خالد أبو شقرا

دبَّ الخدرُ في جسم التربويين الرابضين منذ بداية العام على "لغم" قطاع التعليم، وبدأ يهدّد قدرتهم على الصمود فوقه لمزيد من الوقت. الجهود المبذولة تنصبّ على وضع "السواتر" لتخفيف حدة ومدى التشظّي، اللتان لن توفّرا حتى التعليم الخاص. فيما البحث الجدّي عن التداعيات بعيدة المدى لأي انفجار محتمل، لم توضع بعد على سكة البحث الجدّي.

قبل أيام من الموعد المفترض للامتحانات الرسمية في الشهادتين المتوسطة والثانوية، يتزايد الضغط لإنقاذ العام الدراسي بأقلّ أضرار ممكنة. العمل يسير على خطّين غير متوازيين. الأول تقوده وزارة التربية التي تعمل على إعادة فتح الثانويات المقفلة بسبب الإضراب. وذلك من خلال إفساح المجال أمام الثانويات لاستبدال الأساتذة المضربين بآخرين مستعان بهم مؤقّتاً. وتقود مفاوضات مع ممثلي التعليم الخاص لإجراء الامتحانات الرسمية بمواد اختيارية، على غرار ما حصل العام الماضي. أمّا الخط الثاني فتقوده المدارس الخاصّة المتضرّرة من تخفيض مستوى الشهادات، والتي تطالب بامتحانات رسمية تقليدية. حتى لو تطلّب الأمر فصل امتحانات المدارس الرسمية عن الخاصة.

مخاطر الحلول قصيرة المدى

وبالفعل تبلّغت الثانويات الرسمية بتاريخ ٤ نيسان الحالي، كتباً من وزارة التربية تطلب فيها إيداع الوزارة لائحة بحاجات الثانوية من الأساتذة المطلوب تأمينهم لاستئناف التدريس بشكل كامل. كما وتحديد ما يمكن تأمينه من قبل إدارة الثانوية عبر كتب رسمية، وذلك ليصار إلى إعطاء الموافقات اللازمة وفق الأصول. وقد برّرت الوزارة هذا الإجراء بـ "الحاجة الماسّة لتأمين استمرارية المرفق العام ولحفظ مستقبل التلامذة ومستقبل قطاع التعليم الرسمي".

الحلول قصيرة المدى المقترحة "غبّ الطلب"، ستؤدّي إلى تشوّهات كبيرة في قطاع التعليم على المدى البعيد. فاستبدال الأساتذة الأصيلين، سواء كانوا في الملاك أو متعاقدين سيترك تداعياتٍ سلبية على قطاع التربية من دون أن يضمن نجاح الإجراء"، بحسب منسّق الدائرة القانونية لرواد العدالة المحامي هيثم عزو. "فالوزير وإن كان مؤتمناً على تسيير المرفق العام، فإن الأساتذة المستعان بهم لا يتمتعون بالجدارة والكفاءة التي يتمتّع بها الأساتذة الأصيلين المتمرّسين، والذين يملكون باعاً طويلاً من الخبرة". وبالتالي فإنّ العملية ستكون من وجهة نظر عزو "ترقيعية، تهدف إلى تمرير الامتحانات الرسمية والإيحاء بأنّ العام الدراسي قد أنقذ. في حين أن التعليم في الثانويات الرسمية متوقف بشكل شبه كلّي منذ مطلع العام".  وبحسب عزو فإنّ "المعالجات المقترحة تنطوي على إهمال للحلول البديلة التي كان من المفترض اعتمادها، وأهمّها الاستفادة من المنح والهبات من المنظمات الدولية، التي شابها العديد من الشبهات بطريقة التصرّف بها، لتحسين الوضع المعيشي للمعلّمين".

