داود ابراهيم

بين "احتضنّاكم في حرب تموز" و"أوصلنا العماد عون إلى سدة الرئاسة" ساءت أحوال تفاهم مارمخايل بين حزب الله والتيار الوطني الحر الذي قد لا يبلغ موعد الاحتفال بالذكرى الـ 17 لتوقيعه بين الرئيس السابق للجمهورية العماد ميشال عون والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في 6 شباط 2006 في كنيسة مارمخايل في منطقة كانت خط تماس وسواتر ترابية بين منطقتي الشياح وعين الرمانة، موقعاً أراده الطرفان لرمزيته ودلالاته على فتح صفحة جديدة بين مكونين لبنانيين مختلفين، فهل يكون موقعاً للصلاة على روحه؟

 تفاهم مار مخايل الذي أراده التيار الوطني الحر كما الحزب أساساً لتفاهم أشمل بين المكونات اللبنانية تعرض لهجمات من قبل الأطراف الأخرى على الساحة اللبنانية وكل لاعتباراته الخاصة. ويتمحور التفاهم حول 10 نقاط رئيسية، من الحوار، على اعتباره "السبيل الوحيد لإيجاد الحلول للأزمات التي يتخبط فيها لبنان"، إلى الديمقراطية التوافقية التي "تبقى القاعدة الأساس للحكم في لبنان، لأنها التجسيد الفعلي لروح الدستور، ولجوهر ميثاق العيش المشترك". ومن البندين الأولين يبرز الخلاف المستجد بين الموقّعين على التفاهم، فالحوار بينهما مقطوع أو بحدّه الأدنى ىبسبب اعتبار التيار أن موافقة الحزب على المشاركة في جلسات الحكومة المستقيلة فيه تهديد لميثاق العيش المشترك. فهل هو سوء تفاهم فعلاً أم تفاهم ساء بفعل التطورات والمراكمات أو خطأ في التفسير؟

وإن كان البندان الأوّلان يواجهان معضلة فإن البنود اللاحقة تواجه كارثة، فقانون الانتخاب الذي اعتمد النسبية، بما يضمن صحة وعدالة التمثيل الشعبي، بقي ناقصاً ومقصراً في معالجة مسائل كثيرة أثارها الطرفان الموقعان قبل غيرهما.

أما بند بناء الدولة العصرية التي تحظى بثقة مواطنيها والقادرة على مواكبة احتياجاتهم وتطلعاتهم وعلى توفير الشعور بالأمن والأمان على حاضرهم ومستقبلهم، من خلال:

  • اعتماد معايير العدالة والتكافؤ والجدارة والنزاهة والقضاء العادل والنزيه كشرط لإقامة دولة الحق والقانون والمؤسسات مع احترام عمل المؤسسات الدستورية وإبعادها عن التجاذبات السياسية وتأمين استمرارية عملها وعدم تعطيلها مع معالجة الفساد من جذوره، من خلال تفعيل مؤسسات ومجالس الرقابة والتفتيش المالي والإداري.
  • إجراء مسح شامل لمكامن الفساد، تمهيداً لفتح تحقيقات قضائية تكفل ملاحقة المسؤولين واسترجاع المال العام المنهوب.
  • تشريع ما يلزم من قوانين تسهم في محاربة الفساد بكل أوجهه، العمل على إصلاح إداري شامل يكفل وضع الشخص المناسب في المكان المناسب مع وضع مهل زمنية لمعالجة هذه القضايا؛ لأن عامل الوقت بات مميتاً، والأمر يتطلب معالجات حكيمة وسريعة في آن، تستخدم الوقت لمصلحتها بدل أن يستخدمه الفاسدون لمصلحتهم.

في هذا البند وحده يمكن الوقوع على مواد قابلة للاشتعال فتفجير التفاهم برمّته.  بحيث يشكو التيار في هذا البند تحديداً من أن الحزب لم يقم بالجهد المطلوب لملاقاته في معاركه التي خاضها لاعتبارات تُلزم الحزب ولا تُلزم التيار.

أما بند ملف المفقودين في الحرب فبقي مادة تجاذب تحت شعارات مختلفة حيث يقول البعض أنه نبش للماضي ويعتبر البعض أن عدم ختم الملف بشكل يراعي مشاعر الأهالي سيترك الباب مفتوحاً على جراح الماضي واستحضارها بما يسيء للواقع الراهن وللعلاقات اللبنانية السورية، خصوصاً أن بعض أهالي المفقودين في الحرب يقولون إن أبناءهم محتجزين في سوريا. فإقامة علاقات لبنانية سورية سويّة وصحيحة تقتضي مراجعة التجربة السابقة باستخلاص ما يلزم من العبر والدروس للنهوض بهذه العلاقات على أسس واضحة من التكافؤ والاحترام الكامل والمتبادل لسيادة الدولتين واستقلالهما على قاعدة رفض العودة الى أي شكل من أشكال الوصاية الخارجية، واتخاذ الحكومة اللبنانية كافة الخطوات والإجراءات القانونية المتعلقة بتثبيت لبنانية مزارع شبعا وترسيم الحدود بين البلدين. هذه النقاط التي تضمنها هذا البند لا تزال بأغلبها معلّقة وآخرها ما يتعلق بمسألة ترسيم الحدود البحرية تمهيداً للتنقيب عن النفط وما حكي عن رفض الجانب السوري تحديد موعد للوفد الوزاري اللبناني الذي أعلن عون أنه سيتوجه إلى دمشق لهذه الغاية، وانتهت ولاية عون الرئاسية دون تحقيق هذا الأمر.

