في ليلة السادس وفجر السابع من شهر آب عام 2005، كانت مدينة فورتاليزا الواقعة على الساحل الشمالي الشرقي للبرازيل تغرق في سكون عطلة نهاية الأسبوع. أحدٌ من سكانها لم يكن ليتخيّل أن تحت شوارعها الصامتة كانت تجري واحدة من أعقد وأجرأ العمليات الإجرامية في التاريخ، سرقة ستصدم العالم وتُدوَّن كأكبر سرقة مصرفية في تاريخ البلاد.
القصة لم تبدأ تلك الليلة، بل قبل أشهر طويلة حين ظهر في حي هادئ مجموعة رجال عاديين استأجروا منزلاً صغيراً وقدّموا أنفسهم على أنهم يعملون في شركة زراعية، وكان الجيران يشاهدونهم يومياً يحملون أكياساً من التراب ويُدخِلون معدات حفر ويخرجونها، من دون أن يثير ذلك أي ريبة، وهذا ما بدا أنه عمل زراعي روتيني، لكنه في الحقيقة كان خدعة محكمة. فالرجال لم يكونوا مزارعين، بل أعضاء في عصابة متخصّصة يقومون بحفر نفق سري يصل مباشرة إلى قلب بنك فورتاليزا المركزي.
النفق الذي شيّدوه كان تحفة هندسية بكل المقاييس، امتدّ بطول 80 متراً تحت الأرض، جدرانه مدعمة بالخشب وأرضيته مغطاة بالبلاط ومزوّد بالكهرباء والتهوية، حتى بدا وكأنه ممر سرّي في قاعدة عسكرية لا مجرّد ممر مؤقت لعصابة. استغرق العمل على حفره أكثر من ثلاثة أشهر، وكان كل يوم يقرّب العصابة من تحقيق الحلم المستحيل... الوصول إلى القبو الذي سيوصلهم الى ملايين الريالات البرازيلية.
جاءت اللحظة الحاسمة في عطلة نهاية الأسبوع حين كان البنك مغلقاً ولا وجود لأي حركة داخله، تسلّلت العصابة عبر النفق بصمت وهدوء ودخلوا المصرف كما لو كانوا يملكون مفاتيحه، وهناك واجهوا المشهد المنتظر... أكياس ضخمة مكدّسة بالمال تنتظر من ينقلها. وعلى مدى ساعات طويلة، حمل أفراد العصابة الأموال على دفعات، يمرّرونها عبر النفق إلى المنزل المستأجر وكأنهم ينقلون كنزاً أسطورياً من أعماق الأرض.
صباح الاثنين، حين عاد الموظفون إلى البنك ليبدأ أسبوع العمل كالمعتاد، كان المشهد صاعقاً، الخزائن فارغة بالكامل والرصيد المسروق تجاوز الـ160 مليون ريال برازيلي، ما يعادل حينها نحو 70 مليون دولار. السرقة لم تكن مجرد سرقة مصرف، بل عمليّة جراحية دقيقة أُجريت في قلب النظام المالي من دون أن يطلق رصاصة واحدة أو يسمع صوت إنذار.
أطلقت السلطات أوسع حملة تحقيق في تاريخ البرازيل، وسرعان ما ألقي القبض على بعض أفراد العصابة. لكن الجزء الأعظم من الأموال تبخّر، وكأنها ابتلعتها الأرض. تقارير أشارت إلى أنها استُخدمت في تمويل شبكات إجرامية محليّة ودوليّة، وأخرى رجّحت أنها هُرِّبت خارج الحدود عبر طرق غير شرعية، وحتى اليوم لم يُعرف المصير الحقيقي لهذا المال.
هذه السرقة وُصفت بالأيقونة، ليس فقط حجم المبلغ الهائل، بل براعة التخطيط والتنفيذ. لقد أثبتت للعالم أن أكثر أنظمة الأمان صرامة يمكن أن تنهار أمام صبر العقول الإجرامية وخيالها. وكما يرويها خبراء الجريمة حتى اليوم، بدت العملية وكأنها مشهد من فيلم هوليوودي، لكن الفرق أن هذا الفيلم لم يكن من صنع المخرجين، بل من إبداع مجرمين قرروا أن يكتبوا أسماءهم في تاريخ الجرأة والدهاء.