يرتكب العديد من الفئات الاجتماعية الحلم يومياً. من بينها فئة المضمونين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الذين ينامون على حلم نيلهم تعويضاً مُجزياً، ويصحون على استمرار المسؤولين في محاولة "تربيع الدائرة". ومع هذا، يستمر المضمونون الذين سبق لهم أن صفّوا تعويضاتهم بـ "تراب المصاري"، أو الذين سيخرجون قريباً من الخدمة الفعلية، بملاحقة سراب اقتراحات القوانين واجتماعات اللجان النيابية وتصريحات المسؤولين، علّهم يجدون ما يبرّد الظلم الذي لحق وسيلحق بهم، ولو من بعيد.
تعمل لجنة الصحة العامة والعمل والشؤون الاجتماعية النيابية على دراسة اقتراح قانون "التسوية العادلة لتعويضات نهاية الخدمة في الضمان الاجتماعي"، الذي تقدم به النائب فيصل كرامي. وينص اقتراح القانون على أربعة أمور أساسية:
- الأول، احتساب قيمة التعويض للذين خرجوا من العمل قبل نهاية العام 2023 بما يقارب نصف القيمة التي كان يُحتسب بها التعويض قبل عام 2019.
- الثاني، احتساب قيمة التعويض للذين يخرجون من العمل بعد الأول من كانون الثاني 2024 على أساس الأجر المصرَّح عنه للضمان في نهاية 2023 مضروباً بعدد السنوات.
- الثالث، احتساب التعويض بالنسبة للعاملين في المؤسسات العامّة أو المصالح المستقلة التي تملك صناديقها الخاصة، كالبلديات مثلاً، على أساس الراتب المدفوع قبل 17 تشرين الأول 2019، مضروباً بـ 30 ضعفاً. وتحسم تعويضات نهاية الخدمة التي سبق أن دفعتها المؤسسة العامة أو المصلحة المستقلة للأجراء المعنيين قبل تطبيق القانون.
- الرابع، يتحمّل صاحب العمل نسبة 44% والدولة نسبة 56% من مبلغ التسوية المستحق للمضمون قبل العام 2024.
ينصف المتقاعدين قبل 2024
يمثل اقتراح قانون كرامي أفضل ما يمكن أن يحصل عليه المضمونون الذين أنهوا عملهم قبل نهاية العام 2023، ولا سّيما في الفترة التي سبقت شهر نيسان. هذه الفئة خسرت 98% من قيمة تعويضاتها. وللمثال، فإن التعويض عن 20 سنة خدمة لموظف تقاضى مليوني ليرة شهرياً، كان يساوي 40 مليون ليرة. إلا أن القيمة الفعلية للتعويض انخفضت من حدود 27 ألف دولار قبل العام 2019، إلى 400 دولار (سعر صرف الدولار في السوق الموازية بلغ في نيسان 2023 نحو 100 ألف ليرة). والأمر نفسه ينسحب على كل مضمون ترك العمل قبل العام 2024 ولم يصفِّ تعويضه بعد. وعليه، فإن قانون كرامي ينص على دفع تعويض يقارب 13 ألف دولار.
هذا الاقتراح يعتبر منصفاً للمضمونين الذين تركوا العمل قبل نهاية 2023، لكنه "لن يصبّ في مصلحة كل من ترك العمل ابتداء من العام 2024، أو سيتركه لاحقاً"، برأي المستشار النقابي والقانوني في "المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين" عصام ريدان. فالتعويض عن كلّ سنة خدمة يُعادل الأجر الذي تقاضاه صاحب العلاقة خلال شهر كانون الأول من العام 2023، محتسباً وفقاً لأحكام قانون الضمان الاجتماعي القديمة. ومن المعلوم أن كل الزيادات التي أضيفت على رواتب موظفي القطاع العام، لا تحتسب من صلب الراتب. أما بالنسبة للقطاع الخاص، فإن الغالبية العظمى من المؤسسات صرحت للضمان على أساس الحد الأدنى للأجور الذي كان تسعة ملايين ليرة، أي 100 دولار.
