كما يسبق "السيف العذل"، سبقت موازنة 2026، الخطة الاقتصادية الموعودة مع العهد الجديد. فأتت تقليدية في أكثر نواحيها. تفتقد إلى رؤية إصلاحية شاملة للعام القادم وما سيليه. تعوزها محفزات تنشيط قطاع الأعمال. محبطة لاقتصاد الأسر والأفراد، نظراً لكثرة الضرائب والرسوم المباشرة وغير المباشرة. إلا أنها في المقابل تضمنت بعض التعديلات الضريبية الأساسية لمكافحة التهرب الضريبي وتبييض الأموال، ولو أن آليات التطبيق ما زالت غير واضحة.

لعل أخطر ما تواجهه موازنة 2026 هو استمرار حال الإنكار عند المسؤولين. إذ وصف وزير الاقتصاد والتجارة عامر البساط مشروع موازنة 2026 بأنه خروج عن الممارسات السابقة. وقد بني مشروع القانون برأيه "على منهجية تنازلية تتضمن إطاراً مالياً متوسط الأجل". مع العلم أن الوزير عاد وطالب في المؤتمر الصحفي الذي عقده أخيراً "وزارات الدولة بتقديم توقعات تتراوح مدتها بين ثلاث وخمس سنوات، بحيث تُوائِم الميزانيات القصيرة الأجل رؤية اقتصادية أوسع". وذلك عقِب إعداد الموازنة. وقد قابل الوزير هذا الطلب المهم بالحديث عن "إعداد وزارة الإقتصاد خارطة طريق عشرية، 2025 – 2035، تقع في 200 صفحة، بهدف توجيه الاقتصاد خلال العقد المقبل". لكنّ الوزير يحدد الوزير على وجه الدقة إن كانت هذه الخريطة هي استكمال لخطة "ماكينزي" الشهيرة، أو أنها جديدة بالكامل. وما هي الآليات التي ستستعمل للتطبيق، لئلا تبقى الخطة حبيسة الملفات داخل الجوارير، كسالفاتها.

إيرادات الضرائب على الرواتب أكبر من الأعمال

في جميع الحالات أبصرت موازنة 2026 النور ضمن المهل الدستورية، وهي بادرة مضيئة ولو ذات نور خافت. ومن المنتظر أن يبدأ مجلس الوزراء بمناقشتها وإدخال التعديلات عليها قبل تحويلها إلى لجنة المال والموازنة النيابية قبل انتهاء العقد الثاني العادي للمجلس النيابي. وإلى حين خروجها بقانون من المفيد أن ينظر الوزراء بإمعان إلى العديد من البنود والمواد التي دقّق فيها خبراء المحاسبة، وأصحاب الأعمال لئلا تأتي الموازنة محبطة بدل أن تكون مسهلة للتعافي الاقتصادي.

بالأرقام تتوقع موازنة العام المقبل زيادة الإيرادات والنفقات العامة بحدود 18%. وقد أتت متوازنة لا تتضمن عجزاً ولا فائضاً. وعدا عن كون الإيرادات ستتشكّل أساساً من الضرائب والرسوم، ولا سيّما الضريبة على القيمة المضافة، والرسوم الجمركية، فإن الموازنة تتوقع أن تفوق الضرائب على الرواتب والأجور، تلك المحققة من الضرائب على الأرباح. وهذا ما يطرح علامة استفهام بحسب عضو نقابة خبراء المحاسبة المجازين نديم ضاهر الذي لاحظ أنّ "الضريبة على أرباح الشركات والمهن التجارية ودخل رؤوس الأموال المنقولة تسجّل تراجعاً بنسبة 62 %، من نحو 368 مليون دولار في موازنة 2025 إلى 140 مليوناً في موازنة 2026. في المقابل ستزيد إيرادات الضريبة على الرواتب والأجور التي يسد ّدها العمال والموظفون بنسبة تقارب 138 في المئة من حدود 95 مليون دولار في موازنة 2025، إلى حدود 225 مليوناً في موازنة 2026"، علماً أن لا الشركات قلّت، ولا الرواتب زادت.

