الصفا

خفّض مصرف لبنان مطلع شباط الحالي سعر صرف العملة الوطنية من 1500 ليرة مقابل الدولار، إلى 15 ألف ليرة. ترافق التخفيض مع تعديل قيمة السحوبات بالليرة من حسابات الدولار من8000  و12000 ليرة تبعاً للتعميمين 151 و158 على التوالي، إلى 15 ألف ليرة.

مراسم "تأبين" سعر الصرف القديم، الثابت منذ العام 1997، بدأت فعلياً في تشرين الأول 2022 مع بدء تطبيق بنود الموازنة. حيث جرى احتساب معظم الضرائب والرسوم على أساس 15 ألف ليرة للدولار. ولم يعد من استعمال لسعر صرف 1500 ليرة إلا في احتساب ميزانيات الشركات والمؤسسات. وسداد بعض العقود بالدولار، ومنها عقود السكن والقروض المصرفية على طريقة "العرض والإيداع" لدى الكاتب العدل. كما استعمل هذا السعر للسحب من الودائع بالعملة الأجنبية للمبالغ التي تتخطى السقف الذي يسمح به التعميم 151، والمحدد سابقاً ب 3000 دولار أميركي.

التداعيات على المودعين والمقترضين

ومع هذا فان "القرار سيترك تداعيات كبيرة على سحب الودائع بالدولار وتسديد القروض"، بحسب الباحث في "الدولية للمعلومات"، محمد شمس الدين. "ففي الوقت الذي رفع فيه سقف السحب من 8000 ليرة إلى 15 ألفا، جرى تخفيض الحد الأقصى المسموح سحبه من 3000 دولار إلى 1600 دولار. ما يعني أن قيمة السحوبات الشهرية لم تتغير، وبقيت 24 مليون ليرة". في حين أن نسبة الاقتطاع من الحسابات "الهيركات"، ما زالت مرتفعة جداً، وتبلغ حوالي 76 في المئة في ظل تجاوز سعر الصرف في السوق الموازية عتبة 63 ألف ليرة.

المشكلة الأخرى التي لا تقل خطورة ستبرز بحسب شمس الدين عند المقترضين المقيمين، وتحديداً في ما يتعلق بقروض السكن والسيارات. فاحتساب الدولار على أساس 15 ألف ليرة سيؤدي إلى عجز الكثيرين عن الوفاء بالتزاماتهم. ولنفترض أن مقترضاً لشراء مسكن قبل الأزمة كان راتبه يبلغ 5 ملايين ليرة، وقيمة سنده 500 دولار، أو ما يعني 750 ألف ليرة تشكل 15 في المئة من مجمل دخله. ولنفترض أن راتبه تضاعف بعد الأزمة 3 مرات وأصبح 15 مليون ليرة، فإن التسديد على أساس 15 ألف ليرة للدولار يرفع قيمة سنده إلى 7.5 مليون ليرة، تشكل 50 في المئة من دخله. الأمر الذي يثير بحسب شمس الدين مخاطر التخلف عن السداد وبالتالي الحجز على الأصول المرهونة حكماً للمصارف.

أمّا في ما يتعلق بعقود السكن بالدولار، فان احتسابها على أساس 15 ألف ليرة سيكون مرهقا على العائلات، برأي شمس الدين. "خصوصا في ظل انعدام القدرة على الشراء نتيجة توقف عمليات الإقراض"

ضرب للعدالة الاجتماعية

من جهته يرى خبير المحاسبة المجاز، والعضو في جمعية "مدراء مؤهلون لمكافحة الفساد" جوزيف متّى أن "تقاعس الدولة عن القيام بدورها في ما خص السياسة الإسكانية، ونيل بعض المتنفذين للقروض الإسكانية المدعومة بالليرة أجبر المواطنين على التوجه إلى لمصارف التجارية وأخذ قروض بالدولار. كل ذلك في وقت كانت قوانين الإيجارات إما مجددة للقديم منها، وإما معلقة، وإما غير قابلة للتطبيق بانتظار التعيينات في اللجان المنشأة لها". وعليه وقعت فئة من المقترضين فريسة الممارسات التعسفية، في وقت استفاد آخرون من ثبات سنداتهم التي صدرت من مصرف الإسكان، ولن يتكبدوا التسديد على سعر صرف ارتفع عشرة أضعاف. الأمر الذي يتناقض بحسب متّى مع "مبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل. وهي المبادئ التي جرى التأكيد عليها في مقدمة الدستور اللبناني في الفقرة (ج) والسلطات كافة مؤتمنة على تطبيقها دون تحريف".

العلاقة بين تخفيض سعر الصرف والتعميم 659

الخسائر المتوقعة في رساميل المصارف نتيجة تخفيض سعر الصرف "سيجري تعويضها بسماح المصرف المركزي للبنوك تقييم أصولها بالدولار النقدي وعلى أساس سعر صرف منصة صيرفة. وتقسيط الخسائر على مدى 5 سنوات قابلة للتمديد"، يقول المستشار المالي د. غسان شمّاس. فبحسب التعميم 659 الصادر عن المصرف المركزي، قبل عشرة أيام من تخفيض سعر الصرف إلى 15 ألف ليرة، يمكن للمصارف، استثنائياً، بغية احتساب ربح التحسين أن تقيّم موجوداتها بالدولار. ويمكنها أيضاً اعتماد سعر صيرفة كما في 31 كانون الاول من كل عام ولمدة خمس سنوات في ما خص تقييم موجوداتها العقارية في لبنان، والمساهمات والتسليفات الطويلة الأجل المرتبطة بمشاركات في مصارف ومؤسسات مالية في الخارج المشتراة أو الممنوحة بموافقة مصرف لبنان". ما يعني أن "الخسارات في رساميل المصارف المقدرة بين 15 و17 مليار دولار يمكن تقسيطها بمعدل 3 مليارات دولار سنوياً"، برأي شماس. "ومن السهل تأمين هذا المبلغ من عمليات إعادة تقييم الأصول التي كانت تبلغ قبل الأزمة 273 مليار دولار، وانخفضت إلى 160 ملياراً بعد الأزمة. وهذا الرقم مرشح لأن يتضاعف بين مرتين وثلاث مرات نتيجة إعادة التخمين. ما يمكّن المصارف من تعويم ميزانياتها من خلال نفخها بـ "البوتوكس" المالي". ومن غير المستبعد بحسب شماس "تسكير المركزي الفجوة المالية المقدرة بـ 72 مليار دولار في ميزانيته، والناتجة عن توظيفات المصارف لديه بنفس الطريقة، أي من خلال التقسيط، وبهندسات مالية جديدة".

في جميع الحالات فإن المطلوب من لبنان توحيد أسعار الصرف، بعد تحقيق الإصلاحات، وليس خلق سعر جديد ثابت وغير حقيقي. فسعر الصرف الرسمي الجديد سيضاف على 4 أسعار أخرى، هي: منصة صيرفة المحدد الدولار عليها على أساس 42 ألف ليرة، تسعيرة الكهرباء على أساس صيرفة + 20 في المئة، وسعر الصرف في السوق الموازية الذي يتراوح راهناً بين 62 و64 ألف ليرة، وسعر 38 ألف ليرة لسحوبات رواتب القطاع العام عن شهر شباط وفقا للتعميم 161، لإنصاف موظفي الدولة حسب ما جاء في بيان لمصرف لبنان يوم أمس.