وقع المحظور. وأصابت إسرائيل باستهدافها أحد قادة حماس في ضاحية بيروت الجنوبية المحاولات الغربية لمنع جبهة الجنوب اللبناني من الاتساع بشظايا قاتلة. وباتت الكرة في ملعب حزب الله. لم يعد الأمر يتعلّق بتطبيق القرار 1701 ومندرجاته أو محاولات الضغط لسحب المقاومة من المنطقة الحدودية. القضيّة، اليوم، عنوانها الحؤول دون اندلاع الحرب الشاملة. 

المسألة لم تعد تتعلّق بوقوع هذه الحرب من عدمها الأمر يتعلّق بالتوقيت فقط. الأمر ينتظر طبيعة رد حزب الله على إقدام إسرائيل على خرق قواعد الاشتباك بشكل معلن ولأول مرّة منذ حرب تموز في العام 2006. وهو خرق يعي الحزب أنّه يهدف إلى جرّه نحو مواجهة تنتشل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو من أزمته الداخلية، ومن إخفاقه في تحقيق أهدافه بالقضاء على حركة حماس كما تعهّد. ولكنّ قيادة حزب الله تواجه معضلة تتمثّل بما سبق ورفعته من شعارات بالردّ على كلّ استهداف بالمثل كما بمعادلة الضاحية الجنوبية مقابل تل أبيب.  

حين كانت المواجهات تقتصر على استهداف المقاومين عند الحدود والردّ بقصف مواقع الجيش الإسرائيلي وجنوده، كان ما يحصل يوصف على أنّه إشغال ولو بثمن مرتفع. تطوّر الأمر ليقع ضحايا في صفوف المدنيين، وهي مسألة كان الحزب قد هدّد بالردّ بشكل أوسع في حال ارتكابها، ولكنّ التهديد لم يُترجم على نحو يلجم العدوّ عن تكراره. وأضيف إلى كل ّهذا استهداف لقيادات خارج منطقة العمليات العسكرية كما حصل من استهدافات في سوريا وإيران والعراق، وهي عمليات سبق لإسرائيل أو حتّى للولايات المتحدة الأميركية أن قامت بها قبل طوفان الأقصى، ومن دون أن تدفع ثمناً بالمقابل. إلّا إذا اعتبرنا أنّ الردّ في الزمان والمكان المناسبين لم يحصل أن تحقّق بعد.

المسألة لم تعد تتعلّق بوقوع هذه الحرب من عدمها الأمر يتعلّق بالتوقيت فقط. الأمر ينتظر طبيعة رد حزب الله على إقدام إسرائيل على خرق قواعد الاشتباك

 وفي هذا الإطار يأتي اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي في حركة حماس وقائدها في الضفة الغربية صالح العاروري، بالإضافة إلى قائديْن من كتائب القسام مع أربعة من المرافقين، قبيل إحياء حزب الله ذكرى اغتيال قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس ورفاقهما، وهو توقيت حمل أكثر من رسالة ومعنى.  

هذه الوقائع يضاف إليها حجم المجازر التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في غزة من دون إغفال حجم الدمار والتهجير الذي أصاب الفلسطينيين نتيجة هذه الحرب. هذه الوقائع كلّها تضع حزب الله أمام مسؤوليات وتحدّيات. وهو يعي أنّ الجميع ينتظرون ردّه، وكلّ منهم بحسب أهدافه. في الداخل اللبناني فرقاء يحمّلونه مسؤولية حال الحرب التي يعيشها الجنوب والنزوح الداخلي في ظل الأزمة المعيشية التي تعيشها البلاد، فكيف إذا توسّعت المواجهات لتشمل لبنان بأكمله مع تيقّن اللبنانيين أن سوريا اليوم ليست ما كانت عليه في العام 2006، ولا قدرة لديها على احتضان أحد. كما أنّ اللبنانيين أيضاً ليسوا بقادرين على إعانة بعضهم بعضاً. وفي حال حصول دمار فلا بوادر ولا مؤشّرات إلى استعداد دول عربية لمدّ اليد العون أو المساعدة في عملية إعادة الإعمار. أمّا الخارج فهو، بأغلبه، سارع إلى إبداء تضامنه مع إسرائيل بعد طوفان الأقصى، ومعظم رسله إلى لبنان حملوا رسائل التهديد والوعيد. 

فإن كان ما سبق يدفع الحزب إلى التريّث قبل التصعيد، على اعتبار أنّه بردّه على هذه الاعتداءات إنما يكون قد سهّل لنتنياهو مهمّته وحقّق له أهدافه، إلّا أن هذا المنطق يوحي كأنّ مشكلة الحزب ومحور المقاومة هي مع سلوك شخص لا سلوك دولة احتلال لا تختلف على الأهداف، إنما على طريقة التنفيذ. وتالياً، من قال إنّ من سيعقب نتنياهو في موقع رئاسة الوزراء سيكون أقلّ عداء للفلسطينيين أو لمحور المقاومة؟ فهل فعلاً يجد حزب الله أنّ هدفه هو ما سيصير عليه مستقبل رئيس وزراء العدو؟  

فهل يخرج الجيش الإسرائيلي من حرب غزة ليقول إنّه، وإن لم يقضِ على حماس قضاء كاملًا، نجح في تدمير قطاع غزّة وتهجير أهله ولم ينجح أحد في منعه من تحقيق ذلك، كما أنّه خرق قواعد الاشتباك مع حزب الله باستهداف المدنيين، وصولاً إلى ضاحية بيروت الجنوبية واستهداف قيادات فيها من دون ردّ يعتدّ به؟ 

من المؤكّد أن حزب الله لا يمكنه أن يقبل هذه النتيجة. فعدم الردّ يعني أنّ كفّة توازن الرّدع مالت لمصلحة إسرائيل. وأنّ دعمه للقضية الفلسطينية وتبنّيها لم ينجحا في الحؤول دون ما أصابها من خسائر مفجعة. وعدم ردّه، اليوم، في ظلّ تفهّم إن لم يكن تبنّي شارعه بل والشوارع العربية، لأهمّية الردّ في هذا التوقيت بالذات، يعني أنّه فوّت الفرصة على نفسه لتحقيق أوسع تضامن عربي بل عالمي مع مقاومته للاحتلال وتصدّره مشهد الدفاع عن الفلسطينيين الذين تركوا من دون نصير. كما أنّها فرصة للإفادة ممّا أصاب إسرائيل من خلل بنيوي على صعيد أمنها الداخلي والخوف على المصير والمستقبل وازدياد موجة الهجرة المعاكسة. حزب الله الذي راكم ترسانة حربية ضخمة ويملك قائمة أهداف وإحداثيات لم يكن يملكها في يوم من الأيام، هل يبادر إلى الردّ أم يُحجم؟ إن لم يأتِ الردّ في هذا التوقيت وما يمكن أن يحمله من متغيّرات فهو سيترك لإسرائيل الفرصة لتعيد لملمة أوضاعها وتحصين جبهتها الداخلية عبر عملية تغيير حكومي في ظل دعم غربي واسع.  

الحزب، وفق هذه المعطيات، قد يُقدم على ردّ عنيف ومعتبر، فإن لم ُيقدم فستخرج إسرائيل لتعلن أنّها هي، مدعومةً بأساطيل الغرب وذخائره وترسانته الحربية،  صاحبة اليد العليا. وما بين الخيارين إشارة مع صدى كلمات تقول: أنظروا إليها تحترق.