تعديلات ضريبية إيجابية

في الشق الإيجابي، وتماشياً مع توصيات "مجموعة العمل المالي"، للخروج من القائمة الرمادية لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب، رفعت موازنة 2026 الغرامات بشكل كبير على التأخر في تقديم البيانات المتعلقة بـ "صاحب الحق الاقتصادي" (ضمن مهلة شهر واحد، على أي تغيير يطرأ على الإسم أو العنوان أو المساهمين أو رأس المال أو نوع النشاط) إلى 300 مليون ليرة للشركات المساهمة، و200 مليون ليرة لشركات الأشخاص والمحدودة المسؤولية المستثناة من الضريبة، و50 مليون ليرة للأفراد ولباقي المكلفين. وتتضاعف الغرامة في حال تكرار المخالفة.

أخذت الموازنة في الاعتبار طلب "نقابة خبراء المحاسبة المجازين" زيادة الحد الأدنى لموافقة الحكومة على تخفيض الغرامات إلى 60 مليار، والحد الأدنى للغرامات بما في ذلك عدم تقديم تقرير التدقيق في مشروع موازنة 2026.

علقت موازنة 2026 تسوية أي غرامة يتجاوز معها التخفيض مبلغ 60 مليار ليرة، للضرائب والرسوم التي تستوفى بالليرة و667 ألف دولار، من الضرائب والرسوم التي تستوفى بالعملة الأجنبية على موافقة مجلس الوزراء، بعدما كانت في المشروع القديم تبلغ خمسة مليارات ليرة فقط أي 56 ألف دولار.

إجراءات للحد من التهرب الضريبي

أجازت موازنة 2026 لإدارة الجمارك استيفاء مبلغ بنسبة 3 % من قيمة كل عملية استيراد، كأمانة على حساب ضريبة الدخل، على أن يدخل هذا المبلغ في حساب المكلّف الضريبي، ويُحسَم من الضريبة السنوية المتوجبة على أرباحه وفقا للتصاريح التي يقدّمها.

كما أجازت الموازنة لمجلس الوزراء، إلزام بعض المكلفين الذين يمارسون نشاطاً معيّناً اقتطاع 3% من المبالغ التي يدفعونها إلى مكلفين آخرين، لقاء عمليات تسليم مواد أو تقديم خدمات خاضعة لضريبة الدخل أو الضريبة على القيمة المضافة، ضمن مهلة 15 يوماً. ويعتبر المبلغ المقتطع أيضاً بمثابة أمانة على حساب الضريبة المتوجبة على المكلفين المقتطع منهم. وبقدر ما توحي هذه الاجراءات بأنها محاولة للحد من التهرب الضريبي، تبدو فهي تبدو ضبابية "تفتقد إلى آليات التطبيق المناسبة"، بحسب ضاهر.

ضرائب رأسمالية!؟

في ما خص "الاستهلاكات المحسوبة على أساس سعر التكلفة الأصلي لعناصر الأصول الثابتة المادية لدى المؤسسة"، سمحت موازنة 2026 للمكلف احتساب استهلاك السيارات في المؤسسة على أن لا يزيد سعر الكلفة الأصلي للسيارة الواحدة عن 25 ألف دولار. ويعتبر هذا الرقم قليلاً جدا برأي ضاهر. وعلى الرغم من أن الفكرة جيدة، ففي ظل التضخم الحاصل في العالم، لا يوجد سيارة سعرها أقل من 50 ألف دولار تصلح لمدير شركة أو مسؤول تنفيذي . وعليه كان الاجدى بالموازنة مضاعفة هذا الرقم أقله، لئلا تبدو الضريبة اشتراكية.

في التعديلات الضريبية التي أقرها مشروع موازنة 2026 ما هو مفيد، وما هو لزوم ما لا يلزم. ومنها ما يحتاج إلى تعديل جذري. وتبقى العبرة في انتباه الوزراء إلى الفجوات وردمها قبل تحويلها إلى لجنة المال والموازنة التي بدورها تقرّ عليها الكثير من التعديلات.