يا إخوان، مرحبا

أما وقد مر أسبوع على غيابي، ومتُّ في الساعة المكتوبة لي، ولم يتسنَّ لي أن أعيش "ساعات إضافية"، لا بل خسرت ساعة من عمري، بتقديم دولتنا اللُّبنانية الساعة ستين دقيقة، نهاية آذار الماضي،

وأما وقد شغلكم رحيلي، سواءً بمشاركتهم في دفني أو في التعزيَة بي، أو بالمقابلات التلفزيونية والمقالات الصحافية، أو بنشركم صوراً جمعتني بكم، هنا وهناك وهنالك، و"نزل السرور هون وفوق وتحت ونعم وتفضل وأمور"،

وأما وقد عدتم كلٌّ منكم إلى حياته الطبيعية، اسمحوا لي أن أخبركم أني ما زلت من عليائي أتابع همَّ لبنان والمنطقة، وشعوبهما، بكل ما أوتيت من وعي.

أترقب، الثلاثاء، مصير جلسة مجلس الوزراء التي ستبحث في سلاح حزب الله، ويدي على قلبي من انقسام الآراء، في سلطة يجب أن تكون موحدة في اتخاذ القرارات المصيرية، فإذا بها كما الشعب اللبناني العنيد "قرطة عالم مجموعين". فـ "ألله يساعد، ألله يعين".

وطلبي إلى السلطة أن تتعلم من تجارب التاريخ، "تاريخنا الناطر كف من غيمة"، وهي أن ما من طائفة انهزمت أو كُسرت إلا انهزم وانكسر معها كل لبنان. فلتحتضن المستهدف، أيًّا تكن أفعاله، ولا تستفزه... ما دام نظامنا طائفيًّا وما دمنا "شايفو ع النظام مش عم يمشي، فغيرلو النظام".

ما زالت السلطة تعيش نشوة تكوينها، استقبالات وأسفاراً وزيارات لإدارات، ومواقف مكتوبة ومرتَجلة... فلا الأسفار جلبت ولو قرشاً مقدوحاً واحداً على خزينة لبنان، حتى الآن، ولا لمحنا سائحاً خليجياً بين ربوعنا إلَّا نادراً، ولا "كبسات" الإدارات جعلتها تنضبط أو تنتظم بما يبعد عنها صيت الفساد والروتين الإداري والتنبلة والتأجيل، و"إذا مش بكرا، البعدو أكيد".

وبحلول الصيف الذي غبتُ في عزِّه، لا زالت المهرجانات عامرة في لبنان. ولا زال الحضور الرسمي عامراً في صفوفها الأولى. ولا زال التدهور الفني طاغياً على الفن الراقي. ولا زال يظهر من يدّعي التلحين والغناء و"عبد الوهاب زميله" و"اشتهر ع ضهري عبد الوهاب". ولا زالت المطربة المعجزة بعد مسيرة حافلة من "الإبداع" الغنائي تفتش عمن يعلَّمها "النوتة"، لئلا تظل "توقع بالنوتة".

وبعد إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية بنجاح، أنتظر "بفارغ الصبر" إجراء الانتخابات النيابية، في أيار من العام المقبل، لأتفرج عليكم من عليائي كيف سينساق كثر منكم إلى الذبح بتكراركم انتخاب من خذلكم أو خانكم أو ضحك عليكم أو رشاكم أو ما زال فرضاً عائلياً تقليدياً عليكم، لم تستطيعوا على الرغم من ادعائكم التحرر والوعي، أن تنفضوا عنكم غبار الماضي. وثمة من ما زال يردد ببغائياً "الزعما عم يستغلو هـ الشعب، والشعب معتر"!!!

ثرتم وانتفضتم وأقمتم القيامة ولم تقعدوها، وطالبتم بإسقاط النظام، وكسرتم وخربتم، ونخركم سوس "الأنجي أوز"، ولم تسمعوا مني رأياً، حينذاك، في كلَّ ما حدث، لأنَّني غبت عن المشهد العام إلى أن توفاني الله... فإذا بكم اليوم شراذم متفرقين لا هدف لكم ولا رؤية؛ وإذا بما ادعيتم الثورة عليه يستمر بأسوأ مما كان؛ ومن ثرتم عليه "عم ياكلِّي اللقمة بتمِّي وأكلك قدامك يا عمي"؛ ومن طالبتموه بتحرير أموالكم ما زال يغنِّي ويتهكَّم عليكم وحتَّى علي وبلساني "كنّو المصاري قشطت لحالا، ع هيدا نتفة وهيدا كتير"... كأنَّكم لم تسمعوني وتأخذوا بما طالبت "جايي مع الشعب المسكين". فماتت الثورة، ولم يبق منها سوى النشيد، ولم "يربح" سوى مدّعي الثورة "عباس"، وقد باع مبادئه بليلة حمراء مع "الراقصة تحيّات". شو فهمنا؟

يا إخوان،

باق معكم أنا، أكتب همومكم وألحّنها وأرويها وأدبّجها مقالات وأصوغها حوارات. ولكن رجاء كونوا مرةً واحداً. كونوا مرة كلَّ الحق وإلى جانبه. أسقطوا الأقنعة والوجوه الخادعة. أرفضوا الظلم حين يلحق بأيٍّ منكم. ولا تنسوا أن "الفيلم الأميركي الطويل" لم ينته بعد، وأنكم ما زلتم على قيد الحياة لأنكم صدَّقتم أن ما أضيق العيش "لولا فسحة الأمل". وتراني أسألكم مودعاً "بخصوص الكرامة والشعب العنيد... شو؟"