يبقى السؤال حول مضمون اللقاء وما دار خلاله بين الطرفين، فهل أجاب فرنجية على أسئلة البخاري كما أجاب على أسئلة دوريل، وهي الأسئلة التي تحدّث فرنجية عنها خلال مقابلته التلفزيونية الأخيرة على شاشة الجديد. هل من ضمانات قدمها فرنجية للبخاري انطلاقا من موقعه في فريق 8 آذار والمحور الذي ينتمي إليه.

درجت العادة وبحسب القواعد والأعراف الدبلوماسية أن يتوجه السفير الجديد حاملاً أوراق اعتماده من قبل رئيس بلاده إلى رئيس الدولة المضيفة. وتتضمن أوراق الاعتماد تقديم رئيس الدولة المرسلة للسفير على أنه موضع ثقة، وإنه يطلب رعايته بوصفه ممثلاً له لدى رئيس الدولة المستقبلة.

القصر الجمهوري في منطقة بعبدا ينتظر رئيس الجمهورية المنتخب، ليعاود نشاطه بعد فترة شغور مستمرة منذ أشهر. وضمن النشاط طبعاً تقديم السفراء الجدد لأوراق اعتمادهم. ولكن وقبل انتخاب الرئيس كان مرشح رئاسي يزور مقر إقامة سفير في منطقة اليرزة القريبة من بعبدا، في ما بدا وكأنه أقرب إلى تقديم أوراق اعتماد.

وتأتي زيارة المرشح الرئاسي سليمان فرنجية إلى مقر إقامة السفير السعودي لدى لبنان وليد البخاري بعد أخذ ورد ومعلومات تتحدث عن موقف سعودي يقول البعض أنه رافض لوصول فرنجية لسدّة الرئاسة، وبعض آخر يقول بأن الرياض ليست ضد وصوله ولكنها لا تتبنّى ترشيحه أيضاً. وهذه الخطوة يشبّهها البعض بزيارة فرنجية لفرنسا قبل بضعة أسابيع حيث التقى مستشار الرئاسة باتريك دوريل المعني متابعة الشأن اللبناني.

انشغل الجميع في بيروت بنفس الأسئلة التي رافقت زيارة باريس. هل كانت زيارة تلبية لدعوة أم أن فرنجية طلب اللقاء؟ هل التقى الرئيس الفرنسي أو أي من المسؤولين الفرنسيين الآخرين؟ هل حظيت بالتغطية الإعلامية الفرنسية المناسبة أم لا؟ وهكذا يصبح مفهوماً تدقيق الصحافيين في ما إذا كان ما قيل عن دعوة السفير للمرشح الرئاسي على الفطور جاءت بناء على طلب هذا الأخير لقاء السفير الذي قَبل واستبقاه إلى مائدته الصباحية، أو أن السفير فعلا دعا المرشح للقاء فلبّاه على عجل.

ما غرّد به فرنجية عقب الزيارة كان كافياً بالنسبة للبعض كجواب عمّا سبق "شكراً على دعوة سفير المملكة العربية السعودية الكريمة. اللقاء كان وديّاً وممتازاً".

يبقى السؤال حول مضمون اللقاء وما دار خلاله بين الطرفين، فهل أجاب فرنجية على أسئلة البخاري كما أجاب على أسئلة دوريل، وهي الأسئلة التي تحدّث فرنجية عنها خلال مقابلته التلفزيونية الأخيرة على شاشة الجديد. هل من ضمانات قدمها فرنجية للبخاري انطلاقا من موقعه في فريق 8 آذار والمحور الذي ينتمي إليه.

وصول فرنجية إلى اليرزة استغرق وقتاً طويلاً كما يقول متابعون ولكنه يأتي ضمن إطار حركة البخاري الأخيرة في أكثر من اتجاه، ويمكن في هذا الإطار ذكر زيارته لقائد القوات اللبنانية سمير جعجع ولرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط كما بالطبع لرئيس البرلمان نبيه بري وزياراته للمراجع الدينية ولقائه البطريرك الماروني بشارة الراعي ومفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان وشيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ الدكتور سامي أبي المنى ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب. كما كان استقبال البخاري لفرنجية أقرب إلى استقباله لعدد من النواب الذين زاروه ككتل أو كأفراد في مقر إقامته في اليرزة.

الحراك الأخير للسفير السعودي جاء بعد جملة تطورات على صعيد المنطقة وأهمها عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية والتقارب مع سوريا والتفاهمات مع إيران مقابل ما يمكن وصفه بالتباعد بين الرياض وواشنطن، وإن كان الطرفان رفضا سابقاً وصول فرنجية إلى بعبدا، إلّا أن السعودية أصبحت اليوم في موقع المراقب كما تقول من دون أن تنخرط في معركة ترشيح طرف ضد طرف. فيما تجدّد الحديث في بيروت عن قرار أميركي بتجديد الدعم لقائد الجيش العماد جوزيف عون كمرشح رغم وجود عراقيل دستورية تقف بوجه هذا الأمر.

على المقلب الآخر تبدو الأنظار شاخصة إلى ما سيصدر من مواقف حول زيارة فرنجية إلى مقر إقامة السفير السعودي. ولا بد من التوقّف عند المواقف المنددة بهذه الزيارة وشكلها قبل مضمونها من دون إغفال تلك المؤيدة لهكذا سلوك اعتاده لبنان عند الاستحقاقات المصيرية حيث يبدو السفراء أكثر حضورا من أهل السلطة نفسها.

زيارة فرنجية إلى اليرزة يتوقع المراقبون أن يكون لها انعكاساتها على طريق وصوله إلى بعبدا، كما أنها يمكن أن تؤدّي إلى تقصير المسافات بين جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر من جهة وسمير جعجع قائد القوات اللبنانية من جهة أخرى، للخروج بموقف مشترك منطلقاً من قاعدة أن الرئيس شأن سيادي وطني مبني على أساس عدم مواجهة الخارج، ولكن من دون إسقاط مسألة مواجهة الداخل ولاسيما الشارع الذي يفترض بالرئيس تمثيله أولاً وأخيراً ومقبولية هذا الرئيس ضمن بيئته. وهنا لا يبدو أن الكتائب اللبنانية ستكون بعيدة عن موقف باسيل جعجع، ومن المرجّح أن ينضم إليهم كثر لا تروق لهم طريقة إخراج ترشيح فرنجية، وتَبَني ترشيحه من قبل الثنائي الشيعي إلى تسويقه في الخارج قبل الداخل والتفاهم الدولي حوله، والضمانات التي قيل أنّه تعهّد بها، فيما لا يزال المكوّن المسيحي اللبناني بأغلبه على موقفه الرافض لترشيحه، ويرى في وصوله إلى بعبدا ضرباً لمفهوم الشراكة الوطنية.

يبقى الأهم من كلّ ما سلف أنّ البعض سينظر إلى الزيارة وكأنّ من قام بها هو أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله وليس فرنجية، نظراً لكلّ المبرّرات التي ساقها الحزب لترشيح فرنجية والتمسّك بترشيحه ولو على حساب تحالفه وتفاهمه مع التيار الوطني الحر مع ما يعنيه هذا الأمر.

يبقى الأهم من كلّ ما سلف أنّ البعض سينظر إلى الزيارة وكأنّ من قام بها هو أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله وليس فرنجية