تشدُّق السياسيون بالإصلاحات المنجزة، وجلسات النقاش الماراثونية للّجان وتفرعّاتها في مجلس النّواب، ما هي إلّا رأس جبل الإصلاحات المطلوب من لبنان تنفيذها للحصول على مساعدة صندوق النّقد الدولي.

سؤال يومي يراود نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي، المكلّف تنسيق الإصلاحات مع صندوق النقد الدولي: هل نضيّع وقتنا أم أنّ هناك مجالاً للإصلاح؟! ظاهرياً يُبدي نائب رئيس الحكومة بدبلوماسيته المعهودة أملاً بالشفاء من مرض الأزمة الاقتصادية العضال، لكن ما يمكن استنتاجه من تسلسل الأحداث، وما يفهم مما لا يقال بالكلمات أنّ الأزمة "فالج لا تعالج".

تشدُّق السياسيون بالإصلاحات المنجزة، وجلسات النقاش الماراثونية للّجان وتفرعّاتها في مجلس النّواب، ما هي إلّا رأس جبل الإصلاحات المطلوب من لبنان تنفيذها للحصول على مساعدة صندوق النّقد الدولي. هذا ما كشفه نائب رئيس مجلس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال، الوزير سعادة الشامي في لقاء حواري استضافه حزب الكتلة الوطنية من ضمن سلسلة لقاءات "جلسة مع الكتلة". فما خفي من الإصلاحات غير المنفذة أعظم. ولعلّ الأخطر الاستشفاف من حديث الشامي عن عدم وجود نية جدّية عند مختلف القوى السياسية لإقرار الإصلاحات وتنفيذها. فتارة يتحجّجون بعدم وجود خطّة، للتشويش على قناعات الرأي العام، وتارة بغياب الأرقام لعدم تفنيد المسؤوليات، وفي أغلب الأحيان يضيّعون جوهر النقاش بالمهاترات الجانبية وتقاذف المسؤوليات والطروحات الشعبوية. والنتيجة، أربع سنوات على الانهيار، وسنة كاملة على توقيع اتفاق مبدئي على صعيد الموظفين مع صندوق النقد الدولي، ولا يوجد إقرار كامل لإصلاح واحد من الإصلاحات العشر المطلوبة.


الشامي في لقاء حواري استضافه حزب الكتلة الوطنية من ضمن سلسلة لقاءات "جلسة مع الكتلة"

 الإصلاحات المطلوبة

تنقسم الإصلاحات المطلوب من لبنان تنفيذها إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: إصلاحات من مسؤولية الحكومة وهي:

  • وضع استراتيجية للتعامل مع المصارف.
  • وضع استراتيجية لإعادة هيكلة الدين العام.
  • إصلاح الكهرباء.

القسم الثاني: إصلاحات مطلوبة من مجلس النواب، وهي:

  • إقرار قانون الكابيتال كونترول.
  • تعديل قانون السرّية المصرفية.
  • إقرار موازنة 2022.
  • إعادة هيكلة المصارف وإقرار قانون الانتظام المالي.

القسم الثالث: إصلاحات مطلوبة من مصرف لبنان:

  • التدقيق بالأصول الأجنبية.
  • توحيد سعر الصّرف.
  • تقييم أكبر 14 مصرفاً.

عرقلة الإصلاحات

"وأحيانا أشعر من خلال المناقشات، وكأنّه لا يوجد حسّ طوارئ عند النواب"

باستثناء إقرار موازنة 2022 بعجز هائل، والتأخّر أكثر من نصف سنة لإنجاز موازنة 2023 في الحكومة، والتعديل الناقص لقانون السرّية المصرفية، فإنّ أياً من الإصلاحات المتبقية لم تبصر النور بعد. "وأحيانا أشعر من خلال المناقشات، وكأنّه لا يوجد حسّ طوارئ عند النواب"، يقول الشامي. بمعنى أنّهم ليسوا على عجلة من أمرهم، رغم كل المخاطر التي تحيط بالبلد والاقتصاد والمواطنين. "فقبل نحو شهر من اليوم زوّدنا البرلمان بكل الأرقام عن القطاع المصرفي، من أجل التسريع بدراسة وإقرار قانون إعادة الانتظام المالي، إلّا أنّ أحداً لم يجاوب بعد لتاريخه".

