باسم زين

"أحدهم قال يوماً، التصوير الفوتوغرافي هو عبارة عن الأداة المناسبة في اللحظة المناسبة من خلال العين المناسبة".

قبل اختراع أي نوع من تقنيات الكاميرات، رسم الإنسان صوراً عدّة بطرق مختلفة. فقد ترك أسلافنا وراءهم لوحات على جدران الكهوف، رسموا صوراً لأنفسهم والحيوانات والنباتات وأكثر من ذلك. الحضارات القديمة الأخرى رسمت على ألواح أو ورق البردى. لقد صنع أسلافنا مجسمات عن طريق النّحت في الصخور أو الخشب، وهي طريقة لا تزال شائعة حتى اليوم، على الرغم من أنّنا نميل إلى استخدام الورق أو القماش أو حتى الأجهزة الرقمية مثل الأجهزة اللوحية للرسم والتصوير. وتجدر الإشارة إلى أنّه تم اختراع أول جهاز يشبه الكاميرا وكان يطلق عليه الكاميرا المظلمة.

يعود تاريخ أول مادة منشورة عن الكاميرا المظلمة إلى القرن الخامس قبل الميلاد، وأول من كتب عنها كان الفيلسوف الصيني موزي الذي قال "إن الصورة في الكاميرا المظلمة (camera obscura) تكون معكوسة رأساً على عقب، لأن الضوء ينتقل بشكل مستقيم من مصدره".

و"الكاميرا المظلمة" عرفت أيضاً بـ "الغرفة المظلمة". تحدّث عنها الفلاسفة القدماء مثل أرسطو، كما أجرى أبحاث في القرن السادس المهندس أنتميوس أوف تراليس المشهور بتصميمه لكنيسة آيا صوفيا. وفي القرن التاسع أجرى الفيلسوف العربي الفيزيائي المشهور الكندي العديد من الاختبارات على موضوع انتقال الضوء عبر ثقب صغير. والشرح الواضح حول كيفية استخدام الكاميرا المظلمة جاء بعد قرون عدة في رسومات وشروحات الرسام ليوناردو دافنشي.

وبعد مرور مئات السنين، اليوم، تبدو الكاميرا في شكل لم يتصوره أحد ممن تخيّلها في التاريخ السحيق، ولا حتى من عرف التصوير قبل  سنوات قليلة حتى.

في العام 2021 أعلن مارك زوكربيرج أن  شركة ميتا التي يتبع لها تطبيقي فايسبوك وإنستاغرام، أطلقت بالشراكة مع (Ray Ban) نظارات (Ray Ban Stories) الشمسية الأولى من نوعها على الإطلاق، تبدو وكأنها نظارات بسيطة ولكنها مجهزة بأسرار كبيرة، فقد تم تجهيزها بكاميرتين رقمية أمامية قدرتها 5 ميغا بكسل، والتي يمكن تشغيلها باليد أو حتى عن طريق الصوت.

بذلك، زوكربيرج قدّم طريقة جديدة لالتقاط الصور ومقاطع الفيديو أو مشاركة المغامرات واليوميات أو الاستماع إلى الموسيقى أو تلقي المكالمات الهاتفية، ليتمكن الإنسان من البقاء حاضراً مع الأصدقاء والعائلة والعالم ومن حوله على مدار الساعة.

هذه النظارات قادرة على تسجيل ما يصل إلى 60 ثانية من الفيديو الذي يمكن تحميله بسهولة على فايسبوك، كما يمكنها أيضا تنبيه الأشخاص عندما تكون بطاريتهم تحتاج لشحن أو خاصية التخزين شارفت على الامتلاء، أو إذا كانت النظارات قد تعرضت لحرارة ساخنة أو باردة جداً، إضافة إلى إجراء مكالمات هاتفية وإرسال رسائل وسماع الرسائل الصوتية عبر تطبيقات المراسلة، واستخدام الأوامر الصوتية للتحكم في تشغيل الوسائط المتعددة على النظارات.

