في تطور مفاجئ أربك الأسواق العالمية، أعلنت الإدارة الأمريكية فرض رسوم جمركية جديدة على واردات سبائك الذهب بوزن كيلوغرام و100 أونصة، في خطوة اعتبرها خبراء "زلزالاً تجارياً" ترك بصماته مباشرة على أسعار المعدن النفيس، إذ قفزت عقود الذهب الآجلة في الولايات المتحدة بنسبة 1.32% لتسجل مستوى قياسياً عند 3499 دولاراً للأونصة، فيما اتسع الفارق مع الأسعار الفورية لأكثر من 100 دولار، في إشارة إلى اضطراب تدفق الإمدادات.

لماذا فُرضت الرسوم على الذهب؟

القرار يأتي ضمن استراتيجية تجارية جديدة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، استهدفت شركاء اقتصاديين رئيسيين مثل سويسرا والبرازيل والهند، بحجّة العجز التجاري الأمريكي المتزايد. وقد كان لافتاً أن سويسرا، الدولة التي تضم أكبر مراكز تنقية وتكرير الذهب عالمياً، كانت الهدف الأبرز، بعد أن فرضت عليها واشنطن رسوماً بنسبة 39% على صادراتها — وهي النسبة الأعلى التي تطال أي دولة متقدمة حتى الآن.

وبحسب الخبير الاقتصادي أحمد عزام، في حديث خاص لموقع الصفا نيوز، فإن إدخال الذهب إلى ساحة المواجهة التجارية مع سويسرا يُعد تطوراً غير مسبوق، إذ أن الذهب لم يُستخدم سابقاً كورقة تفاوض مباشرة في النزاعات الاقتصادية. "لطالما كان الذهب معدناً محايداً يحفظ الثروات، لكن ترامب كسر هذه القاعدة"، يقول عزام.

ويضيف "الذهب تحوّل إلى أداة ضغط بحد ذاتها، ما يُعيد رسم ملامح العلاقة التجارية بين واشنطن وبرن."

تأثير فوري على الأسواق

القرار الأميركي أدى إلى ارتفاع سريع في أسعار الذهب الآجلة، بالتزامن مع تراجع أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها منذ يونيو، وسط مخاوف من تباطؤ الطلب العالمي. حيث تراجع خام برنت إلى 66.16 دولاراً للبرميل، وهبط خام غرب تكساس إلى 63.54 دولارًا، مع خسائر أسبوعية فاقت 5%.

في المقابل، عكست قفزة الذهب مخاوف المستثمرين من قيود على الإمدادات العالمية، خاصة أن أكثر من 2000 طن من الذهب تمر عبر سويسرا سنوياً، يُعاد تصدير معظمها بعد تكريرها إلى الولايات المتحدة. وقد أشار محللون إلى أن الأسواق بدأت تتفاعل مع احتمال أن يلجأ الموردون إلى إعادة صهر السبائك الكبيرة إلى أحجام أصغر لتفادي الرسوم.

تداعيات جيوسياسية واقتصادية

القرار الأميركي لم يُحدث صدمة تجارية فقط، بل فتح أيضاً باباً سياسياً مقلقاً. فبحسب عزام، فإن "تسييس تجارة الذهب" يشكّل سابقة خطيرة قد تؤثر في معادن وسلع أخرى، ويزعزع الثقة بأسواق يُفترض أنها قائمة على الحياد والشفافية.

كما أن هذه الرسوم تضع الاتحاد الأوروبي أمام معضلة. فبرغم أن سويسرا ليست عضواً في الاتحاد، فإن روابطها التجارية معه قوية. وتشير التقديرات إلى أن تصعيد واشنطن ضد الذهب السويسري قد يمتد إلى شركاء أوروبيين آخرين إذا ما قررت إدارة ترامب إعادة النظر في استثناءات مشابهة.

غياب الرد السويسري... مؤقتًا

رغم التصعيد الأميركي، قررت برن التريث وعدم الرد برسوم مضادة، مفضلةً دعم مصافي الذهب المحلية وترك الباب مفتوحاً للمفاوضات. إلا أن الضغط الداخلي بدأ يتصاعد، مع دعوات من أحزاب سويسرية لفرض رسوم انتقامية على واردات المعادن الثمينة إلى الولايات المتحدة.

في الختام: الذهب رهينة في معركة النفوذ العالمي

الرسالة واضحة: الذهب لم يعد فقط ملاذاً آمناً للمستثمرين، بل أصبح رهينة في معركة النفوذ الاقتصادي العالمي. وإذا استمرت واشنطن في استخدام الرسوم الجمركية كأداة تفاوض، فقد نجد قريباً سلعاً أخرى — من الأدوية إلى أشباه المواصلات — تدخل بدورها في دوامة الصراع التجاري.

وبينما تراقب الأسواق تطورات الملف، يبقى السؤال: هل تُعيد هذه الأزمة صياغة موازين تجارة المعادن عالمياً؟ أم تنتهي كـ"ورقة تفاوض" قابلة للطَيّ بمجرد الوصول إلى صفقة سياسية؟