يظهر أنّ الأيام العشرين الفاصلة عن نهاية العام الدراسي في المعاهد والمهنيّات الرسمية ستكون معبّدة بالإضرابات، وصولاً إلى مقاطعة الامتحانات الرسمية، تحضيراً، مراقبة، وتصحيحاً. فالأساتذة الذين خضعوا بالترغيب والترهيب لفكّ الاضراب العام مطلع شهر أيار، تفاجأوا بـ "لحس" الدولة وعودها، و"استشراسها" في معاقبة المعترضين. ولم يعد هناك من حلّ أمام الأساتذة لفرض مطالبهم التي تتخطى الحصول على الرواتب الهزيلة، إلّا التلويح بالإضراب العام ابتداء من يوم الاثنين القادم.

بحجّة "الثغرة القانونية" العالقة بين وزارتي التربية والمالية، لم يتقاض الأساتذة المتعاقدين بالتعليم المهني، الذين يشكّلون أكثر من 80 في المئة من الكادر التعليمي، بدل النقل عن العامين السابق والحالي. ولم يعدّل بدل النقل ويرفع إلى 95 ألف ليرة ومن ثم إلى 450 ألفاً مع قرار الحكومة الأخير المتّخذ في 18 نيسان الفائت. ولم تحوّل الرواتب المتأخّرة عن الأشهر السابقة قبل بدء شهر رمضان كما قطعت الوعود. ولم يعطَ الأساتذة المتعاقدون عقد العمل الكامل كما جرى الاتفاق. ولم يجر تعديل أجر الساعة للأساتذة المتعاقدين. حيث كان من المفروض مضاعفتها سبع مرات أسوة بالزيادات التي لحقت بأجور موظفي القطاع العام على مختلف مسمياتهم، بحجّة مشكلة تقنية في وزارة المالية. ولم يتم توضيح موضوع ربط الأربع رواتب الجديدة التي أقرّت مع دوام الأربعة عشر يوماً بالنسبة لقطاع التعليم (خاصّة في فترة العطلة الصيفية).

التهديد مكان الوعود

"لم نحصل من كلّ الوعود التي قطعت، إلّا على المزيد من التهديد، والتضييق على حقّنا المشروع بالإضراب والتعبير عن رأينا"، يقول رئيس الدروس التطبيقية في التعليم المهني المهندس طانيوس القسيس. "وما زاد الطين بلة، تخاذل رابطة التعليم المهني والتقني، وتخلّيها عن مسؤولياتها الموكلة إليها بالدفاع عن مصالح الأساتذة، بعدما تم إغراء القيمين عليها بالمراكز الإدارية في مديرية التعليم المهني.  فامتثل أعضاؤها للتعليمات الرسمية ضاربين بعرض الحائط مصالح المعلّمين الذين من المفترض أن يمثّلوهم وأن يعملوا لتحقيق مصالحهم". أكثر من ذلك "أقفلت المديرية العامّة للتعليم المهني أبوابها الحديدية في وجه اللجنة المشتركة لأساتذة التعليم المهني والتقني من الملاك والمتعاقدين، مانعة أصحاب الحقّ من الدخول للتعبير عن الوجع والظلم والقهر وللمناداة بالحقوق المشروعة، وعلى رأسها المطالبة باستقالة الرابطة المربوطة بقرارات معلّبة من أصحاب الصفقات"، يقول القسيس.

المطالب

انطلاقاً من هذا الواقع أصدرت اللجنة بياناً طالبت فيه رئيس رابطة التعليم المهني سايد بو فرنسيس بحلّ من اثنين: إمّا إعلان الإضراب العام في كل المهنيات تضامناً مع الأساتذة في سعيهم للوصول إلى أبسط حقوقهم. وإمّا استقالة الرابطة والدّعوة إلى انتخابات جديدة توصل إلى سدّة العمل النقابي من يهمّه فعلاً لا قولاً مصلحة الأساتذة.

