أود أن يفهم كل قارئ ما الذي كان يحرك هذا اللبناني الاستثنائي الذي كان مالك  "Valeurs Actuelles" وشخصيته الأبوية في السنوات الأخيرة. يجب أن ننسى آفاقنا المحدودة، وأخبارنا الزائلة. إسكندر صفا لم يكن رجلاً حزبياً. كانت الحكومات تتبدل، والانتخابات أيضاً، كما مَواكبُ النسيان. كانت قريته تسمى بيروت، لندن أو باريس. همّه كان العالم. العالم الذي يتشكل فيه التاريخ، عالم تَحرُّرِ الشعوب أو قمعِها، عالم التوازنات الكبرى والمصائر الهشة. كانت أهمية أبو ظبي بأهمّيّة قطر الفراغ، وأهمّيّة "السترات الصفراء" بأهمّيّة الشيوخ، وكان السابع من تشرين الأول مثل الحادي عشر من تشرين الثاني. وحدها الأحداث الحقيقية كانت تستحقّ أن تُناقَش وتُحلَّل. أيّ أجواء أكثر إثارة من رؤية الإنسانية جمعاء تتلعثم، تتعثر، تنهض، وتعيد ابتكار نفسها؟ كان يكفي طرح سؤال لتستمع بعد ذلك إلى هذا الذي سافر كثيرًا وقابل الكثيرين، وهو يفضفض ويُخبر.

ذات يوم، في جو مريح بمكتبه وأرائكه الفاتحة اللون، تجرأت على طرح السؤال عليه عمّا يحدّده سياسياً. لم أتوقع أي اسم. أي جماعة. وجدت ما أردت. "أنا مسيحي مناضل." يجب أن تكون قد وضعت يدك في يد إسكندر صفا مرة واحدة في حياتك لتتصوّر ما يمكن أن يعني ذلك عملياً. هنا، تتعاون الكلمتان وتتكاملان. "مسيحي" و"مناضل". هو هذا الشاب الشجاع في لا وعيه، الخارج من الحرب الأهلية اللبنانية، هو ربّ العائلة الساعي للخلاص. لن ترى "ساندي" يتوجه إلى الكنيسة بشكل تقليدي، يؤدي فرائص دينه كمن يريد أن يرمي عنه المسؤوليات. ستراه يبني كنائس ويتحاور مع يسوع، يتساءل عن مصائرنا ويتأمل في عدمنا. غادر فجأة، مساء يوم اثنين هذا الشتاء، دون أدنى انتظار، لا يشتكي، لا يطلب شيئاً، كفارس، كأمير مزدوج من الشرق ومن الغرب. لماذا يحبنا الله؟ كان إسكندر صفا يعتزّ بـ "Valeurs Actuelles" لأنه كان دائماً يقف إلى جانب المكافحين العاديين كالجنود الذين يكونون آخر من يغادر ميادين القتال. كان يعرف كيف يعبّر لنا عن رغباته واعتراضاته، لكن، متى تغرّضنا لهجوم خارجي، لم يكن أحد أكثر منه يقف حائط صد في الطريق بين اسم المجلة وشرفها، وسمعتها. رأيناه أكثر حضورا من أي وقت مضى عندما كانت التهديدات جليّة واضحة. حين يدوّي الرعد تراه يتحدّى الصواعق. وحين تحتاج أسرة التحرير إلى تعزيز كان يقف هنا، ممتشقَ القامة، معنا.

غالبًا ما لم يكن إسكندر صفا يرتدي ربطة عنق أو بدلة. كان هاتفاه الاثنان مكتبًا، وكانت خطواته تكشف عن سعيه لاكتساب واحتضان الوجود. في خليط لغوي لذيذ، حيث يستخدم الإنجليزية القيادة، والعربية للحنان العائلي، والفرنسية لكلّ شيء آخر. كان يعبّر عن رؤاه وقراراته. لم يكن هناك تقليد أو شكلية. لم يكن الأمر يتعلق بإثارة الإعجاب، ولكن التراخي كان غريبًا عنه. سنتذكر ضحكته. ضحكته التي كان يبدو أنه يعتبرها إذْناً. إذن لتخفيف جدل التغييرات الجيوسياسية، ومصائد المرحلة، والتحديات الهائلة في عالم الأعمال، والعلاقات الشرسة للقوة. ساندي كان يضحك. لأن علينا أن نعيش.