نصّت المادّة 80 في مشروع موازنة 2023 على فرض ضريبة استثنائية بنسبة 17 في المئة على الأفراد والمؤسسات التي حققت أرباحاً من منصة صيرفة 

شغلت بعض الطروحات الضريبية الرسمية وغير الرسمية الرأي العام اللبناني. فـ "حمل المواطنون قلوبهم على أكفّهم"، وجلسوا يتساءلون إن كانوا قد وقعوا في "شرك" السلطة. وممّا زاد الأمور تعقيداً، الإبهام في النّصوص، وإيحائها بأنّ موجة من الضرائب الجديدة والمرتفعة جداً، ستصيب خبط عشواء، كلّ من ساورته الحاجة على تسديد قرض بالليرة، أو "دنّته" نفسه على تعويض انهيار قدرته الشّرائية بتحقيق فتات الدولارات من منصة صيرفة.

نصّت المادّة 80 في مشروع موازنة 2023 على فرض ضريبة استثنائية بنسبة 17 في المئة على الأفراد والمؤسسات التي حققت أرباحاً من منصة صيرفة منذ توسّعها في مطلع العام 2022 لتصبح منصّة للمتاجرة. وعُلم أنّ المصرف المركزي بصدد تحضير اقتراح ضريبة على كبار المقترضين الذين سددوا قروضهم بالعملة الأجنبية على سعر الصّرف الرّسمي أو بـ "الدولار المحلّي". وهو السّعر الذي تدرّج صعوداً من 3900 ليرة، مروراً بـ 8000 ليرة، وصولاً إلى 15 ألف ليرة.

هل تعاقب السلطة المودعين؟

بغضّ النظر عن العائد الذي يمكن أن تحقّقه السلطتان المالية والنقدية من هاتين الضريبتين، وهو كبير جدّاً، فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه: "كيف يمكن لأيّ سلطة مهما غاصت في اللاعدالة أن تحاسب مواطنيها على "ذنب" هي من شجّعهم على اقترافه؟! لا بل أكثر من ذلك، دفعتهم مجبرين على تنفيذه. فالموظفون في القطاع العام على سبيل المثال، لم يملكوا خيار عدم التداول على صيرفة، إنّما أجبروا على تحويل رواتبهم إلى الدولار. أمّا بقية المواطنين فنفذوا ببساطة مندرجات التعميم 161 الصادر في 16 كانون الأول 2021، الذي سمح لكلّ المودعين وضع الليرات (بين مليار و10 مليارات ليرة) في المصارف التجارية، والاستحصال على الدولار بسعر منصة صيرفة. ولم يأتِ التعميم كـ "مِنّة" من المركزي أو استشعاراً منه بضيق الحالة المعيشية، إنّما لتنفيذ سياسته بتنشيف الليرات، ووضع حدّ لارتفاع سعر الصّرف، من النّاحية النظرية، ولإغناء فئة من المنتفعين وتحقيقها أرباحاً بمليارات الدولارات من الناحية الفعلية.

من الجهة الثانية فإنّ المركزي بنفسه، سمح للمقترضين من خلال التعميم الوسيط رقم 13260 الصادر في صيف 2020، تسديد ودائعهم بالليرة على سعر الصرف الرسمي إن كانوا "مقيمين" ولا يملكون حساباً بالعملة الأجنبية. أمّا إذا كانوا من "غير المقيمين" فيتوجّب عليهم الدفع بـ "اللولار"، إذا كان القرض يصنّف من ضمن فئة قروض التجزئة او الإسكان، وبالدولار النقدي الطازج المحوّل من الخارج حصراً، في حال كان القرض يصنّف من ضمن قروض الأعمال. فكيف للسّلطة أن "تشكو للنّاس جرحاً هي صاحبته"، على حد تعبير الشاعر كريم العراقي، "لا يؤلم الجرح إلّا من به ألم".

