خضّت مواقف نواب حاكم مصرف لبنان، اللامبالاة تجاه التّعامل مع استحقاق انّتهاء ولاية رياض سلامة نهاية هذا الشهر. "النوّاب" الأربعة وضعوا معادلة "مش ماشي الحال"، في مواجهة "استمرار الأعمال كالمعتاد". وعلى الرّغم من مكر السلطة، ودهائها في الالتفاف على أيّ محاولة إصلاح، فقد عجزت عن تخطّي شروط النّوّاب من خلال تعيين حاكم جديد، أو التّمديد للقديم. من دون أن يعني ذلك، بالطبع، استسلام السّلطة للمطالب، والتوقّف عن محاولات انتقاء منها، ما يطيل عمرها ولا يعرقل استمرار لعبتها.

طوى رياض سلامة بنفسه صفحة سنواته الطّويلة في سدّة حاكميّة مصرف لبنان، مؤكّداً بإطلالة تلفزيونية أنّه لن يقبل بأيّ تمديد تقني، وأنّ مهمّته تنتهي في الحادي والثلاثين من تمّوز الحالي. في المقابل لم تنجح المساعي التي قادها رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي لعقد جلسة لمجلس الوزراء الخميس 27 تموز، لتعيين حاكم جديد للمركزي. ولم يبقَ في "الميدان"، إلّا النواب الأربعة. فهل يتلقّون كرّة لهب السّياسة النقديّة بصدورهم العارية، أم يستقيلون؟ وهل الاستقالة ستكون بالجملة أم المفرّق. وهل تلتفّ السّلطة على الاستقالة بتشريع السّحب من احتياطي العملات الأجنبيّة، كمقدّمة لبقيّة الإصلاحات المطلوبة؟

ما الذي ينتظرنا في الايام القادمة؟

"الصّورة ما زالت غير واضحة لغاية اللحظة"، تفيد مصادر نوّاب حاكم المركزي. فـ "الكلّ متهيّب حساسية الوضع ابتداءً من مطلع الأسبوع القادم. إلّا إنّه ليس من مصلحة أحد، أن يخرج الوضع عن السيطرة. وعليه نحاول أن نتعاون بطريقة تضمن تحقيق ما قدمناه في خطّتنا الإصلاحية". انطلاقاً من هذا الواقع "لا تعود الاستقالة هي الغاية، إنّما تنفيذ الإصلاحات"، تقول المصادر. "وهذه الإصلاحات التي قوبلت عن قصد أو بغير قصد، بردّة فعل استسلامية، على أساس أنّ ما لم يتحقّق في أربع سنوات لن يتحقّق في أشهر قليلة، لا يتطلّب تحقيقها إلّا أيّام قليلة في حال توفّرت الإرادة السياسية".

استحالة شراء المزيد من الوقت

لا الظّرف، ولا حجم احتياطي النّقد الصّعب، يسمحان باستمرار سياسة شراء الوقت التي انتهجها سلامة خلال السنوات الماضية. "فخلال سبعة أشهر، على أبعد تقدير، لن يبق في المركزي أيّ دولار يتدخّل به لضبط سعر الصرف"، تقول المصادر. "ومن بعد هذه الفترة يصبح تحقيق الإصلاحات، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي أصعب بما لا يقاس. وينتفي الأمل بإعادة إلى حد 100 ألف دولار لصغار المودعين كما تقتضي الخطّة الحكومية. و"يفلت" سعر الصّرف، و"تطير" الأسعار، ويدخل البلد المنعطف الأخطر في الأزمة". وعليه، فإنّ ما ينادي به نوّاب الحاكم، وهم العالمون بخفايا الأمور من الداخل، "ليس ترفاً ولا دلعاً نقدياً، إنّما صرخة أخيرة للإنقاذ قبل فوات الاوان"، تؤكّد المصادر. إذ من المستحيل ان تبقى الدولة تعتاش على احتياطيات مصرف لبنان. وعلى القيّمين على السياسات الاقتصادية والمالية المباشرة فوراً بإصلاح الموازنة وإقرار القوانين الضرورية لانتظام المالية في الدولة".