ما يزيد الامور تعقيداً ويؤخّر إقرار وتنفيذ الإصلاحات مجموعة من العوامل منها:

عدم إبداء شركات التدقيق العالمية التي تمتلك سمعة جيدة رغبة أو حماسة للعمل في لبنان، وتحديداً للتعاون مع المصارف.

استمرار التلهّي بما يطيل عمر الازمة ويؤخّر الحلول، وذلك على غرار منصّة صيرفة التي لا يملك الشامي أية فكرة عن كيفية عملها. حيث توحي بالشكل أنّها شفافة، فيما تناقض ذلك في المضمون. وهي تؤدّي إلى استفادة فئات على حساب أخرى ولا تساعد على توحيد سعر الصرف".

إقرار قوانين معرقلة وذلك على غرار القانون الذي اقترح من قبل رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان والذي ينصّ على إلزام الحكومة التعهّد بعدم المسّ بالودائع قبل مناقشة أيّ خطة للخروج من الأزمة، وهذا ما يتناقض مع المتطلبات العملية والمنطقية والدولية في عملية توزيع الخسائر، من وجهة نظر الشامي.

توزيع الخسائر


لا يجد الشامي مانعاً من إقالة رياض سلامة وتعيين حاكم جديد


التوافق على برنامج مع صندوق النقد الدولي، والحصول على التمويل، يتطلّبان توزيع الخسائر بحسب تراتبية المسؤوليات على المصارف أولاً ومن ثمّ الدولة. فلا يمكن تحميل الخسارة للدولة قبل تحديد خسائر حاملي سندات المصارف وودائع أصحاب المصارف. وبرأي الشامي فإنّ مجمل الخسائر تقدّر بحدود 70 مليار دولار من أصل ودائع بقيمة 92 مليار دولار. وذلك بعد اقتطاع التوظيفات الإلزامية بقيمة 10 مليارات دولار، وحوالي 6 مليارات دولار من الديون النظيفة، و4 مليارات دولار في المصارف المراسلة.

الحاكم

ليس من مسؤولية المركزي إقرار خطّة لدعم السّلع والخدمات، ولا دعم رواتب القطاع العام

في الوقت الذي تجافي فيه مختلف القوى السياسية الإصلاحات، لا زالت تتمسّك بالحاكم رياض سلامة المتّهم بالفساد داخلياً وخارجياً بسدّة حاكمية مصرف لبنان لغاية انتهاء ولايته في آخر تموز. وعلى الرغم من حساسية الموقف لا يجد الشامي مانعاً من إقالته وتعيين حاكم جديد في حكومة تصريف الأعمال. وذلك بالنّظر إلى أهمية ضمان استمرار عمل واحد من أهمّ المرافق العامّة في البلاد. وعن شخصية الحاكم المستقبلي يقول الشامي أنّه يجب أن يكون شخصاً قادراً على إقفال خط هاتفه ولا يستجيب لطلبات السياسيين، وأن يحصر اهتمامه بالسياسة النقدية من دون التدخّل بالسياسة الاقتصادية كما يفعل سلامة. فليس من مسؤولية المركزي إقرار خطّة لدعم السّلع والخدمات، ولا دعم رواتب القطاع العام. فليهتمّ بالشؤون النقدية ونكون بألف خير".

يعلم سعادة الشامي، كما يعلم القاصي والداني، أنّ الإصلاحات التي يأملها من سياسيي لبنان ومنظومته صعبة التحقّق، وإن تحقّقت فبتشوّهات جوهرية تضمن عدم إقصائها أو محاسبتها. وفي الحالتين يصبح التغيير بـ "التدرّج" الذي يتحدث عنه بعد فشل التغيير بالثورة، معقّداً إن لم يكن مستحيلاً. فالدولة العميقة تقصي من لا يتماشى معها بمختلف وسائل الترغيب والترهيب وزرع الإحباط في النفوس. ولعلّ نية الشامي عدم متابعة العمل بالشأن العام خير دليل على ذلك.