كلما كان لبنان الحلم على مسافة خطوة واحدة من القيامة، دأبت كبريات الغرف السوداء لبعض الأنظمة على هزّ الكيان في صميمه وغالباً ما كانت الفاتورة الكبرى من حصة الطائفة السنيّة، ورغم ذلك كانت المخططات تفشل ببصيرة العقلاء، وحيث لم تكتف بعدم رد الأذى بل في كل مرة كانت تصيغ معان جديدة للتسامح وطي الصفحات القاتمة، مقدمةً المصلحة العامة على كل الحسابات الضيقة والثأرية، فمن ظن أن مخطط الفتنة وما رصد له من عدة وعديد عشية حادثة اغتيال الرئيس الحريري الأب وما تبعها من أحداث في لبنان والمنطقة لإشعال الفتنة السنية - الشيعية بسيط، فليعيد القراءة مرة أخرى ليدرك كيف سارت الأمور منذ ما بعد 14 شباط 2005 وحتى اليوم حيث العمل على تهجير المسيحيين من الشرق العربي وتخويفهم من المسلمين، في حين تمر الطائفة السنية بأعمق أزماتها على الإطلاق والمتمثلة بتشرذم الشارع وغياب ثقل القرار السياسي وإقصاء أحد أهم رموزها عن المشهد ككل.

لطالما شكّل أهل السنة في لبنان مع شركائهم المسيحيين وغيرهم ركناً أساس من أركان دولة لبنان الكبير قبل نحو قرن من الزمن، وإذا ما دخلنا في تفاصيل الماضي البعيد نجد أن هذه الطائفة تحديداً دائماً ما كانت من أوائل المستهدفين عند التحولات الاقليمية والدولية الكبرى، وعلى الرغم من ادراكها سريعاً أن ما يحصل سيكون على حسابها إلا أنها لم تتراجع يوماً خطوة إلى الوراء ولم تبخل في تقديم نخبها أصحاب الباع الطويل في صقل مفاهيم العيش الواحد، ونبذ الطرف والفتنة لا بل لفظ أصحابها الطارئين على الطائفة وأهلها. الأسماء تكاد لا تعد ولا تحصى مأثرها أبداً، فمن الرئيس رياض الصلح مروراً بالرئيس رشيد كرامي والرئيس صائب سلام والرئيس سليم الحص والمفتي الشيخ حسن خالد وصولاً إلى الرئيس رفيق الحريري وما بينهم من شهداء وأحياء كان لهم البصمة النافرة في رسم هيكلية النظام اللبناني وحركات المقاومة العروبية على امتداد تاريخ لبنان والمنطقة، وعلى الرغم من مواجهتهم بأشرس أنواع المعارضة إلا أن حسن السيرة والمسيرة أحداً لم يتنكر لها لا الخصوم ولا حتى الأعداء.

وكلما كان لبنان الحلم على مسافة خطوة واحدة من القيامة، دأبت كبريات الغرف السوداء لبعض الأنظمة على هزّ الكيان في صميمه وغالباً ما كانت الفاتورة الكبرى من حصة الطائفة السنيّة، ورغم ذلك كانت المخططات تفشل ببصيرة العقلاء، وحيث لم تكتف بعدم رد الأذى بل في كل مرة كانت تصيغ معان جديدة للتسامح وطي الصفحات القاتمة، مقدمةً المصلحة العامة على كل الحسابات الضيقة والثأرية، فمن ظن أنّ مخطط الفتنة وما رصد له من عدة وعديد عشية حادثة اغتيال الرئيس الحريري الأب وما تبعها من أحداث في لبنان والمنطقة لإشعال الفتنة السنية - الشيعية بسيط، فليعيد القراءة مرة أخرى ليدرك كيف سارت الأمور منذ ما بعد 14 شباط 2005 وحتى اليوم حيث العمل على تهجير المسيحيين من الشرق العربي وتخويفهم من المسلمين، في حين تمر الطائفة السنية بأعمق أزماتها على الإطلاق والمتمثلة بتشرذم الشارع وغياب ثقل القرار السياسي وإقصاء أحد أهم رموزها عن المشهد ككل.

ماذا لو كان التوجه اليوم إجماع النواب السنة على دعم سليمان فرنجية للرئاسة بمباركة الرياض؟

هو حراك سعودي مُنتظر إذ يجتمع 23 نائباً سنياً عصر اليوم في دارة سفير المملكة العربية السعودية وليد البخاري في اليرزة، بحضور المبعوث الرئاسي الفرنسي جان - ايف لودريان من مختلف الانتماءات والتوجهات السياسية، فيما استثني من الدعوة فقط نائبي حزب الله ينال الصلح وملحم الحجيري، والنائب جهاد الصمد، بالاضافة إلى النائب حليمة قعقور التي امتنعت دوما عن حضور اجتماعات ذات طابع طائفي، لكن الدعوة لم تستثن نائب كتلة التنمية والتحرير قاسم هاشم، ما شكّل مفاجأة لدى البعض كونه نائباً ضمن تكتّل "الثنائي الوطني".