لا ثقة بالحكومة

ما ينادي به نوّاب الحاكم من إصلاحات يصطدم بـ "فقدان الثّقة بالحكومة، المعنيّة الأولى والأخيرة عن إقرار الإصلاحات المطلوبة"، يقول النائب د. رازي الحاج. "والمطالبة بتشريع إقراض الحكومة 1.2 مليار دولار على فترة 6 أشهر، لتحسين ماليّتها، وإيجاد حلّ لرواتب القطاع العام قبل تحرير سعر الصّرف، يواَجه بعقمها عن القيام بأيّ إصلاح، وعجزها عن إرجاع المبلغ. فترمي المسؤولية مرّة جديدة على النواب بتضييع أموال المودعين". وبرأي الحاج فإنّ "مشكلة الحكومة لا تقتصر على عجزها بإقرار الإصلاحات، إنّما على تضييع الموارد ومنها 100 مليون دولار شهرياً من الانترنيت غير الشرعي. حيث يبلغ عدد المشتركين غير الشرعيين 750 ألفاً من أصل حوالي 1.25 مليون مشترك، وتركها الحدود سائبة والمعابر مفتوحة أمام التهريب على أعين القوى الأمنية". فهل من عاقل يتجرّأ على تشريع إعطاء مثل هذه السلطة المزيد من القروض؟

أمام هذا الواقع لا يرى الحاج مفرّاً من "تطبيق قانون النّقد والتسليف، واستلام النّائب الأول للحاكم المسؤولية. وحتى الاستقالة لا تعفيه من تحمّل المسؤولية والاستمرار بتشغيل المرفق العام إلى حين تعيين حاكم جديد". وبرأيه فإنّ "المطلوب الوحيد في مواجهة هذا التعطيل هو أخذ قرار جريء بفصل السياسة النّقديّة عن الماليّة، عندها تصطلح الأمور تلقائياً".

الأمور تبقى مفتوحة على كلّ الاحتمالات

الطروحات العقلانية ما زالت تواجه بعرقلة المتضرّرين، وهم كثر، الذين يعملون على طريقة "من بعدي الطوفان"، ويحاولون عبر صيرفة وغيرها من السياسات امتصاص آخر الدولارات الموجودة في النّظام بدلاً من استغلالها للإصلاح. وبحسب مصادر نوّاب الحاكم فإنّ "الخيار الأقرب إلى الواقع هو استلام النائب الأول المسؤولية في ظلّ تعاون بقية النوّاب واتفاقهم على تطبيق خريطة طريق واضحة للمرحلة المقبلة. وتقتضي الخطّة امتصاص أيّ صدمة قد تنجم عن الشغور في منصب الحاكمية على المدى القصير والمباشرة بتطبيق الإصلاحات على المديين المتوسط والبعيد".

أمّا لجهة ما يطرح من حلول كتعيين مدير بقرار قضائي أو حارس قضائي، فهي "تفتقد للمشروعية القانونية"، بحسب مصادر حقوقية. "والأقرب إلى المنطق يبقى استلام النائب الثاني المسؤولية في حال اعتكاف الأول، والثالث في حال اعتكاف الثاني، والرابع في حال اعتكاف الثالث. ولو لم ينصّ على ذلك صراحة قانون النّقد والتسليف، وحصر في المادة 25 إمكانية استلام مسؤوليات الحاكم بالنّائب الأوّل. أو أن يفوّض الحاكم مجمل صلاحياته لنائبه الثاني في حال تعذر وجود النّائب الاول، وفقا للشروط التي يحدّدها الحاكم تبعا للمادّة 27 من قانون النّقد والتّسليف".