خطوة على طريق الواقع الممتد؟

الواقع الممتد (Extended Reality) هو مصطلح شامل يغطي العديد من التقنيات التي تعزز حواسنا، سواء كانت توفّر معلومات إضافية حول العالم الفعلي، أو تخلق عوالم محاكاة غير واقعية تماماً لنختبرها.

يجمع الواقع الممتدّ بين تقنيات الواقع الافتراضي (Virtual Reality) والواقع المعزز (Augmented Reality) والواقع المختلط (Mixed Reality)، وهذا ما يجعل عملية التأكد من كل ما تراه أعيننا صعبة لنحدد إذا ما كانت صحيحة أو صنع الواقع الممتد.

بين العالم الافتراضي والواقع المعزّز أو المختلط تشهدت الصحافة الكثير من التلاعب بالصور، حيث اضطرت وكالات ومطبوعات عالمية شهيرة إلى الاعتذار بعد أن اكتشفت أن مصوّريها حسّنوا جودة صورهم، أو حتى غيروا بعض العناصر باستخدام الفوتوشوب. حتى الآن ، يمكن للأشخاص استخدام تقنيات التزييف العميق، وهو شكل من أشكال الذكاء الاصطناعي يسمى التعلّم العميق لخلق صور مزيّفة من أحداث حقيقية أو حتى  مركّبة، ومن هنا جاء اسم التزييف العميق. فعلى سبيل المثال، يمكنك الآن بسهولة وضع كلمات جديدة على لسان سياسي لم يقلها أصلاً وقد تبدو حقيقة جداً، أو حتى أن تلعب دور البطولة في فيلمك المفضل أو الرقص مثل المحترفين.

من الواضح الآن أن الجيل القادم سيكون لديه الكثير من الأدوات التقنية المعقدة التي سيحتاج إليها للحياة اليومية. العناصر التي كنا نعتبرها ذات يوم من أمور الرفاهية أو للمتعة ستكون ضرورية للجيل القادم، وسنبدأ بالتأكيد في رؤية المراسلين الميدانيين مجهزين بنظارات شبيهة لنظارات (Ray Ban) قادرة على مساعدتهم على إنجاز مهامهم، لكنهم سيتمتعون بمظهر أجمل وعصري.  مع التنبيه إلى مخاطر غزو خصوصيات الناس والأشخاص الآخرين عندما تكون النظارات قيد الاستخدام، حيث يجب على مستخدمي النظارات التوقف عن التسجيل إذا أشار أي شخص إلى ضرورة ذلك.

ويبقى الأخطر من كل هذا هو دخول الذكاء الاصطناعي إلى عالم التصوير. تنتشر التطبيقات التي تستطيع أن تصنع صورة لأشخاص غير موجودين. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أصبحت برامج الكمبيوتر قادرة على تصوير مدن وشوارع عبر خلقها من مجرد وصفها بكلمات. كثيرة هي البرامج التي انطلقت في هذا السباق منها ميدجورني ودالي وغيرها. حتى أنّ الأمر وصل إلى "فضّة" التي تقدم نشرة الأخبار عبر شاشة الكويت نيوز. لم يحتج الأمر إلى كاميرا.

https://twitter.com/KuwaitNews/status/1644792772212260867?s=20

غداً سيبدأ إنتاج أفلام مصوّرة ولكنها ليست مصوّرة بل هي من انتاج برامج الكمبيوتر المعتمدة على الذكاء الاصطناعي. فهل يمكن أن نتخيّل بعد التزييف العميق سنكون امام مادة مرئية منتجة بالكامل من دون تصوير. ربما سيجد نجوم السينما أنفسهم يعطون لوكالات ما إذن انتاج مواد تظهرهم من دون أن يحضروا حتى. وقد نكون على موعد مع انتاجات جديدة لنجوم قضوا قبل سنوات طويلة. إنه عالم يتطور بشكل سيعيد إحياء الموتى. من زمن كان من الصعب فيه التقاط صورة للحظة واقعية إلى عالم يتم فيه انتاج صور حقيقية ولكنها غير واقعية.