في قلب فلوريدا، بعيداً من أبراج الحراسة وكاميرات المراقبة وجدران الإسمنت العالية، يوجد عالم آخر من الحراسة والعقاب. هذا السجن لا يحتاج إلى أسوار ولا إلى أقفال ولا إلى كلاب حراسة. ما يُخيف السجناء ويمنعهم من الهروب ليس قانون المحاكم ... بل قانون الطبيعة.

مستنقعات "إيفرغليدز" أكبر سجن طبيعي مفتوح في الولايات المتحدة الأميركية في ولاية فلوريدا، حيث تحرُسك التماسيح وتُحاكمك الأفاعي، ويقف الطين كقاضٍ صارمٍ لا يسمح بالفرار.

تمتد مستنقعات "إيفرغليدز" على أكثر من 6,000 كيلومتر مربع، تعدّ أحد أكثر الأنظمة البيئية تنوعاً وخطورة في أميركا الشمالية. للزائر، قد تبدو منظراً طبيعياً ساحراً … لكن للسجناء، إنها خطورة كبيرة لا يمكن لأحد الخروج منها.

منذ ستينيّات القرن الماضي، بدأ الإعلام يستخدم مصطلح "الكاتراز التماسيح"، نسبةً إلى سجن "ألكاتراز" الشهير، لكن الفارق هنا أن العزلة ليست بحراً ... بل مستنقعاً.

ولاية فلوريدا تحتضن ما يزيد عن 140 منشأة إصلاحية، العديد منها يقع بمحاذاة هذه الأراضي الرطبة ومن أشهرها:

- سجن "أوكالا"، حيث سُجّلت محاولات هروب عديدة، انتهى معظمها بعودة السجناء أنفسهم بعدما طاردتهم التماسيح والأفاعي في ظلمة الليل.

- سجن "إيفرغليدز"، يتداول الحراس قصّة نزل فيها أحد السجناء إلى الوحل هارباً، وقبل أن يغوص نصفه في طين متحرّك، استغاثَ طالباً إنقاذه من الحرّاس أنفسهم.

في هذه السجون، لا تتكلّف الدولة ميزانيّات إضافيّة على أنظمة أمنية ذات تكنولوجيا عالية، فالأمن هنا ... تتحمّله الطبيعة.

عام 2013، في تصريح وثائقي بثّته قناة "ناشيونال جيوغرافيك" لأحد السجناء السابقين بعنوان "السجناء بمواجهة التماسيح"، والذي كشف عن شهادات صادمة حول رعب المستنقعات وتحوّلها إلى حائط نفسي يمنع الهروب، مردفاً بأنه كان يخاف من المياه أكثر من الحراس، وان كل تموّج في الماء كانت تعني له تمساحاً، وكل صوت خافت كان يخفي أفعى، فالعقوبة لا ولن تأتي من القانون، بل من المحيط نفسه، والبيئة كانت لا ترحم ... لقد كانت بيئة متكاملة للعقوبة لا تحتاج إلى سجّان.

تحوّلت قُصص كثيرة إلى تراث شبه أسطوري يُتداوَل بين السجناء ووسائل الإعلام وحتى فِرَق الحراسة، هناك من كان يتحدث عن تماسيح تتربص قرب الأسوار، وآخرون يحكون عن أفاعٍ تبتلع الهاربين.

ما يميّز هذا النموذج من السجون أنه لا يعتمد على العقوبة الرسمية، بل على مفهوم فلسفي غريب بأن الطبيعة هي القاضي والحُكم يَصدُر عن أنيابٍ لا تقبل الاستئناف.

الهارب من القانون يمكن أن ينجو لأن القضبان يمكن أن تُكسَر، لكن الهارب من الطبيعة لا يمكن أن ينجو لأن التماسيح والأفاعي لا ترحم.