خطة طوارئ

المشكلة التي تواجه قطاع التعليم ليست محاسبية، إنما "بنيوية تتعدى قدرات وزارة التربية على المعالجة"، بحسب مديرة مركز الدراسات اللبنانية د. مها شعيب. و"تتصل راهناً، بحالة الإفلاس العامّة التي تصيب كل القطاعات، وتراجع التمويل والدعم الدوليين. فالممولون الأجانب، ولاسيما الأوروبيين منهم يواجهون بدورهم صعوبات مالية نتيجة أزمة التضخم العالمية والحرب الروسية الأوكرانية". أمّا محلّياً فإنّ المشكلة أعقد بما لا يقاس والحوافز التي أقرّها مجلس الوزراء للأساتذة بقيمة 1050 مليار ليرة، فقدت قيمتها بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازية من 43 ألف ليرة، في تاريخ الإقرار إلى حدود 100 ألف ليرة في الوقت الحالي. وفي جميع الحالات فإنّ الحوافز التي تعطي 125 دولاراً شهرياً للأستاذ، لا تشكّل شيئاً أمام الراتب الحقيقي الذي كان يتقاضاه"، برأى شعيب. و"هي تبقى ناقصة عن توفير أبسط احتياجاتهم".

أمام هذا الواقع المعقّد والصّعب "شكّل إهمال وضع خطة طوارئ قصيرة المدى تأخذ في الحسبان التبدّلات السريعة في معطيات الأزمة، الخطأ الأول الذي ارتكب من قبل وزارة التربية"، تقول شعيب. "وهو ما يؤدّي إلى معالجات بالقطعة قبل أيام قليلة من الاستحقاقات الأساسية. وذلك على غرار ما يحصل اليوم قبل موعد الامتحانات الرسمية".

مقترحات قصيرة وطويلة الأمد

من هنا تقترح شعيب وضع خطة قصيرة المدى للعام القادم، والأخذ في عين الاعتبار كل المشاكل البنيوية، ومنها على سبيل الذكر لا الحصر: الكلفة المالية. وضع ميزانية موضوعية يتم فيها تقدير النفقات بالدولار. التواصل مع الممولين لتوجيه المساعدات بما يخدم أهداف الخطة الأساسية. تحديد الأولويات. معالجة المشكلة الأساسية المتمثلة بالانقطاع عن التعليم، حيث خسر التلامذة أكثر من 900 يوم تعليمي على مدار السنوات العشرة الأخيرة.

تصويب الاجندات التمويلية

على الرغم من حجم المشاكل الهائل في قطاع التربية وضعف الإمكانيات المالية "ما زلنا نسمع بأجندات تمويلية غير منطقية كاعتزام منظمة الـ US AID إقرار مساعدات بقيمة 97 مليون دولار مخصصة للدعم النفسي والاجتماعي"، تقول شعيب. "مع العلم أنّ الوزارة تطالب بـ 20 مليون دولار من أجل ضمان عودة الأساتذة إلى التعليم".

أما على المدى البعيد فهناك حاجة ماسّة إلى إطلاق حوار وطني جامع بين مختلف مكوّنات القطاع للتوصّل إلى حلول وسطية. إذ غنيّ عن القول إن الحلول المثالية شبه مستحيلة. ومن هذه الحلول "معالجة التضخم الحاصل في قطاع التعليم الرسمي لجهة أعداد الأساتذة بالمقارنة مع أعداد التلامذة"، برأي شعيب. "وهو الأمر الذي نتج أصلاً عن فساد المنظومة، وفتح القطاع أمام التوظيف الزبائني غير المبني على الدراسات العلمية والمعطيات الموضوعية. ومعرفة أثر الأزمة. وضرورة بناء الثقة لنستطيع الاستمرار في المرحلة القادمة، لأنّ هناك استحالة بالتقدم في حال استمر الوضع على ما هو عليه راهناً".

لغاية اللحظة ما زالت كل الحلول تدور في الحلقة المفرغة نفسها، ومصير الشهادتين المتوسطة والثانوية مهدد بالضياع.