تشهد الأقساط المدرسية إرتفاعات كبيرة سنة بعد أخرى. العام الدراسي 2025 – 2026، لم يشذ عن القاعدة، فحمل معه ارتفاعات أعادت أسعار التسجيل في مختلف مراحل التعليم الخاص إلى أعلى ما كانت عليه في العام 2019. ومع هذا، فإن أجور المعلمين وتعويضاتهم التي تشكل النسبة الأكبر من كلفة التعليم، ما زالت أقل مما كانت عليه قبل الانهيار.

في الوقت الذي لم تتجاوز نسبة التضخم 15 % على أساس سنوي، سجل بند التعليم ارتفاعا بنسبة 30.6 %، بحسب الإحصاء المركزي، متجاوزا بذلك البنود الإثني عشر التي يتكوّن منها مؤشر أسعار المستهلك. مع العلم أن مبررات رفع الأسعار "الكلاسيكية" غائبة. فسعر الصرف مستقر، وأسعار النفط متدنية، وكلفة الطاقة ما زالت هي نفسها، وأجور المعلمين متدنية، والتعويضات زهيدة، والاستثمارات في البنى والتجهيزات شبه معدومة، فما هي أسباب رفع الأقساط؟ وكم بلغت؟

التحجج بالزيادات للمعلمين لرفع الأقساط

يشير الباحث التربوي في "مركز الدراسات اللبنانية" نعمه نعمه إلى أن "معدل الأقساط في المدارس الخاصة الكاثوليكية، ذات المستوى السعري المتوسط، تراوح هذا العام بين 3000 و4000 دولار". يضاف إلى هذا المبلغ بقية المتطلبات من نشاطات صفية وغير صفية ولباس موحد وقرطاسية ووجبات طعام.. وغيرها، بقيمة تتراوح بين 500 و1000 دولار. أما الحجة الأساسية لرفع الأقساط فهي "تطبيق القانون 12/25، الذي ينصّ على وجوب تسديد المدارس نسبة 6 % من الرواتب التي تدفعها بالليرة والدولار للمعلمين، من أجل تمويل صندوق تعويضات نهاية الخدمة، والتصريح عن كامل المبالغ التي تدفع بالعملة الأجنبية، والحصول على ذمة مالية من صندوق التعويضات".

بحسب ما ينقل نعمه عن نائب رئيس اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة، نقولا الأسطا، فإن "نسبة 6 % التي تسدَّد من رواتب الكادر التعليمي لا تزيد على 27 دولاراً فقط لكل تلميذ".ويضيف نعمه: "حتى مع احتساب الضرائب وسائر الملحقات، فإن القيمة لا تتجاوز 50 دولارًا على التلميذ الواحد.

تحصيل الزيادة مرتين

لا تقتصر المفارقة على أن الأقساط المدرسية ارتفعت هذا العام بنسبة تتراوح بين 20 و30 %، بل تتعدى ذلك إلى أن المدارس الخاصة كانت قد عزت زيادتها في العام الماضي إلى صدور قانون الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة وتنظيم الموازنة المدرسية، الذي أقره البرلمان في 15 كانون الأول 2023، وفق ما تؤكده رئيسة اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة في لبنان، لمى الطويل. وعلى الرغم من أن رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي جمّد تنفيذ هذا القانون، لم تتراجع المدارس الخاصة عن الزيادات التي فرضتها خلال العام الدراسي الماضي، وعادت هذا العام لتكرّر الزيادات مستندة إلى الحجة نفسها، بعد إعادة تفعيل القانون.

ما يحصل فعلياً هو أن المدارس الخاصة تلجأ إلى تضخيم النفقات الاستثمارية المدرجة بالعملة الأجنبية، والتي تشكل نحو 35% من ميزانيتها، وذلك بالتوازي مع كل زيادة في النفقات التشغيلية، أي الرواتب، التي تمثل 65% من الموازنة. ويحدث هذا رغم أن المدارس غالباً لا تنفق كامل المبلغ المخصص للاستثمار، ما يعني أن جزءاً كبيراً من تلك النفقات يبقى فائضاً، ويُحتسب فعلياً كربح، في مؤسسات يُفترض أنها غير ربحية.

