حاولتُ جاهداً أن أهرب من عينيها. وجهها البريء ونظرة الفرح الحزين. من قتل أمل الدر يقتل كلّ أمل. أمل كانت في السادسة من عمرها، كما كانت قبلها ليان شور (10 سنوات) وأختها تالين (12 سنة) وريماس (14 سنة). هذه الأسماء لأطفال صغار لم تبقَ وحدها بعدما انضمت إلى أكثر من 30 ضحية مدنية سقطت بنيران الجيش الإسرائيلي التي استهدفت الأحياء السكنية بعيداً عن الحدود. عمليات عسكرية ذهب ضحيتها صحافيون ومسعفون أيضاً. لينضم هؤلاء جميعاً إلى نحو 30 ألف مدني فلسطيني، ثلثهم تقريباً من الأطفال، سقطوا ضحية القاتل نفسه في غزة بعد السابع من تشرين الأول من العام الماضي. 

عند كلّ منعطف، ومع كل مطبّ، يتمظهر الانقسام اللبناني أو الانقسامات بشكل فجّ وفاضح. تحتمل بعض القضايا أن تكون موضع أخذ ورد وحوار بين مختلفَين أو مختلفين. لكن بمواجهة العدو تبدو المسألة خطيرة، وخطيرة جداً. فالشعوب اللبنانية غير الموحدة لا تعترف بمقولة "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة". خصوصاً أنّ هذا القول أطلقه زعيم القومية العربية الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، الذي كان خصماً لفريق كبير من اللبنانيين خلال فترة حكمه. فاللبنانيون بجزء منهم لا يعتبرون أنفسهم عرباً، كما لا يزال جزء آخر يحلم بالوحدة العربية أو الإسلامية أو الوحدة مع سوريا، حتى أن هنالك آخرين يحلمون بالعودة إلى زمن الحكم العثماني للبلاد. 

وبالعودة إلى العدو الذي حدّده الدستور وحدّدته وثيقة الوفاق الوطني التي ارتضاها اللبنانيون نظاماً للحكم، نجد بعض الأصوات ترتفع للدفاع عنه متجاهلةً احتلاله جزءاً من الأراضي الوطنية واستغلاله مياه نهر الوزاني، كما إقامته أهم مركز رصد وتجسس في منطقة جبل الشيخ أو جبل حرمون. عدا أنه يخرق القرارات الدولية ويواصل اعتداءاته على الأراضي اللبنانية منذ نشأته حتى اليوم، ضارباً بكل القوانين الدولية عرض الحائط، مدعوماً بحق النقض الأميركي، الذي يحول دون محاسبته إذا لاحت بوادر مساءلته في الأفق. 

حين تنظرون إلى وجه أمل الدرّ تذكّروا اسمها واسم من قتلها مع أكبر قدر ممكن من أسماء ضحاياه، وهم كثيرون ومن أعمار مختلفة ومن هويات ومعتقدات متعددة.


يتحدّث البعض عن استعداد إسرائيل للسلام مع لبنان، متناسياً أنّها لم تقم بأي خطوة لتحقيق السلام مع الفلسطينيين وفق ما سبق وتعهّدته. بل عملت، رغم كل المبادرات والمعاهدات وقرارات الشرعية، على ضرب أسس عملية السلام وواصلت قضم الأراضي الفلسطينية وقتل الشعب الفلسطيني وتشريده، وما ترتكبه من عقاب جماعي تعجز الأمم المتحدة عن وقفه. ورغم هذا يخرج علينا من يحدثنا عن قرارات دولية وأمم متحدة كأنه لا يرى حجم المجازر التي ترتكبها إسرائيل يومياً في غزة وفي سائر الأراضي الفلسطينية، وقد وصفته جمعيات دولية بأنه حرب إبادة ضد الفلسطينيين. رغم هذه الوقائع المفجعة لم يستطع أحد وقف آلة الحرب الإسرائيلية ولا ردعها.

في جنوب لبنان، حرب حقيقية تحصد عشرات القتلى والجرحى يرتكبها عدو لبنان ومن يحتل أرضه وبحره ويخرق أجواءه من جنوبه إلى شماله ومن غربه إلى شرقه. مواجهات أدت إلى نزوح كبير في ظلّ وضع معيشيّ صعب. ووضع ماليّ صعب يرخي بظلاله على كل مظاهر الحياة وله تأثير سلبي على الأجهزة الأمنية وعلى كل مقدرات البلاد الرسمية. مع مواقف غربية معلنة منحازة إلى إسرائيل في حربها بل حروبها. وما حركة الأساطيل البحرية التي شهدتها المنطقة عقب عملية طوفان الأقصى سوى دليل بسيط على التموضع الدولي في أية مواجهة مقبلة، حتى أنّ المبعوثين الدوليين الذين زاروا لبنان لم يكن كلامهم سوى عبارات تهديد ووعيد من فتح جبهة الجنوب، متجاهلين أن من يصّعد بشكل مستمر هو الجانب الإسرائيلي.

من غير المقبول التخفيف من حجم الجريمة بالقول إنّنا نعرف أن مرتكبها مجرم، ونبدأ بالبحث عن الأسباب التي دفعته إلى ارتكاب جريمته، في حين أن دماء الضحايا لم تجفّ بعد. الانتماء إلى الوطن يعني الوحدة بمواجهة الأعداء والتصدّي للمؤامرات الخارجية، والبحث عن سبل تعزيز أوراق القوة ومراكمتها لا التفريط فيها والتكامل بين الميدان الحربي والدبلوماسي.

الوطن كلّ لا يتجزّأ، اللهم إلّا إذا كانت أحلام التقسيم لا تزال تدغدغ مخيلة البعض فيما يحلم البعض الآخر بإزالة الحدود الوطنية بحثاً عن قومية أو هوية أخرى.

حين تنظرون إلى وجه أمل الدرّ تذكّروا اسمها واسم من قتلها مع أكبر قدر ممكن من أسماء ضحاياه، وهم كثيرون ومن أعمار مختلفة ومن هويات ومعتقدات متعددة. تذكّروا أن للقاتل هوية معروفة.

من قتل أمل الدر قتل كلّ أمل بالسلام.