عشرون سنة مضت على الانقسام العمودي الذي شهده لبنان بعيد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري بين معسكري "8 أذار" أو "شكراً سوريا" و "14 آذار" أو "ثورة الأرز" والذي لم يترجم فقط في الساحات بل في صناديق الاقتراع وإن مع "تطرية أجواء" تمثلت بـ"الحلف الرباعي" بين "الثنائي" الشيعي و"تيار المستقبل" و"الاشتراكي".
غير أن المعركة خيضت يومها بين مشروعَي العبور إلى الدولة السيدة الحرة المستقلة القادرة على كشف حقيقة مسلسل الاغتيالات والمتحرّرة من تداعيات حقبة الاحتلال السوري من جهة، وبين الحفاظ على الواقع المفروض على الدولة رغم الانسحاب السوري و"المقاومة خيارنا" و"الوفاء للخط" من جهة أخرى. حينذاك نجح "التيار الوطني الحر" بجعل الانتخابات مرحلة انتقالية لتموضعه من ساحة الشهداء حيث كان جزءاً من جمهور "14 الى ساحة رياض الصلح حيث عقد لاحقاً إتفاق "مار مخايل".
تجريد "الحزب" من كل أسلحته يمتد من الرصاصة الى "زلزال" و"خيبر" و"رعد" ومن "القرض الحسن" الى البنية المالية والاقتصادية الرديفة
يومها كان الصراع سياسياً بامتياز وعابراً بشكل نسبي للطوائف والمناطق، وكان الهدف منه قطع الطريق أي محاولة لملء الفراغ الذي ولّده الانسحاب السوري قبل "المد الإيراني" المتمثل بـ"حزب الله". توهمت "14 آذار" بإمكان فك الارتباط بين "الحزب" و"الجمهورية الإسلامية" عبر إقناعه بالانخراط كلياً بمشروع الدولة والتخلي عن منطق الدويلة والسلاح واستهابت في الوقت ذاته فرض تطبيق الدستور بالقوة على "الحزب". فكانت طاولة الحوار التي أكسبت "الحزب" الوقت وهامشاً أوسع للمناورة وتضييع "اللحظة" الدولية وزخمها، فكان فشل كل محاولات فك الارتباط أو الاستيعاب.
بعدها تعدّدت الأسباب والنتيجة واحدة: نمظيمياً، ترنّحت "14 آذار" وترهّلت وتفكّكت فيما زادت "8 آذار" من قوة قبضتها بعد "7 أيار" وحقبة "القمصان السود". أما سياسياً، فلم يتبدّل الصراع وهو سياسي أولاً بين مشروعي "8 و14 آذار". لم تستطع أن تغيّره معادلة "س-س" ولا "ربط النزاع" ولا حراك "17 تشرين" و"كلن يعني كلن" ونقله من المواجهة السيادية الى مواجهة منظومة الفساد والزبائنية لأن هذه الأخيرة هي في الأساس نتاج غياب الدولة السيدة والقوية. خير دليل ان انتخابات 2026 هي عود على بدء الى المربع الأول أي انتخابات 2005 ولكن من دون "قفّازات" هذه المرة. فلا "طاولات حوار" ولا "إستراتيجية دفاعية" ولا سحب "الحزب" من الحضن الإيراني بل بعنوان وحيد "سلاح حزب الله".
فحصر السلاح بيد الدولة لا يعني فقط بسط سلطتها على أرض الوطن بل أيضاً سياساته الخارجية وقطاعاتها التجارية والمالية. إنها الممر الإلزامي لأي نهوض للبنان وأي استقرار وازدهار. إن معركة تجريد "الحزب" من كل أسلحته غير الشرعية تشمل من الرصاصة الى "زلزال" و"خيبر" و"رعد" ومن "القرض الحسن" الى البنية المالية والاقتصادية الرديفة للنظام الاقتصادي والمالي الرسمي.
في هذه الانتخابات، ثمة خلط أوراق بأشخاص اللاعبين المحليين خصوصاً في ظل تعليق رئيس "تيار المستقبل" الرئيس سعد الحريري العمل السياسي ووضع "التيار الوطني الحر" وإعادة التموضع السياسي لـ"أيتام" نظام الأسد، غير أن الانقسام العمودي قائم. قد لا نشهد جبهات سياسية واضحة المعالم كما فريقي "8 و14 آذار"، إلا أننا سنشهد حكماً ارتفاع مستوى التنسيق بين القوى السيادية وفي طليعتها الرافعة السياسية والنيابية "القوات اللبنانية" وقوى أو أفراد ذوي وضعيات مناطقية ولكن ملتزمة بنفس التوجه للانتهاء من سلاح "الحزب" والدور الإيراني في لبنان خصوصاً في الساحة السنية. في المقابل، سيكون "الحزب" أعجز من جمع كثر من حلفائه التاريخيين تحت لواء "بقاء السلاح".
المعركة الأساسية على عدد النواب من خارج المكون الشيعي الذين سيستطيع "الثنائي" ضمهم اليه
يروّج بعضهم أن المعركة الأساسية هي خرق "الثنائي" الشيعي بمقاعد من ضمن الـ27 مقعداً شيعياً، فيما هذه معركة "تحصيل حاصل" لا بدّ من خوضها. أما المعركة الأساسية فستكون على عدد النواب من خارج المكوّن الشيعي الذين سيستطيع "الثنائي" إيصالهم وضمهم إليه. مع التذكير ان المناخ الدولي الذي كان ضاغطاً عام 2005 على وقع القرار الدولي 1559 هو اليوم أكثر ضغطاً للانتهاء من سلاح "الحزب" ليس فقط بالدبلوماسية والسياسة والقرارات الدولية بل أيضاً في الميدان العسكري والاقتصادي. كما ان اللاعب السوري الذي كان الى جانب "الحزب" يومها هو على الضفة المعاكسة بعد سقوط نظام آل الأسد. من هنا من سيحسم معركة انتخابات السنة المقبلة واتجاه البوصلة هو أصوات اللبنانيين في صناديق الاقتراع خصوصاً بعد الخيبة التي منيوا بها بعد تجربة انتخابات 2022 وموجة "الرغبة بالتغيير" أياً يكن مصير اقتراع المغتربين.
يرجى مشاركة تعليقاتكم عبر البريد الإلكتروني:
[email protected]
