في غمرة الانشغال بالتحضير لاستقبال البابا لاون الرابع عشر، وقّع لبنان اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع قبرص "على السكت". الاتفاق الذي طال انتظاره يمهد الطريق أمام إمكانية التنقيب عن الغاز والنفط، وتعزيز التعاون في مجال الطاقة في البحر المتوسط.
في 26 تشرين الثاني الماضي، أعلنت الرئاسة اللبنانية توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وقبرص، بحضور الرئيس القبرصي نيكوس كريستودوليدس. وقد أشار الرئيس القبرصي إلى أن "ترسيم الحدود البحرية مع لبنان يوفر الغطاء القانوني للمستثمرين المحتملين المهتمين بمشاريع الطاقة بالمنطقة"، مضيفاً أن "قبرص ولبنان يطلبان المشورة من البنك الدولي بشأن جدوى الربط الكهربائي".
الترسيم استند إلى المرسوم 6433
"عصفورا" التنقيب عن النفط والربط الكهربائي اللذان أصيبا بـ"حجر" توقيع الاتفاق الواحد المعلق منذ العام 2007، كانا ثمرة صبر السنوات الطوال، المعزز بالمفاوضات. أمّا اعتبار البعض أن "الترسيم مع إسرائيل (Déjà vu)، لجهة تقديم لبنان التنازلات أملاً بتسريع التنقيب، وإنتاج النفط للخلاص من المشاكل، وبالتالي خسارة مساحات كبيرة من المياه البحرية تقدر بخمسة آلاف كيلومتر مربع،"غير مبني على شواهد علمية أو حتى قانونية"، برأي عضو الهيئة الإدارية لـ "المبادرة اللبنانية للنفط والغاز – LOGI"، ديانا قيسي. عملت لجنة المفاوضات، برئاسة وزير الأشغال فايز رسامني وعضوية شخصيات كفوءة سبق أن شاركت في ملفات دولية مثل نجيب مسيحي وآخرين، وفق اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS)، وهي الاتفاقية نفسها التي اعتمدها لبنان عند صدور المرسوم 6433 عام 2011، والذي حدّد على أساسها حدوده البحرية وقسّم مياهه إلى رقع تنظّم أنشطة التنقيب والاستثمار البحري.
بمعنى آخر، فإن الترسيم مع قبرص استند حرفياً بحسب قيسي، إلى الإطار القانوني الدولي لترسيم الحدود البحرية وحقوق التنقيب والاستغلال، والمودَع لدى الأمم المتحدة بموجب المرسوم 6433، الذي يشكّل المرجعية الرسمية للبنان في هذا المجال. وعليه، "لم يخسر لبنان شيئاً من حقوق الاقتصادية في المياه الإقليمية نتيجة هذا الترسيم".
المصلحة التجارية
حتى الآن، ورغم الانتقادات العلنية لاتفاقية الترسيم، لا سيما من نواب وشخصيات قانونية، لم يقم أحد بأي إجراء فعلي للطعن بالاتفاقية، ولا يبدو أن هناك نية للقيام بذلك. فليس من مصلحة لبنان تأجيل ترسيم الحدود البحرية مع الدول المجاورة عموماً، ومع قبرص خصوصاً. فلبنان يتشارك حدوداً بحرية مع قبرص في أربعة بلوكات أساسية هي 1 و3 و5 و8، و"لا يمكن فتح شهية المستثمرين للتنقيب عليها إلا بعد ترسيمها قانونياً وضمان عدم وجود أي عوائق تقنية، من ناحية أولى"، تقول قيسي، "أما من الناحية الثانية والأهم، فإن اكتشاف قبرص آباراً نفطية أو غازية في حقولها الملاصقة يتطلب تنفيذ اتفاقية توحيد الحقول (Unitization Agreement)، ولا يمكن أن تتم هذه الاتفاقية من دون ترسيم الحدود مسبقاً."
عامل بديهي آخر قد يحول دون الطعن بقانون الاتفاقية من قبل النواب، هو أن كل الكتل النيابية الكبيرة ممثلة في الحكومة، وهي موافقة ضمناً على هذا الترسيم. ولا يبقى من الملف النفطي إلا ترسيم الحدود البحرية مع سوريا، وتكثيف عمليات التنقيب، وذلك أن احتمال الحصول على اكتشاف يُقدّر بنسبة 17%، ما يعني أن اكتشاف بئر غنية يتطلب خمس عمليات حفر وتنقيب. فهل نسير أخيراً في الطريق الصحيح؟
يرجى مشاركة تعليقاتكم عبر البريد الإلكتروني:
[email protected]
