بعد مرور عقدين من الزمن على كتابته، وبعد أكثر من 20 عاماً على إقراره في مجلس الوزراء في 2004، أقرّ مجلس النواب قانون "تعديل بعض أحكام قانون الضمان الاجتماعي وإنشاء نظام التقاعد والحماية الاجتماعية"، وفقاً لتوصيات إدارة الضمان الاجتماعي، بحسب المدير العام للصندوق محمد كركي، ليحلّ النص الجديد مكان نظام تعويض نهاية الخدمة، في خطوة اعتبرها البعض متقدّمة تمضي على خطى بعض الدول الأوروبية كالسويد والدانمارك، وتؤمّن للمواطن راتب تقاعدي يرافقه في شيخوخته، فيما البعض الآخر اعتبر أنّ هذه الخطوة جاءت متأخّرة وتشوبها العديد من الثغرات.

مسار القانون

وفي حديثه لموقع "الصفا نيوز" لفت رئيس الاتحاد العمالي العام، بشارة الأسمر، إلى أنّ "نظام تعويض نهاية الخدمة لم يعد موجوداً في أيّ دولة من دول العالم، حيث انتقلت جميع هذه الدول إلى أنظمة تقاعدية".  

وأشار الأسمر إلى أنّه "وفي العام 2017 عندما  أعدنا مباشرة المباحثات والحوار حول موضوع التقاعد، بادرنا كاتّحاد عمّالي عام بالتواصل مع منظمة العمل الدولية وطلبنا منها أن تشرف على الحوار الجاري بيننا وبين أصحاب العمل والدّولة وأن يكون عبر خبراء، وبالتالي أوفدت المنظّمة خبيراً اجتمعنا به وقدّم لنا عدة نماذج مطبّقة في أكثر من دولة حول العالم، وتوسّع الحوار من بعدها وشمل  الضمان الاجتماعي ووصل إلى مجلس النواب وبالتالي كلّ الدراسات التي نفّذت من بعدها أشرفت عليها المنظمة، وعالجت عبرها تكاليف المشروع وقابليته للحياة وأثبتت الدراسة أنّ هذا المشروع قابل للحياة ضمن المبدأين المعتمدين لتسديد التقاعد".

آلية احتساب راتب التقاعد

والمبدأ الأول، تابع الأسمر، هو 55% من الحدّ الأدنى للأجور مضروب بـ 1.75 تصاعدية عن كلّ سنة وتصل إلى 80% حدّ أقصى من الحدّ الأدنى. والمبدأ الثاني 1.33% معدل الراتب مضروب بسنوات العمل للشخص. وكان قد اعترض الاتحاد على هذا المبدأ لأنّ سنوات الخدمة كانت محدودة بـ 30 سنة فقط، ورفعنا كتابا آنذاك إلى الوزير السابق الياس بو صعب، لتعدّل وتصبح النسبة مضروبة بعدد سنوات الخدمة ولو تجاوزت الـ 30 عاما".

وشدّد الأسمر على "أهمية مبدأ إعادة تقييم الرّاتب سنوياً في عملية الاحتساب في صناديق الضمان، إلى جانب تعويضات نهاية الخدمة التي ستتحوّل مع مبالغ التسوية (التي من المفروض أن يسددها صاحب العمل). فإذا عمل شخص على سبيل المثال لمدة 20 سنة، وراتبه بحسب الحدّ الأدنى 9 ملايين ليرة، سيستطيع أن يقبضهم 180 مليون ليرة بحسب القانون، بسنتين حسب المبدأ الأول".

مصادر التمويل

واعتبر الأسمر أنّ "المشروع مدروس مالياً ووضع واقع التقاعد في لبنان على سكّة أفضل من لا شيء، خصوصاً في هذا الوضع الاقتصادي حيث أنّ تعويضات نهاية الخدمة لم تعد تساوي شيئاً".

وعن مصادر التمويل، أجاب بأنّها "تأتي من مبالغ التسوية التي تقع على عاتق أصحاب العمل وستتضاعف أكثر من مرة، عدا عن مساهمة الدولة وأصحاب العمل والعمّال لحدود الـ 16 في المئة".

وعن كون الدولة مفلسة فمن أين ستتمكّن من تأمين التمويل أجاب "إذا الدولة مفلسة منبطّل نعمل شي؟"، مشيراً إلى انّه "وعلى الرّغم من كلّ الصعوبات الاقتصادية لا تزال الدولة قادرة على تأمين رواتب الموظفين في القطاع العام، وبعد هذه التعديلات ومع المساعي والحوافز المطروحة في مجلس الوزراء سيصبح أقلّ راتب لموظّف القطاع العام 50 مليون ليرة. ألا تستطيع الدولة نحمّل 6 أو 7 مليون ليرة؟".

200 ألف أسرة ستستفيد

ولفت الأسمر إلى أنّه "ووفق القانون سيتمّ إنشاء لجنة استثمارية جديدة في الضمان لإدارة الأموال من قبل أشخاص أكفّاء وخبراء يخضعون لمباريات مجلس خدمة مدنية. كما من إيجابيات هذا القانون أنّه مرتبط بالحدّ الأدنى للأجور فكلّما ارتفع الأخير كلّما زاد الرّاتب التقاعدي".

وعن مسألة المراسيم التطبيقية علّق الأسمر بالقول إنّ "المراسيم التطبيقية، قد تضاف إليها أيضا بعض الفئات التي لم يشملها القانون، تحت مسمّى فئات خاصة. والمشروع جدير بالمناقشة وجدير بأن يبصر النور ونحن مع هذا المشروع وسنسعى جهدنا كطبقة عمالية للدفع باتجاه تنفيذه لأنّه يشمل حوالي الـ 500 ألف عامل، وإذا ما احتسبنا متوسّط الأسرة في لبنان من 3 إلى 4 أفراد بالتالي سيشمل المشروع قرابة الـ 200 ألف أسرة".