كم تربح المدارس الخاصة؟ وكيف؟

أكثر من ذلك، فإن "المدارس الخاصة تتبع قاعدة مالية تقضي بأن أقساط أول عشرة تلاميذ في الصف يجب أن تكفي لتغطية كل مصاريف المدرسة بشقّيها التشغيلي والاستثماري"، يؤكد نعمه. عليه، فإن قسط كل تلميذ يزيد عن العشرة في الصف، يصبح ربحاً صافياً".

مطالب لجان الأهل

إزاء هذا الواقع، ومع البطء في الإجراءات التي اتخذتها وزارة التربية، نقل اتحاد لجان الأهل في المدارس الخاصة هواجس الأهالي والواقع التربوي المتأزم إلى رئيس الجمهورية، الذي استنكر بدوره الزيادات المعتمدة في العديد من المدارس، ودعا إلى إعادة النظر فيها. وبحسب رئيسة الاتحاد، لمى الطويل، فإنّ وضع التعليم الخاص في لبنان لن يستقيم ما لم تُتخذ مجموعة من الإجراءات الضرورية والعاجلة، أبرزها:

- إعادة تشكيل مجالس التحكيم التربوية، وهي الجهة القضائية المختصة لحل النزاعات بين لجان الأهل والمدارس. وما ينقص هذه المجالس هو تسمية وزارة التربية ممثلي الأهل والمدارس، وذلك بعدما تعيّن وزارة العدل القضاة. ويجب أن يكون التعيين بعيدا عن المحسوبية.

- الدفع باتجاه إنجاز التعديلات اللازمة على القانون 515. وقد انتهى النواب في اللجنة الفرعية دراستها، و أحالوا المشروع إلى لجنة التربية النيابية. من شأن التعديلات تحديد كيفية إجراء الانتخابات للجان الأهل وتفعيل دورها والتدقيق المالي الإجباري في ميزانيات المدارس وإلزامها بتقديم قطع الحساب، وإدخال كافة المصاريف الثانوية من ضمن الموازنة. كما من شأن هذه التعديلات تعزيز مبادئ الشفافية المالية، ووحدة المحاسبة، والتدقيق المالي المستقل.

- مراقبة المدارس ومنعها من مخالفته، وتفعيل التفتيش التربوي.

- انتداب موظفين إلى مصلحة التعليم الخاص في وزارة التربية، عبر آليات النقل الداخلي بين الوزارات والإدارات والمؤسسات العامة، بهدف تنفيذ عمليات التدقيق التقني اللازمة في موازنات المدارس، وذلك ردًا على الحجة المتكررة بعدم توفر موظفين.

- وقف كل أشكال الأعمال التجارية داخل المدارس. ويتطلب ذلك إعطاء وزارة التربية الإذن لمصلحة حماية المستهلك للدخول إلى المدارس ووضع حد لهذه التعديات والمخالفات.

بانتظار تحقيق المطالب يعتبر فك ارتهان لجان الأهل لإدارات المدارس أمراً محورياً في كبح مخالفات المدارس الخاصة و"استفرادها" بالأهل. فالتجاوزات المالية التي تفرضها المدارس الخاصة لن تتوقف طالما أن هناك لجان فاقدة لفاعليتها، رؤساؤها مرتهنون، يوقّعون الموازنات والإجراءات من دون مراجعة أو مساءلة، لنيل حسم من هنا وخصم من هناك على أبنائهم. فلجان الأهل، حين تُفعّل وتستقلّ، تشكّل سلطة رقابية حقيقية داخل المدارس الخاصة، قادرة على كبح التجاوزات ووقف المخالفات. فهل سنصل إلى هذه المرحلة من المحاسبة؟ أم أن الارتهان سيظل هو القاعدة؟