يواجه الرئيس جو بايدن سنة انتخابية صعبة يصارع فيها على عدة جبهات شخصية وداخلية ودولية. فعلى الصعيد الشخصي يحاول أن يطمئن الأميركيين أن تقدّمه في السن هو نعمة لا نقمة، ودليل حكمة صقلتها سنوات من الخبرة في السياستين الداخلية والخارجية في مجلس الشيوخ رئيسا للجنة العلاقات الخارجية وفي البيت الأبيض نائباً للرئيس باراك أوباما. وهو في الوقت نفسه يحاول تبديد الصورة التي ينشرها خصمه الرئيس السابق والمرشح المفترض للحزب الجمهوري دونالد ترامب، والتي عزّزها تقرير المحقق الخاص في قضية الوثائق السرية المكتشفة في منزله والذي وصف فيه الرئيس بأنه "شخص متقدّم في السن، محبَّب وطيّب النية وذو ذاكرة ضعيفة،" ووصف ذاكرته بأنها "محدودة."

داخليا أيضاً يعاني الرئيس بايدن من تراجع شعبيته في استطلاعات الرأي، مع أن خبراء في استطلاعات الرأي يرون أن أرقامه ليست بالسوء الذي كانت عليه أرقام عدد من الرؤساء السابقين في سنة انتخابية.

على الصعيد الخارجي أكثر ما يؤذي الرئيس بايدن هو الانطباع المتنامي بانحسار النفوذ الأميركي، بل انحسار الرهبة من القوة الأميركية ومن أن التشرذم الداخلي وعدم وضوح الرؤية لدى المسؤولين في واشنطن يسمحان لأخصام واشنطن بقضم نفوذها الدولي.

في اعتقاد محللي الاستخبارات الأميركية أن الخلاف الأميركي الإسرائيلي يكشف عمق الهوة بين البيت الأبيض ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. ويشمل هذا الخلاف أكثر من ملف ويمتد إلى أكثر من إدارة، باستثناء إدارة ترامب. 

أبرز ملفين خلافيين بين الولايات المتحدة وإسرائيل هما ملف الشرق الأوسط والملف النووي الإيراني. وفي هذا يشير الأميركيون إلى أنّ نتنياهو تعمّد نسف كلّ الحلول التي توصّل إليها المفاوضون الأميركيون مع الفلسطينيين والإسرائيليين، ووسّع الاستيطان في الضفة الغربية ليخلق أمرا واقعا يمنع قيام دولة فلسطينية عليها.

واستمر الخلاف وتعمّق بعد عملية حماس في السابع من تشرين الأول الماضي: البيت الأبيض يعلن معارضته اجتياح رفح ونتنياهو يقول إنه لن يتوقف قبل إكمال الاجتياح. نتنياهو يعتقد أن جيشه "قضى على خمسة وعشرين ألف مقاتل فلسطيني من أصل خمسة وثلاثين الفا" والتقديرات الأميركية ترى أن "هذا الرقم مبالغ فيه." نتنياهو يدّعي أنه دمّر ثمانين في المئة من مخزون الصواريخ في الأنفاق والمقدّرة بعشرين ألف صاروخ، والتقديرات الأميركية تقول إن نحو ثلث الأنفاق فقط قد اكتـُشف ودُمّر. نتنياهو يؤكّد أنه يحتاج إلى أشهر قليلة للانتهاء من تهديدات حماس، والتقديرات الأميركية تقول إنّ حماس ستشاغل إسرائيل عسكرياً في غزة لسنوات. من هنا تشديد واشنطن على الحلّ السياسي ومطالبتها إسرائيل بتصوّر واضح ومفصّل لليوم التالي في غزّة، وهو ما لا يملكه نتنياهو بعد إذ أن ما قدّمه لا يربو عن كونه "احتلالاً مقنّعاً مرفوضا" في نظر الأميركيين.

ولم ينس بايدن ما قام به نتنياهو أيام رئاسة باراك أوباما إذ "ألقى على الرئيس الأميركي ‘درسا’ في التاريخ وفي الخطر الإيراني" و"تحدى أوباما" في خطاب ألقاه أمام جلسة مشتركة لمجلسي الشيوخ والنواب، على ما ذكّر به أحد المساعدين الرئاسيين. وجدّد بايدن جهوده للعودة إلى الاتفاق النووي بعدما نقضه الرئيس ترامب.    

في اعتقاد محللي الاستخبارات الأميركية أن الخلاف الأميركي الإسرائيلي يكشف عمق الهوة بين البيت الأبيض ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو

وقد أدى تطوّر الأحداث في المنطقة منذ السابع من تشرين الأول الماضي ودخول الحوثيين المعركة بإطلاق صواريخ نحو إسرائيل وأخرى على "السفن الإسرائيلية أو المتوجهة إلى إسرائيل" إلى بطء شديد في المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران سواء تلك التي تجري بتسهيل من سلطنة عُمان في مسقط، أو تلك التي تجرى بواسطة السفارة البريطانية في طهران. وفي هذا المجال يقول منتقدو الرئيس بايدن داخل الولايات المتحدة إن واشنطن

"كشفت عن قوتها في حشد الأساطيل في المنطقة لمنع توسّع الحرب،" لكنها أيضا "كشفت عن ضعفها حين دمّرت بعض قدرات الحوثيين الصاروخية دون أن تستطع إيقافهم عن تهديد الملاحة في البحر الأحمر."

الرئيس بايدن، على ما يكشف أحد مساعديه، "عالق بين رغبته الشديدة في الانسحاب عسكرياً من المنطقة ورفضه ترك فراغ عسكري لمعرفته أن إسرائيل ودول الخليج التي وقعّت معها على الاتفاقات الإبراهيمية غير قادرة وحدها على مواجهة إيران ومحورها."

وعليه، فكما أن نتنياهو يبحث عن إنجاز – يريده عسكرياً – ليحارب به من يريدون في الداخل إنهاء مسيرته السياسية، فإنّ الرئيس بايدن كذلك يبحث عن إنجاز – يريده دبلوماسيا – لإبعاد شبح ترامب.