ما هي ثغرات القانون؟

على المقلب الآخر، شرح الخبير الاقتصادي، الدكتور خلدون عبد الصمد أنّ الثغرة الأولى في القانون هو حاجته إلى الكثير من المراسيم التطبيقية والتي يتخطّى عددها الـ 15 مرسوماً، وأعطيت مهلة سنتين وكأنّ القانون لم يصدر أو صدر مع وقف التنفيذ".

وسأل خلدون "وفق أيّ أساس ستتم العملية الحسابية؟ إذا ارتكزنا على الحدّ الأدنى للأجور الحالي فلا قيمة له، على غرار قانون تقاعد تعاونية موظّفي الدولة. جاء المشروع وكأنّه حمل وكان لا بدّ من الانتهاء منه، فتمّ اقراره بعد مماطلة لأكثر من 20 سنة".

واعتبر أنّ آلية تطبيق القانون صعبة جدا، كما أنّه استثنى شريحة كبيرة جداً من المواطنين، وفي المشروع ثغرات كبيرة تمنع تنفيذه على الأرض، والاستفادة منه كما يجب. وهو موضوع دون جدوى، خصوصاً أنّ أصول الرواتب لم تتحسّن والفرق لا يزال شاسعاً بين الرواتب ومتطلبات المعيشة. لذلك كان يحتاج إلى دراسة معمّقة أكثر ويتقدّم بصورة أوعى ويقرّ بعد إقرار سلسلة الرتب والرواتب وتحسين الأجور والوضع المعيشي للمواطن اللبناني".

أمّا عن حسنات المشروع فرأى أنّه "أفضل من أن يخرج الفرد من عمله دون راتب وكأنه ضمان شيخوخة لسد الحاجات الرئيسية ومأكل ومشرب فقط".

التشريع في ظل ّالفراغ الرئاسي

من جهته علّق عضو تكتل لبنان القوي، النائب شربل مارون، في حديثه لموقع "الصفا نيوز" على مسألة التشريع في ظلّ الفراغ الرئاسي معتبراً أنّ "التشريع لغير الضرورة بغياب رئيس الجمهورية نعتبره مخالفة دستورية، ونحن موقفنا واضح منذ اليوم الأول، وهو أنّنا نرفض أن تكون دورات المجلس مفتوحة بطريقة عادية، وهو المبدأ الذي نطبقه على أنفسنا وعلى قناعاتنا واتجاه جمهورنا، على عكس الكتل الأخرى".

تعليق لأحكام الدستور

من جهته اعترض النائب ملحم خلف في حديثه لموقع "الصفا نيوز" على مسألة التشريع في ظلّ الفراغ الرئاسي، مؤكّدا أنّه "وبحسب الدستور وانطلاقا من المادة 75 ليس هناك إمكانية للتشريع طالما المجلس النيابي هيئة انتخابية لا اشتراعية، وألزمت المادة 73 وجوبا وقبل 10 أيام من نهاية ولاية الرئيس السابق أن يكون المجلس النيابي ومن دون دعوة منعقد حكماً، وعندما يكون منعقد حكماً تطبّق احكام المادة ٧٥ التي تمنع على المجلس قبل انتخاب رئيس للجمهورية أن يقوم بأيّ عمل آخر". وبالتّالي أنّ المجلس الحالي منعقد حكماً منذ ما قبل 10 أيام من تاريخ نهاية ولاية الرئيس السابق بحيث أضحى المجلس هيئة انتخابية لا اشتراعية".

واعتبر خلف أنّ "عنوان المرحلة الحالية في لبنان هو "تعليق لأحكام الدستور" فما يحصل من ممارسات هو انقلاب على الدستور والجمهورية والديمقراطية والمفاهيم القانونية الحقوقية. فالدولة معطلة ومشلولة والحكومة منقسمة على ذاتها، وسط فراغ في سدّة الرئاسة والذي أنتج مخالفات ومتاعب لا تحصى للشعب اللبناني. فيما المعالجة لا تأتي إلّا بانتخاب رئيس للجمهورية وهي مسؤولية الـ 128 نائباً ومسؤولية شخصية حيث تقع على عاتق كلّ نائب مؤتمن على تنفيذ الموجب لدستوري مهمّة انتخاب رئيس للجمهورية وفقاً للمادة 74 من الدستور".

ورأى أنّ "ما يحصل هو إلهاء المواطنين عن انتظام الحياة العامة، وخرق للدستور بحجّة المصلحة العليا فيما المصلحة العليا فقط تعود إلى السلطة التنفيذية، أي الحكومة، بينما السلطة التشريعية أي المجلس النيابي هو المؤتمن على حسن تطبيق القوانين فكيف يخالفها باسم المصلحة العليا؟".

في المحصّلة، وعلى الرغم من أهمّية قانون الراتب التقاعدي من حيث الشكل، إلاّ انّ الخطوة وبآلية إقرارها تشوبها العلل والثغرات، بدءاً من إقرارها في جلسة مخالفة للدستور، ووصولا إلى مسألة التمويل والمراسيم، وحلّ الأزمة الاقتصادية. ليبقى على اللبنانيين الانتظار عامين فوق الـ 20 عاماً لمعرفة على أيّ شطّ بحر سيرسو نظامهم التقاعدي.