داود ابراهيم

لم يكن بند إقرار سلفة خزينة لاستيراد الفيول لإنتاج الكهرباء هو ما لفت انتباهي ولا مشروع تجديد العقد لاستيراد الفيول العراقي، وبالطبع لم أنشغل كثيراً بمشروع قانون ترقية الضباط في الأسلاك العسكرية والأمنية ولست من محبذي مشاريع الاستدانة لأهتم بمشروع تعاون بين البنك الدولي ولبنان بشأن قرض إضافي. أما موضوع تعديل احتساب أسعار المتر المربع في الأملاك البحرية فهو مجرد لهو في الوقت الضائع للتعمية على قرارات حكومية سابقة بإزالة التعديات ودفع تعويضات بدل إشغال عن الفترات السابقة، بالتالي العنوان قد يتحول إلى مكافأة شبيهة بإبراء ذمّة شركة ليبان بوست في الجلسة السابقة ولو من خارج جدول الأعمال. البند الأهم الذي علق بذاكرتي هو بند تمديد عقد صيانة وتشغيل مطمر الناعمة، بند عاد بي إلى شعارات "طلعت ريحتكن" وقطع الطرقات أمام الشاحنات المحملة بالنفايات والمواجهات مع القوى الأمنية وتحركات وعرائض واستعراضات. مر الشريط في مخيلتي سريعاً من طلعت ريحتكن إلى الحرائق المتنقلة مروراً بانقطاع الطحين والتلاعب حينها بسعر صرف الدولار وصولاً إلى ضريبة الواتساب، النقطة التي أفاضت الكأس، وخرج الناس إلى الشارع في "ثورة" أرادوها للإطاحة بالسلطة وأحزابها وأتباعها. أو هكذا قال بعضهم وصدقت غالبيتهم. "ثورة" سرّعت من حيث تدري أو لا تدري في انهيار البلاد بعد تعطيلها وفي تسهيل توفير الغطاء للبعض للتهرب من مسؤولياته وللبعض تهريب أمواله وللبعض أبواباً جديدة للإثراء، ولا سيما لتجار الأزمات.

رغم وعود كل أبطال "الثورة" بأنها لن تبقي على أحد من الطاقم القديم انتهت مفاعيلها بوصول مجموعة من ممثليها إلى المجلس النيابي. ممثلون وممثلات انضموا إلى اللاعبين الآخرين فانقسموا هنا واختلفوا هناك وراحوا يبحثون عما يجمعهم من جديد. "ثورة" ضاعفت العجز في الإدارة. حصان جديد انضم إلى  الأحصنة التي تقود البلاد وكل منها بوجهة تتعارض مع بقية الأحصنة. "ثورة" أفرزت واقعاً جديداً لا تعنيه زيادة الرسوم والضرائب، ولا عجز السلطة عن تشكيل حكومة أو انتخاب رئيس، ولا حجز المصارف لأموال الناس من مواطنين وأجانب، ولا بأس بالتخفيف من وقع هذا الأمر من خلال تعبير "المودعين" بحيث يصبح المودعون طرفاً أو جهة ما ليس بالضرورة أن تمثل كل الناس الذين ضاعت أموالهم في المصارف. لا أهمية لانعدام التغذية بالطاقة الكهربائية ولا لرفع سعر الاشتراك بالمولدات. هي ثورة تريد أن تبقى بعيدة عن مسألة حاكم مصرف لبنان والاتهامات، أما التلاعب بسعر صرف الدولار وانهيار الليرة اللبنانية فهي مسألة اهل الاختصاص والثورة تهتم بالتخصص، لذا تركت الأمر لمن يعنيهم الأمر. ثورة غابت وجوه ناسها وبقي نجومها وقد اكتسبوا نجومية أكبر وفرصاً لإطلالات جديدة عبر منابر مختلفة.

حسناً هو بند تمديد عقد صيانة وتشغيل مطمر الناعمة، هذا المطمر الذي أعلن وزير الزراعة في العام 2016 اكرم شهيب عن إقفاله "بشكل نهائي  بقرار من مجلس الوزراء بعدما أدى المهام المطلوبة لأكثر من 18 سنة لافتاً إلى الأعمال المستمرة لإنتاج الطاقة الكهربائية من الغاز الناتج عن تخمر النفايات ليؤمن 6 ميغاوات توزع على قرى وبلدات محيط الناعمة مجاناً  لمدة 15 سنة". إلا أن المسألة ليست بهذه البساطة إذ أن هذا الأمر أيضاً رهن قرار رئيس الحكومة ووزير المالية لدفع المستحقات للشركة التي تولت تجهيز المولدات الموصولة بالمطمر والبالغة قيمتها مليون و200 ألف دولار. ولانتاج الكهرباء من المطمر تطالب الشركة بتقاضي كامل قيمة عقد التشغيل البالغ 6 ملايين و600 ألف دولار أو نصفه على مدى 5 سنوات.

ونشرت عضو المكتب السياسي في حزب الكتائب ريتا بولس صورة تظهر فيها المولدات الموجودة في الناعمة متسائلة عن سبب عدم تشغيلها.

https://twitter.com/RitaBouloss/status/1611234396962492419?s=20&t=GnjFOhmgXGnTP5bziSFMsw

هي جلسة للكهرباء تعيد إحياء  شعار طلعت ريحتكن، ريحة وعود قطعت ولم تنفذ، روائح فساد وخداع ومحاولات فرض أمر واقع من الصعب تجاوزها إلا بقدرة قادر.