ولا يمكن الحديث عن القضايا الخلافية في التفاهم من دون المرور بموضوع العلاقات اللبنانية الفلسطينية فمعالجة الملف الفلسطيني يتطلب مقاربة شاملة تؤكد من جهة احترام الفلسطينيين لسلطة الدولة اللبنانية والتزامهم بقوانينها، وتجدد التضامن مع قضيتهم واستعادتهم لحقوقهم وفي مقدمها حق العودة  ومعالجة ملف إنهاء السلاح خارج المخيمات وترتيب الوضع الأمني داخلها، بما يؤدي الى بسط سلطة الدولة وقوانينها على كافة الأراضي اللبنانية، وهو ما لم يتحقق وهو أمر تشكو منه قاعدة التيار الذي لطالما رفع شعار: حرية سيادة استقلال.

وكانت تقارير صحفية أخيراً تحدثت عن مخطط تسعى من خلاله تنظيمات فلسطينية إلى تنفيذ هجمات عبر الحدود اللبنانية الجنوبية بما يهدد الاستقرار الأمني في لبنان والمنطقة. والحديث عن الفلسطينيين يفتح الباب أمام البند المتعلق بحل مشكلة اللبنانيين في إسرائيل والعمل من أجل عودتهم إلى وطنهم آخذين بعين الاعتبار كل الظروف السياسية والأمنية والمعيشية المحيطة بالموضوع. وهي مسألة أثارت ولا تزال جواً من الاستياء في قاعدة الحزب ولدى جماهيره بما أسهم في إبقائها موضوعاً إشكالياً.

اما بندي الأمن وحماية لبنان والتي تمحورت حول إدانة الاغتيال السياسي من جهة وعملية إصلاح الأجهزة الأمنية من جهة اخرى وفق خطة أمنية متكاملة تقوم على مركزية القرار الأمني تنهض على تحديد واضح للعدو من الصديق، ولمكامن التهديد الأمني ومنها مسألة الإرهاب والثغر الأمنية الواجب معالجتها. وتحييد الأجهزة الأمنية عن الاعتبارات والمحسوبيات السياسية وأن يكون ولاؤها وطنياً بالكامل. واعتبار إن حماية لبنان وصون استقلاله وسيادته هما مسؤولية وواجب وطني عام تكفلهما المواثيق الدولية وشرعة حقوق الإنسان لا سيما في مواجهة أي تهديدات أو أخطار يمكن أن تنال منهما من أي جهة أتت. من هنا، فإن حمل السلاح ليس هدفاً بذاته وإنما وسيلة شريفة مقدسة تمارسها أي جماعة تحتلّ أرضها تماماً، كما هي أساليب المقاومة السياسية.

وفي هذا السياق اعتبر التفاهم إن سلاح حزب الله يجب أن يأتي من ضمن مقاربة شاملة تقع بين حدين: الحد الأول هو الاستناد الى المبررات التي تلقى الإجماع الوطني والتي تشكل مكامن القوة للبنان واللبنانيين في الإبقاء على السلاح، والحدّ الآخر هو تحديد الظروف الموضوعية التي تؤدي إلى انتفاء أسباب ومبررات حمله. فحماية لبنان من الأخطار الإسرائيلية من خلال حوار وطني يؤدي إلى صياغة استراتيجية دفاع وطني يتوافق عليها اللبنانيون وينخرطون فيها عبر تحمّل أعبائها والإفادة من نتائجها. وفي هذا المجال لم ينجح الحزب ولا التيار في حشد التأييد والإجماع على استراتيجية دفاعية رغم جولات الحوار المتعددة التي جرت. وبات هذا البند أيضا بحاجة لنقاش بين الموقّعين عليه لتطويره أو تعديله بما يتيح نجاحه في حصد تأييد باقي الأطراف في لبنان.

يأتي استعراض بنود التفاهم اليوم من بوابة ما أثاره الطرفان حولها. وما أعلنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عن تمسك الحزب بالتفاهم مع الإشارة إلى أنه إن رغب الطرف الآخر فعليه سحب يده أولاً. وفي هذا المجال يتوقف البعض عند الكلام الذي توجه به نصرالله إلى التيار "في اي وقت تشعرون بالحرج أو الضيق أو العبء من التحالف معنا كونوا مرتاحين ولن نكون منزعجين، ويمكننا البحث عن صيغة صداقة اخرى غير التحالف".

عدم انزعاج الحزب من إمكانية فضّ التحالف مع التيار، سبقه كلام لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في أكثر من مناسبة عن كون التفاهم على المحك، وأشيعت أجواء توحي بأن مشاركة حزب الله في جلسات للحكومة المستقيلة سيدرجها التيار في خانة نقض التفاهمات وضرب صيغة العيش المشترك التي هي أساس تفاهم مارمخايل وروحه.

فهل تتلى الصلاة على روح التفاهم في صلاة الغائب الذي لم يتحقق. هو سوء تفاهم سيصار إلى معالجته بالحوار أم أنه تفاهم سيء أدّى الغاية منه وانتهى.