في ظل الانهيار الكبير الذي شهده القطاع المصرفي اللبناني منذ العام 2019، توقفت معظم القروض والتسليفات، وفي مقدمتها القروض السكنية التي تُعد من أبرز ركائز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. ومع تعثّر إعادة هيكلة المصارف وتأخر إطلاق أي برامج تمويلية من القطاع المصرفي التقليدي، تصدّر مصرف الإسكان المشهد بوصفه الجهة الوحيدة التي ما زالت تسعى إلى منح قروض سكنية رغم التحديات.

مصرف الإسكان... تحرك في زمن الجمود

بادر مصرف الإسكان، باعتباره مؤسسة عامة تهدف إلى دعم السكن الشعبي، إلى البحث عن مصادر تمويل بديلة، وتمكّن من الحصول على تمويل من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي لإطلاق برامج جديدة تسمح للبنانيين بامتلاك بيت، ولو خارج العاصمة، والاستثمار في وطنهم رغم الظروف الصعبة.

وتم رفع سقف القرض السكني من 50 ألف دولار إلى 100 ألف دولار، وفق اتفاقية محددة مع الصندوق العربي، مع الإبقاء على الحد الأدنى عند 20 ألف دولار. إلا أن هذا السقف لا يزال غير كافٍ لشراء شقة في بيروت أو ضواحيها، لكنه يتيح فرصاً في المناطق الأخرى.

أرقام وواقع: من التقديم إلى التوقيع

بحسب رئيس مجلس إدارة مصرف الإسكان أنطوان حبيب، توزعت الملفات على الشكل التالي:

- 1850 طلباً تم قبولها لتكوين ملفات القروض

- 38 مستفيداً حصلوا على القرض

- 91 ملفاً تم توقيع عقودها

- 27 بانتظار موعد التوقيع

- 163 حصلت على موافقة لجان التسديد

- 118 تم تحويلها لتوقيع العقود

تُسدد القروض على فترات متفاوتة حسب نوع القرض:

- 100 ألف دولار (شراء): على 20 سنة

- 100 ألف دولار (بناء): على 15 سنة

- 50 ألف دولار (ترميم): على 10 سنوات

- مع فائدة تبلغ 6% للسنة الأولى.

التحديات: أقساط مرتفعة ودخل منخفض

رغم الأهمية الاجتماعية لهذه القروض، إلا أن الأقساط الشهرية المرتفعة (تبدأ من 500 دولار شهرياً) تثير القلق لدى المتقدمين. فمعظم الأسر في لبنان تعاني من تآكل الأجور نتيجة التضخم، ما يجعل تسديد قرض بهذا الحجم عبئاً كبيراً.

ووفق الباحث في "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين، فإن الفئة القادرة على تحمل هذه الأقساط (1200–1500 دولار شهرياً كدخل عائلي) تمثل أقل من 20% من العاملين في لبنان، ما يحد من استفادة شرائح واسعة من المجتمع.

آلية التسديد وشروط القرض

اعتمد المصرف آلية تراعي دخل العائلة وليس دخل الفرد، بحيث لا يتجاوز القسط ربع دخل الأسرة، شرط أن يكون دخلها الشهري أقل من 5000 دولار، لأن الفئة المستهدفة هي ذوو الدخل المحدود. لكن المصرف يرفض الطلبات التي لا تكون مرفقة بعقد شراء أو وعد بالبيع، ما يعيق بعض المتقدمين الذين لم يحددوا عقاراً بعد.

المصرف في مواجهة الانتقادات

يرد أنطوان حبيب على الانتقادات الموجهة إلى مصرف الإسكان بالقول إن الحملة المستمرة قد تُخيف الجهات المانحة وتؤدي إلى وقف الدعم، مضيفاً: "هل المطلوب حرمان اللبنانيين من هذه القروض في ظل غياب البدائل؟"

وفي المقابل، يرى الخبراء أن الحل الحقيقي لا يكمن فقط في استمرار مصرف الإسكان ببرامجه، بل في عودة القروض السكنية عبر المصارف التجارية بعد إعادة هيكلتها، وإطلاق خطة سكنية شاملة على مستوى الدولة.

أمل محدود في مواجهة حاجة وطنية

رغم كل الصعوبات، تشكل قروض مصرف الإسكان "ضوءاً" صغيراً في نفق الأزمة الطويل، إذ يمكنه – بحسب التمويل المتوافر – تأمين حوالي 1300 إلى 1500 قرض سنوياً، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى أكثر من 20 ألف قرض سنوياً لإعادة تحريك القطاع العقاري والإسكاني.

في المحصّلة، قروض مصرف الإسكان تبقى حلاً جزئياً، محدوداً بقدرة التمويل وواقع الدخل، لكنها تظل خطوة ضرورية في ظل غياب البدائل. المطلوب اليوم سياسة إسكانية وطنية شاملة، تبدأ بإصلاح القطاع المصرفي وتنتهي بدعم فعلي للفئات الأكثر حاجة، كي يبقى حق السكن متاحاً في وطن يعاني من كل الأزمات، إلا أن أبناءه ما زالوا يحلمون ببيت صغير يلمّ شملهم.