ يجب تشجيع المواطنين على فرز نفاياتهم في منازلهم، عبر نشر التوعية حول كيفيّة الفرز، وإعادة تصنيع المنتج. والركيزة الثالثة هي الاستثمار في معامل الفرز". 

واقع معامل الفرز في لبنان 

وشرح باسين "في لبنان، 21 مصنعاً لفرز وإعادة تدوير النفايات، (17 في أنصار، تعمل الوزارة على تسلمها وتشغيلها، ومعمل بيروت، والعنوسة، وصيدا وغوسطا) وجميعها متوقف عن العمل ما عدا 3 معامل تعمل بإمكانات متواضعة، في مناطق البقاع وتتوزّع بين زحلة، وجب جنين، وبعلبك، بالإضافة إلى معمل صيدا المتعثّر بشكل دائم، وتُضمّ إلى هذه المعامل معامل صغيرة قدرتها الاستيعابيّة متواضعة".  

وكشف أنّ "الوزارة تمكّنت من تأمين هبة مقدارها 10 ملايين دولار، قسّمت بين كلفة إعادة تأهيل جزء من مصنع الكرنتينا وبين مشاريع بيئيّة أخرى". 


مشروع بـ5 ملايين و150 ألف دولار 

وقال لـ"الصفا نيوز" شربل بو شلهوب، صاحب شركة بو شلهوب المتخصصة بتصنيع معامل النفايات، والتي فازت بمناقصة إعادة تأهيل معمل الكرنتينا "على الرّغم من عدم ثقة معظم المتعهدين بالتقدّم إلى مناقصات مع الدولة اللبنانية، تقدّمنا بعرضنا إلى المناقصة التي فتحت بابها الـ UNDP من تمويل الـ WORD BANK والجهات المانحة، وكان عرضنا الأرخص بين الشركات الـ5 التي تقدّمت بعروض، وفزنا بالمناقصة. يُذكر أن دفتر الشروط كان علنياً، ونشر على موقع الـ UNDP". 

وعن طبيعة العقد أجاب بو شلهوب أنّه "عقد EPC ويتحمل مقاولو الهندسة والمشتريات والبناء (مقاولو EPC) المسؤولية عن دورة حياة المشروع كاملةً، بدءًا بالهندسة والتصميم إلى شراء المواد والبناء والتشغيل وتسليم المشروع". 

أمّا عن كلفة المشروع، فأوضح مازن مكي، مدير مشروع إعادة تأهيل معمل الكرنتينا لفرز النفايات، مع الـUNDP، أنّ "الكلفة التي رصدها البنك الدولي للمشروع هي 5 ملايين و150 ألف دولار، لإعادة تأهيل معمل الكرتينا والكورال. وبما أنّ الأضرار كبيرة، خصص هذا المبلغ لمعمل الكرنتينا فقط. ويأتي مبلغ الـ5 ملايين من ضمن منحة الـ10 ملايين دولار، لأنّ القسم الثاني من المبلغ سيذهب إلى مشاريع تالية، منها مشروع النفايات الناتجة من انفجار مرفأ بيروت، من ركام وردميات، بالإضافة إلى مشاريع أخرى، تأسيسيّة لمراكز رئيسيّة في بيروت". 

تشغيل 3 خطوط من أصل 6 


"الصفا نيوز" التقى مدير المشروع في شركة بو شلهوب، علي شحرور، الذي أوضح أنّ "مساحة المعمل 8000 متر مربّع، ونحن سنعمل على 3 خطوط من أصل 6، بحسب ما نصّ عليه دفتر الشروط الخاص بالـUNDP، لفرز قرابة الـ1000 طن، وتشمل الأعمال جميع الخطوات بدءاً بفتاحة الأكياس ووصولاً إلى الفرز النهائي لـ60% من النفايات، (بلاستيك، زجاج، حديد، كرتون، نيلون، نفايات عضوية) ويذهب الـ40% المتبقي منها إلى المطمر (وهي عادة غير قابلة لإعادة التدوير). وبعد أن نسلّم المصنع تفتح الأبواب لمناقصة جديدة لإدارة المعمل، وسنتعاون مع متعهدين لأخذ النفايات المفروزة والتصرّف بها (عادة يتمّ تصديرها إلى الخارج، أو بيعها إلى المصانع). 

أهميّة الفرز من المصدر 

خلال حفلة إطلاق مشروع إعادة تأهيل معمل الكرنتينا لفرز النفايات، كان قد نوه وزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال جورج بوشكيان، بـ"التعاون والتنسيق بين وزارتي الصناعة والبيئة، ومع برنامج الأمم المتحدة الانمائي، بهدف التشجيع على الفرز وإعادة التدوير التي تدخل في إطار النشاط الصناعي، الذي يؤدي إلى المحافظة على البيئة والصحة العامة". 

وقال المدير الإقليمي لدائرة الشرق الأوسط في البنك الدولي جان كريستوف كاريه إنّ "إعادة تأهيل مرفق نفايات الكرنتينا يستجيب لتحدٍّ حقيقي يواجهه قطاع النفايات الصلبة". 

وأضاف "نظراً لندرة الأراضي في لبنان، من الضروري الحد من النفايات التي تذهب إلى المطامر واعتماد نهج الاقتصاد الدائري بدءاً بفرز النفايات وضمان التزام الناس بمبادئ الإدارة المتكاملة للنفايات". 

وقال محافظ بيروت مروان عبود، في كلمة له إنّ "غياب الأموال وتعثر أفق الحل السياسي ساهما في عرقلة مشاريع اعادة بناء وترميم ما تهدم من بنى تحتية جراء انفجار مرفأ بيروت، حتى جاء هذا الصندوق الائتماني ليساعدنا على إعادة البنية التحتية لإدارة النفايات الصلبة في مدينة بيروت وجبل لبنان". 

وأكّد أن "لا حل إلّا باعتماد ​سياسة​ فرز النفايات بسبب عدم وجود أراض أو مساحات واسعة في المدينة تصلح لأن تكون مطامر للنفايات، فضلاً عن عدم إمكان إنشاء المحارق لعدم وجود قبول شعبي لها". 

وفي ما يتصل موضوع الفرز، أشار عبود إلى "سياسة التكامل مع محافظة جبل لبنان التي تمتلك الأراضي من أجل إقامة معامل الفرز، ومنها هذا المعمل الذي يؤمّن أكثر من 10% من فرز النفايات في بيروت"، داعياً إلى "الذهاب مستقبلاً نحو الفرز المنزلي الذي يشكّل ركناً اساسياً في تلك العملية، وما لا يمكن فرزه في المنزل يذهب الى هذا المعمل ومن ثم يذهب الباقي الى الطمر". 

في المحصّلة، سيحتاج مصنع الكرنتينا لفرز النفايات إلى قرابة السنة للانتهاء من تجهيزه، ثمّ يُفتح باب المناقصات أمام الشركات الطامحة إلى إدارة المعمل. وبالتالي سيحتاج المشروع إلى قرابة العامين ليتمكّن من العمل. فتكون بذلك هذه الخطوة حجر الأساس أمام خطّة شاملة لإدارة النفايات في لبنان.