ضريبة الدّخل هي المعيار

لوضع الأمور في نصابها، وقطعاً للطريق على أيّ تأويل أو تفسير، أو حتّى "تفخيخ" للقوانين، فإنّ "قانون ضريبة الدخل واضح جداً، لجهة خضوع الربح المتأتّي من أيّ عمل مهني، أو نشاط غير مهني لضريبة الدخل"، يقول رئيس لجنة حماية حقوق المودعين في نقابة المحامين في بيروت، الدكتور كريم ضاهر. فالفقرة (د) من المادة الرابعة من قانون ضريبة الدخل تنصّ على أنهّ إذا كان الإيراد، أو الربح المُحقق غير خاضع لضريبة نوعية أخرى على الدخل، مثل الضرائب على الرواتب والأجور ورؤوس الاموال المنقولة أو الأملاك المبنية... أو غيرها، يكون خاضعاً حكماً لضريبة الدخل، الباب الأول، والتي تتراوح بين 4 و25 في المئة على الأفراد، و17 في المئة على الشركات".

الضريبة لا تستهدف الموظّفين وأصحاب الحسابات المصرفية المحدودة

انطلاقا من هذا التعريف العام والشامل، يصبح فرض ضريبة على الأرباح المحقّقة من تسديد القروض بغير عملتها الحقيقية، ومن المتاجرة على صيرفة مفهوماً. وينفي الحاجة إلى إقرار الضريبة بمادة ملتبسة في الموازنة قد تضرّ أكثر مما تفيد. "من دون أن يعني ذلك في أيّ شكل من الأشكال تحميل الموظّفين ومحدودي الدخل الذين تداولوا على صيرفة وأصحاب الودائع الذي سدّدوا قروضهم الشخصية بالليرة اللبنانية أيّ ضريبة"، يؤكّد ضاهر. "إنّما تفرض الضريبة على الأرباح المحقّقة المتاجرة. ولاسيما على أولئك الذين اشتروا الشيكات المصرفية بأقلّ من قيمتها الحقيقية بنسبة تتراوح بين 20 و60 المئة، لتسديد قروض تجارية وخلافه. والتي تسببت بخسارة المودعين لقيمة ودائعهم".

القوانين الضريبية والمالية هي قوانين غير رجعية، بمعنى لا يجوز ان تُفرض على عمليات حصلت في الماضي

ضريبة صيرفة على المتاجرين

أمّا في ما يتعلّق بصيرفة فهناك أيضا فئتان استفادتا من سعر الصّرف المدعوم: فئة الموظّفين العامّين والمودعين من أصحاب الدخول المحدودة والحسابات المحجوزة، الذين سحبوا رواتبهم على سعر صيرفة، وهذا يعتبر تعويضاً وليس ربحاً. وهناك فئة جعلت من صيرفة "شغلها ومشغلتها" بالتعاون مع موظفين ومدراء ومسهّلين من داخل المصارف، وحقّقت أرباحاً هائلة. و"على هذه الفئة تحديداً يتوجّب فرض ضريبة الدّخل بشكل طبيعي، ومن دون الحاجة إلى إقرارها بقانون ملتبس في موازنة 2023"، برأي ضاهر. فالقوانين الضريبية والمالية هي قوانين غير رجعية، بمعنى لا يجوز ان تُفرض على عمليات حصلت في الماضي. وعليه فإنّ "الإبقاء على هذه المادة في موازنة 2023 سيعرّضها حكما للطّعن أمام المجلس الدستوري"، يقول ضاهر. "في حين أنّ تطبيق القانون كفيل بتحقيقها. وذلك من خلال إصدار المالية لمرسوم يقضي برفع السرّيّة المصرفية وفقا للقانون الجديد 306/2022، وتحديد المتاجرين الذين حقّقوا الأرباح وفرض الضريبة عليهم".

تقدر الأموال التي قد تتأتّى من هاتين الضريبتين بما لا يقلّ عن 10 مليارات دولار. فحجم التداول على صيرفة للفترة الممتدة بين العامين 2022 و2024 وصل إلى حدود 24 مليار دولار، فيما تمّ تسديد قروض بغير قيمتها الحقيقية بحوالي 28 مليار دولار. وهذه الأموال هي ليست من حقّ الدولة إنّما من حق المودعين حصراً لكونها اقتطعت من حساباتهم. ويتوجب وضع العائدات الضريبية في صندوق استرداد الودائع لتكون جزءاً من التعويض على المودعين.