وحتماً لن يكون لقاء اليرزة اليوم عابراً أو عادياً لا من حيث التوقيت إذ أنّه يتزامن مع تحرّكات كبرى تشهدها المنطقة، ولا من حيث الشكل، فـ"عجقة" الموفدين الدوليين إلى لبنان والتي بدأت بزيارة المبعوث الأميركي نهاية آب الفائت آموس هوكشتاين مروراً بوزير الخارجية الايرانية حسين أمير عبداللهيان وصولأً إلى زيارة لودريان، تشي بأن الملف اللبناني قد وضع على نار حامية وقد لا نبالغ القول إنَّ المنطقة مقبلة على تغيرات كبرى قد تنتهي باتفاق إقليمي - دولي ربما هذه الفرضية الصعبة التحقيق توصل رئيساً جديداً للجمهورية إلى بعبدا ويدخل لبنان ودول المنطقة مرحلة سياسية وأمنية جديدة بعد عقد من التوترات المُنهكة حيث تمثلت الخطوة الأولى بلقاء "المصالحة" السعودية - الايرانية برعاية صينية، وتبعها دعوة الرئيس السوري بشار الأسد الى القمة العربية في جدّة.

ومن الدلائل أيضاً ربما يكون إشعال فتيل مخيم عين الحلوة بمثابة الرسائل وبأكثر من إتجاه، حيث تُتهم بعض الدول الإقليمية بالوقوف خلفها لتحجز لنفسها مكانة على الساحة اللبنانية، وإلا كيف يمكن تفسير هذه الشراسة بالمواجهات والخروقات لوقف اطلاق النار رغم اتفاق الفصائل الفلسطينة على ذلك ولأكثر من مرة، وبطريقة بعيدة كل البعد من مفاهيم المنطق، ما يطرح العديد من التساؤلات حول من يقاتل من؟ ومن أين ظهرت مجموعات متطرفة بسحر ساحر داخل المخيم بعدما كان عدد كبير من أفرادها في ساحات القتال السورية؟ 

كذلك، يتزامن اللقاء مع زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الخاصة إلى سلطنة عمان للقاء السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، بعد اختتام ولي العهد زيارته للهند التي بدأت السبت الفائت، في حين يرى مواكبون للأحداث الإقليمية أن الزيارة تكاد تكون ثمرة للجهد المتواصل الذي تقوم به مسقط ومنذ سنوات لرأب الصدع بين الرياض وصنعاء، حيث لم يعد خافياً بأن لحزب الله دور مهم في "المونة" على القوات "الحوثية" اليمنية، خصوصاً بعد اطلاع حلفاء طهران في لبنان (حزب الله تحديداً) على خريطة الطريق التي يمكن أن تغلق ملف الحرب اليمنية بعد زيارة وزير الخارجية الايرانية حسين أمير عبداللهيان. 

وخلال كلّ المحادثات المباشرة وغير المباشرة، دائماً ما كان الملف اليمني حاضراً ويحظى بأولوية كبرى بالنسبة للمملكة ومشروع بن سلمان تحديداً، "نيوم 2030"، والذي من غير الجائز أن يقوم بلا استقرار يبدأ من نجران وجازان وعسير ويصل إلى تخوم لواء اسكندرون، فهل يكون لقاء اليرزة اليوم أولى الدلائل على الإنفراج؟ أو هل تكون بيضة القبّان سنيّة بعد لقاء اليوم؟ 

من جهة ثانية، ترى مصادر مراقبة إلى أن ما بعد لقاء الغد حتماً لن يكون كما قبله خصوصاً بالنسبة للكتل المسحية الكبرى المعنية بالإستحقاق الرئاسي، مشيرةً إلى أنه بمجرد التماس الأقطاب الموارنة انخراطاً سعودياً جدياً في الاستحقاق الرئاسي سوف يدفعهم ذلك إلى إعادة ترتيب حساباتهم متناسين "التقاطع" الذي اجمعوا عليه سابقاً، وخصوصاً حلفاء المملكة العربية السعودية.

وتستذكر المصادر نفسها إستدارة القوات اللبنانية باتجاه رئيس الجمهورية السابق ميشال عون وتوقيع اتفاق معراب مع التيار الوطني لمجرد التماسها جدياً عدم ممانعة سعودية على انتخاب عون عام 2016 والذي جاء على شاكلة قبول الرئيس سعد الحريري السير به كمرشح رئاسي، سائلة: "ماذا لو كان التوجه اليوم إجماع النواب السنة على دعم سليمان فرنجية للرئاسة بمباركة الرياض؟ ماذا سيكون موقف رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وماذا عن الشروط التي كان يطرحها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل؟