عاد التوتّر إلى العلاقات الإيرانية – الغربية على خلفية البرنامج النووي الإيراني. فبعد عددٍ من الاجتماعات بين ممثلين عن الاتحاد الأوروبي وممثلين عن إيران، فشل الاتحاد الأوروبي في إقناع إيران بالسماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش المنشآت النووية الإيرانية. هذا الأمر، دفع ألمانيا وبريطانيا وفرنسا إلى إرسال كتاب إلى مجلس الأمن تطلب فيه إعادة تفعيل آلية العقوبات على إيران أو ما يُعرف بالـ "snapback".
العودة السريعة للعقوبات هي جزء من الاتفاق النووي بتاريخ 2015، إذ من الممكن للولايات المُتحدة الأميركية وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا) (خمسة + واحد)، أن تُعيد فرض العقوبات الأممية على إيران سريعًا بمهلة لا تزيد عن 30 يومًا (فترة سماح) إذا لم تلتزم إيران بالاتفاق. وهذه الآلية يُمكن تفعيلها برسالة من إحدى هذه الدول إلى مجلس الأمن مع العلم أنه لا يُمكن استخدام حق الفيتو من أيٍ من الأعضاء الخمسة في مجلس الأمن.
هذه العقوبات هي أممية ومُلزمة للدول وتتضمّن: منع إيران من الوصول إلى الأسلحة التقليدية والصواريخ البالستية والتكنولوجيا النووية بالإضافة إلى عقوبات على القطاع المصرفي وقطاعَي النقل والنفط وتجميد للأصول الإيرانية في الخارج. وهذه العقوبات تأتي إضافة إلى العقوبات التي تفرضها أحادياً الولايات المُتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي على إيران.
أمّا إيران فرأت أن ما قامت به فرنسا وبريطانيا وألمانيا أمر "غير مُبرّر وغير قانوني"، وهدّدت باتخاذ خطوات للردّ عليه.
ثلاثة سيناريوات
يوجد ثلاثة سيناريوات اقتصادية إذا أعيد فرض العقوبات على إيران:
أولًا – تأثير محدود بفرضية رمزية إعادة فرض العقوبات وبفرضية عدم إلتزام دول مثل الصين والهند (أكثر المتضررين) بهذه العقوبات، فتستمرّان في شراء النفط الإيراني من خلال أسطول الظلّ. هذا السيناريو، كما يراه الأوروبيون تحفيز للمفاوضات عبر الضغط على إيران.
التأثير على الاقتصاد الإيراني في هذه الحالة سيكون محدوداً ويتمثّل بتراجع بسيط في اقتصاد هو أساساً في أزمة. أمّا عالميّاً، فستكون التداعيات طفيفة مع ارتفاع طفيف بأسعار النفط نتيجة نقص العرض، إلا أن العديد من المُنتجين سيكونون قادرين على تغطية هذا النقص.
ثانياً – تداعيات مُتوسّطة، إذ من المتوقّع أن يلتزم العديد من الدول بقسم كبير من العقوبات وهو ما سيزيد العبء على الاقتصاد الإيراني من باب التجارة وتصدير النفط – المصدر الأساسي للعملة الصعبة. ونتيجة لذلك سيزداد التضخّم في إيران مع تراجع في قيمة الريال الإيراني وعجز في الموازنة سيكون له تأثيره الكبير على الصعيد الاجتماعي.
أمًا عالميَاً، فسيكون هناك تأثير أكبر في سوق النفط إذ من المتوقّع أن تزيد الأسعار وسيكون رغم زيادة في الإنتاج بهدف تغطية النقص في العرض. إلا أن المخاوف الأساسية تبقى جيوسياسية بامتياز.
