أول ما يتبادر إلى ذهننا عندما نقول "القطاع الزراعي" هو الفلاحون والعمال والمزارعون، ونادراً ما يخطر في بالنا، أقله في لبنان، إضافة "التاء المربوطة - (ة)"، إلى قوى الانتاج. الملامة لا تقع علينا، إنما على تجهيل أهمية دور المرأة في الزراعة، في الشقين المعنوي والمادي. فنسبة النساء من ملاك الأراضي في كل انحاء المسكونة هي أقل من 15%، وقدرتهن على الوصول إلى الموارد هي أقل بكثير مقارنة بالرجال، مع العلم ان تعزيز دورهن كفيل بوضع حد للجوع وتعزيز الأمن الغذائي. وانطلاقاً من هذه الاهمية غير المرئية، حددت الامم المتحدة لهن يوماً عالمياً في 15 من تشرين الاول، يعرف باسم "اليوم الدولي للمرأة الريفية".

تهدف الأيام الدولية أو العالمية للأمم المتحدة إلى تسليط الضوء على القضايا المهمة، وزيادة الوعي حولها. وعادة ما تترافق هذه الأيام مع فعاليات تمتد لأسابيع، تحييها المنظمة الدولية، في مختلف البلدان، بالتعاون مع شركائها المحليين. وفي لبنان أقامت "منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة " (FAO)، مع وزارة الزراعة و"برنامج الاغذية العالمي" (WFP) مؤتمراً وطنياً في نقابة المهندسين، استعرض واقع القطاع الزارعي والتحديات التي تواجهه، وخطط العمل المستقبلية. كما تخلل المؤتمر جلسة حوارية خاصة حول النساء الريفيات والعمل التعاوني.

العقبات التي تواجه النساء الريفيات

يتفق الجميع على أن النساء الريفيات يمثلن العمود الفقري للنظام الغذائي، وأنهن "ملح" الأرض. وإن كانت بنيتهن الجسدية ليست بقوة الرجال، إلا أنهن يملكن قوة المعارف وممارسات الأسلاف في إنتاج الغذاء وتصنيعه وحفظه. وهذه المعرفة لا تقدر بثمن بحسب "الفاو"، ويجب المحافظة عليها ودعمها وتكريسها في المجتمع. وقد تعلمت النساء، كمزارعات، كيفية التعامل مع تغير المناخ، الذي يعتبر التحدي الاهم الذي يواجه اقتصاداتنا، وذلك عبر ممارسة الزراعة المستدامة في انسجام مع الطبيعة، أو التحول إلى البذور المقاومة للجفاف، أو استخدام تقنيات منخفضة التأثير، أو إدارة التربة العضوية، أو قيادة جهود إعادة التشجير والترميم على مستوى المجتمع المحلي.

الجهود الحثيثة التي تبذلها النساء اللبنانيات الريفيات، تواجه 3 عقبات كبيرة، هي:

- ارتفاع كلفة الانتاج، ولاسميا فيما يتعلق بالماء، والكهرباء، وتأمين مستلزمات الانتاج. فمتوسط سعر كيلوواط الكهرباء يتجاوز 50 سنتاً، بين كهرباء الدولة واشتراك المولد، مقارنة بمتوسط عالمي لا يتجاوز 15 سنتاً. وتأمين المياه يكلف الأسرة أكثر من 5 ملايين ليرة شهرياً، وشراء معدات الانتاج، والبذور، والمبيدات، ووسائل التعليب يحتسب بالدولار.

- فقدان قدرة الوصول إلى التمويل، حتى قبل انهيار القطاع المالي. فالحصول على قروض يتطلب ضمانات، غالبا ما لا تكون متوفرة. وقد تفاقمت هذه المشكلة مع تراجع القطاع المصرفي، وإقفال معظم شركات التمويل الصغيرة.

- النزوج الكثيف باتجاه المدينة، وعدم رغبة الأجيال الصاعدة بتعلم هذه المهارات الزراعية والانتاجية، وذلك للعديد من الاعتبارات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية.

تصريف الانتاج هو الأساس

على الرغم من كل هذه التحديات، تشكل النساء الريفيات أكثر من 90% من معظم شركاء انتاج الغذاء العائلي وتعاونيات الإنتاج الزراعي، بحسب ما يؤكد رئيس جمعية التجارة العادلة في لبنان، سمير عبد الملك. وتستطيع النساء الريفيات، اللواتي يحظين بالتمكين والدعم الكافي، تحقيق قفزات كمية ونوعية في تصنيع الغذاء، ولا سيما التقليدي منه، المعروف محلياً بـ"المُونة".

هذا الواقع لا يساعد على تعزيز الأمن الغذائي فحسب، من وجهة نظر عبد الملك، إنما أيضاً على تحصين موقع المرأة في عائلتها، وفي المجتمع، وتمكينها مادياً، وتحولها من عبء إلى منتجة مستقلة تساهم بإدخال المال. كما يشجع هذا الواقع النساء على المضي قدما في التصنيع والانتاج والابتكار، مما يخلق قيمة مضافة كبيرة للعائلات والمجتمع والاقتصاد على حد سواء.

إضافة إلى كل المشاكل التقليدية التي تواجهها النساء الريفيات، يضيف عبد الملك عائقاً آخر، هو تصريف الإنتاج. وتُعتبر هذه المشكلة التحدي الأبرز، بناء على تجربة سنوات طويلة مع التعاونيات. و"قد لاحظنا أنه عندما يُسهل بيع المنتجات، سواء في الأسواق الداخلية أو عبر تصديرها إلى الخارج، تتولد استراتيجية جذب (Pool Strategy) تُحفّز الجيل الناشئ على المشاركة في الأعمال، وتطويرها، ورفدها بدماء جديدة؛ وخصوصاً أنه جيل يُجيد استخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يُسهل عملية التسويق ويوسّع نطاقها.

دور النساء في انتاج الغذاء

تعتبر المرأة مسؤولة عن نصف إنتاج الغذاء في العالم. وتنتج النساء في البلدان النامية، ما يصل إلى 80 في المائة من الغذاء. ولعل هذا هو مكمن قوتهن والدافع وراء تحفيزهن على الدخول في عملية الانتاج الزراعي، وتخصيصهن بيوم عالمي. وبحسب ممثلة الفاو في لبنان نورة أورابح حداد فان "هذا العام، ونحن نحتفل بثمانين عاماً من عمل "الفاو"، يشكّل يوم الساء الريفيات المترافق مع يوم الأغذية العالمي تذكيراً بمسؤوليتنا المشتركة لضمان الأمن الغذائي والتغذية للجميع. وفي لبنان، يظل هذا الالتزام أقوى من أي وقت مضى، إذ نعمل يداً بيد مع شركائنا لدعم المزارعين والمزارعات والتعاونيات".

تشير الأرقام على الصعيد العالمي إلى أنه إذا حظيت المرأة بنفس القدرة على الوصول إلى الموارد الإنتاجية كما الرجل، فمن الممكن أن تزيد غلات المزارع بنسبة تتراوح بين 20 و30%، مما يؤدي إلى إطعام ما بين 100 إلى 150 مليون شخص إضافي. ولعل هذا أكثر مما نحتاجه في لبنان، حيث يُقدّر أن إنتاج الحبوب سينخفض هذا العام بنسبة 50% مقارنة بالعام السابق، ليصل إلى حدود 90 ألف طن كحد أقصى.