وبحسب اللجنة المشتركة المصغّرة المنبثقة عن لجان الأساتذة في الملاك ومن المتعاقدين، فإنّ الاضراب العام هو الطريق الوحيد للوصول إلى مطالبنا المحقّة والتي يمكن تلخيصها بالتالي:

 - ربط الراتب بسعر دولار السوق وإدخال جميع الزيادات التي تم إقرارها في أساس الراتب.

 - تعديل بدل النقل اليومي وربطه بسعر صفيحة البنزين أو تحديده بثلث صفيحة على الأقل.

- زيادة تمويل تعاونية موظفي الدّولة وتأمين الاعتمادات اللازمة لتغطية جميع النفقات الصحية والاجتماعية على مختلف اوجهها.

- دعوة الرابطة إلى الاستقالة الطوعية لأنّها لم تعد تمثّل مصالح الأساتذة.

- رفض المشاركة في كل فعاليات الامتحانات الرسمية من أعمال تحضيرية ومراقبة وتصحيح والعمل على منع إجرائها بكافّة السبل المتاحة.

- تعديل أجر الساعة وزيادة بدل الحصّة التعليمية للأساتذة المتعاقدين بما يتناسب مع ما كان سابقاً وجعلها مرتبطة بتغير سعر دولار السوق الموازية حتى تعود قيمتها المالية كما كانت قبل الأزمة.

- تنفيذ القرار المرتبط بالقبض الشهري أو الفصلي للأساتذة المتعاقدين والكفّ عن التأخير والتسويف في هذا الموضوع.

- إقرار الضمان الصحي للأساتذة المتعاقدين.

- العمل لاحقاً على فتح دورة امتحانات محصورة لتثبيت العدد المطلوب من الأساتذة المتعاقدين وإنهاء بدعة التعاقد وإيجاد حل مرضي للتعويض مادياً على من لم يحالفهم الحظً في التثبيت.

- إصدار قانون بدفع العقد كاملاً للعامين الحالي والمنصرم.

الامتحانات الرسمية مصير مجهول

الخطوات التصعيدية لأساتذة التعليم المهني تسابق الموعد المحدّد للامتحانات الرسمية لدورة 2023 العادية، والتي ستبدأ

‏ في 19 حزيران لامتحانات الإجازة الفنية، وتنتهي في 26 حزيران لامتحانات البكالوريا الفنية. وبحسب مصادر اللجنة فإنّ "تأجيل هذه الامتحانات واجب على وزارة التربية، بغضّ النظر عن العودة إلى الاضراب من عدمه. فبين 80 و85 في المئة من تلامذة المهنيات انقطعوا عن التعليم بشكل كامل منذ مطلع كانون الثاني حتى آخر نيسان. فيما قلّة من المهنيات المنتشرة جنوباً بشكل أساسي فتحت أبوابها في الفترة الماضية بعد حصول أساتذتها على مساعدات مادّية وعينية من قبل الجهات السياسية المسيطرة. فبأي عدالة يُمتحن من تعلّم بشكل شبه طبيعي، مع التلامذة الذين لم يتلقّوا ولو جزءاً بسيطاً من المقرّر التعليمي. كما أنّ الادعاء بتقاضي الأساتذة مبلغ مئة دولار عن تشرين الأول ومئتي دولار عن شهري تشرين الثاني وكانون الأول، شعبوي وغير دقيق. فالأساتذة الذين تقاضوا هذه المبالغ سواء كانوا في الملاك أو التعاقد لا يتخطّى عددهم 10 إلى 15 في المئة.

باختصار يعيش أساتذة التعليم المهني "بعلاً"، فلا رواتب ولا حوافز ولا بدل نقل ولا ضمانات صحّية واجتماعية، ويطلب منهم ممارسة عملهم وكأنهم مرويون "سلسلبيلاً". وعليه فإن صحّت العودة مرة إلى التعليم تحت الضغط، فلن تصحّ أبداً. وهو ما يطرح سؤالاً جدّياً عن مصير العام القادم إن لم يتم إيجاد الحلول الجذرية.