ثالثاً- سيناريو التصعيد المبنيّ على ردّة فعل إيرانية تصعيدية تتمثّل بوقف التعاون الدبلوماسي والانسحاب من معاهدة حظر الأسلحة النووية وتسريع التخصيب، بالإضافة إلى احتمال لجوئها إلى عمل عسكري بإقفال مضيق هرمز أو التدقيق في السفن العابرة. بالطبع الردّ الغربي سيكون قاسياً مع الإرتفاع الحاد في أسعار النفط، وقد يكون هناك تكتلّ عسكري أميركي – أوروبي – إسرائيلي ضدّ إيران.
في هذه الحالة، ستجد إيران نفسها في عزلة اقتصادية شبه كاملة وسيدخل الاقتصاد الإيراني في حال من الركود العميق والتضخّم المفرط بالإضافة إلى نقص حاد في المواد الغذائية والأولية. تبعاً لذلك سيعاني الاقتصاد العالمي من ارتفاع الكلفة مع ارتفاع أسعار النفط وهو ما سيؤدّي إلى ضرب النمو في أكبر الاقتصادات العالمية مع مخاوف من أن يؤدّي الصراع العسكري إلى وقف صادرات الخليج النفطية. وهذا الأمر قد يدفع الولايات المُتحدة إلى تقديم هدية لروسيا وفنزويلا بالسماح لهما بتصدير النفط بشكل واسع.
التداعيات بالأرقام
تُشير المُحاكاة التي قمنا بها لكل سيناريو من السيناريوهات الآنفة الذكر (أنظر إلى الرسم البياني رقم 1)، إلى أن التداعيات على الاقتصاد العالمي ستكون الأكبر في ظل السيناريو الثالث إذ سيتراجع النمو الاقتصادي بعشر نقاط نسبة إلى النمو الأساسي (baseline 2.5%) وذلك من خلال إرتفاع كبير في أسعار النفط الذي قد يقفز بأكثر من 25 دولاراً في حال تم قطع الإمدادات الخليجية عن العالم التي تمرّ عبر مضيق هرمز. وبالتحديد قد يؤدّي هذا الأمر إلى تصعيد عسكري غربي كبير ستكون نتائجه الحتمية تعديلات جوهرية في النظام الجيوسياسي القائم حالياً في الشرق الأوسط.
أما على الصعيد الإيراني، فتُظهر النتائج تراجع النمو الاقتصادي بنسبة 20 نقطة نسبة إلى النمو الأساسي (baseline 1.5%)، إلا الضرر الأكبر سيكون إجتماعياً وعلى صعيد البنية التحتية التي ستتضرّر نتيجة الصراع العسكري.
رسم 1: التداعيات على كل من الاقتصاد الإيراني والعالمي وعلى أسعار النفط في ظل السيناريوهات الثلاث (مصدر حساباتنا).
الترجيحات
تُشير التحاليل إلى أن أخذ التداعيات لكل سيناريو من السيناريوات تجعل من السيناريو الأول (أي محدودية التداعيات) هو الأكثر احتمالاً وهذا الأمر تُثبته المُحاكاة التي قمنا بها (أنظر إلى الرسم البياني رقم 2) إذ يبلغ عدد عمليات 10000. إلا أن بعض التحاليل العسكرية تُشير إلى أن هناك احتمالاً كبيراً لأن تعمد إسرائيل بدعم أميركي وأوروبي إلى عمليات عسكرية استباقية على إيران تجعل من احتمالات السيناريو الثالث (أي الصراع العسكري) شبه حتمية مع تقليل الأضرار الاقتصادية على الاقتصاد العالمي بفضل خطوات استباقية قد تمتد أسابيع أو أشهراً (مثلًا إعادة فتح الأسواق للنفط الروسي...). وفي ظل هذه السيناريوات والترجيحات، هناك شيء أكيد ألا وهو وجود فترة 30 يوماً أمام الديبلوماسية قد يتغلّب فيها العقل على القوة.
رسم 2: محاكاة لاحتمال كل سيناريو من السيناريوهات الثلاث (مصدر: حساباتنا)