"شماعة" قانون التقاعد والحماية الاجتماعية
الحجة لعدم إيجاد حل عادل لكل مضمون يتقاعد بعد العام 2024، كانت إقرار مجلس النواب قانون نظام التقاعد والحماية الاجتماعية في كانون الأول 2023. ذلك أن من شأن القانون الجديد الحلول مكان نظام تعويض نهاية الخدمة القديم، وتوفير دخل شهري للمتقاعدين، وحماية صحية مدى الحياة. إلا أن هذا القانون لم يدخل حيز التنفيذ بعد، وهو "عالق في متاهة إقرار المراسيم التطبيقية وتمييع الإصلاحات"، يضيف ريدان، "وقد لا يخرج من هذه المتاهة في وقت قريب، إذ يتطلب إصدار 16 مرسوماً تطبيقياً، لم يصدر أي منها حتى الآن". وبحسب ما كان مقرراً، كان يُفترض أن تصدر هذه المراسيم خلال عام 2024، غير أن الفراغ السياسي في تلك الفترة حال دون ذلك. ويشير ريدان إلى أن "إعداد هذه المراسيم يحتاج إلى عمل جاد ومتواصل، نظراً إلى تعقيدها التقني وحساسيتها، ما يتطلب كفاءات عالية وخبرات متخصصة نفتقد لها".
معوقات تطبيق قانون كرامي
على الرغم من التعقيدات التي تحول دون صدور قانون التقاعد والحماية الاجتماعية، فإن الاتفاق على قانون كرامي يبدو أكثر تعقيداً. فالتعويضات المطلوب تسويتها بين العامين 2019 و2024 تتراوح قيمتها بحسب التقديرات بين 700 مليون دولار ومليار دولار، وهي تعود إلى حوالي 70 ألف مضمون صفّوا تعويضاتهم في تلك الفترة. ويواجه هذا القانون عقبتين أساسيتين:
- تحجُّج الدولة بعدم قدرتها على تسديد نصف قيمة التعويضات المترتبة.
- رفض القطاع الخاص تسديد الجزء المتوجب عليه ما لم تلتزم الدولة، وما لم تقرّ إعفاءات ضريبية للمؤسسات غير القادرة على تسديد الفروق، وتحمل وزر التعويض عن المؤسسات العاجزة كلياً والتي أقفلت نهائياً. هذا بالاضافة إلى تطبيق الجزء الثاني من القانون المتمثل في احتساب التعويضات من بعد العام 2024 على أساس آخر راتب تقاضاه الأجير في كانون الأول 2023.
في ظل هذا الواقع يرى ريدان أن "الحل المنطقي يكمن في إيجاد مورد مالي استثنائي يخصَّص للتعويض على المضمونين الذين تقاعدوا قبل العام 2024، وتحمُّل أصحاب العمل جزءاً من الكلفة، على أن تُقسّط هذه التعويضات على عدة سنوات لتخفيف الأعباء".
أما بالنسبة للتعويضات التي تعود لما بعد العام 2024، فقد شهدت تحسناً ملحوظاً نتيجة رفع الحد الأدنى للأجور إلى نحو 300 دولار. ومع ذلك، تبقى الحاجة قائمة إلى مراقبة المؤسسات والتأكد من التصريح عن الأجور الحقيقية للعاملين، لما لهذا الأمر من تأثير مباشر على تحسين قيمة التعويضات النهائية للمضمونين.
تعويضات نهاية الخدمة من الضمان الاجتماعي وضعت على نار حامية، لكن "الطبخة قد لا تنضج". فالمكوّنات الأساسية من تمويل وتوافق سياسي، ما زالت غائبة. وفيما المضمونون ينتظرون بارقة أمل تنصفهم بعد سنوات الخدمة والخسارة، يبدو أن التسوية العادلة ما زالت تُعجَن بـ "البحص"، ما يجعل اكتمالها أمراً محفوفاً بالتأجيل وربما التبديد.