هل تجافي عودة "حليمة" السلطة السياسية "إلى عادتها القديمة"، بفتح الاعتمادات من خارج الموازنة، الإصلاح المنشود؟ فالدولة التي دأبت منذ عقود على مثل هذا السلوك، أوصلت البلد إلى الانهيار. واليوم، ورغم "همروجة" الإصلاحات، أقر مجلس النواب فتح اعتمادات إضافية في موازنة 2025 لتمويل صناديق تعاضدية، ومنح مالية، إضافة إلى اتفاقيات قروض بمئات ملايين الدولارات.
بناء على جدول أعمال جلسة 30 حزيران التشريعية، أٌقر البرلمان اللبناني الاعتمادات الخاصة بصندوق تعاضد القضاة، وصندوق تعاضد أساتذة الجامعة اللبنانية. تأجّل أيضاً نقاش بند الاعتمادات المالية المطلوبة للعسكريين في الخدمة والمتقاعدين منهم بما فيها استفادة المتقاعدين المدنيين من الاداريين والسلك الدبلوماسي ومتقاعدي الاساتذة والمعلمين في وزارة التربية من المنحة المخصصة للمتقاعدين العسكريين ( ١٢ مليون ليرة شهريا) إلى الجلسة ستعقد اليوم بعد تعذر انعقادها مساء كما هو مقرر لعدم اكتمال النصاب.
مجموع المبالغ المطلوب إقرارها من خارج الموازنة تصل إلى أكثر من 230 مليون دولار، وتمثل 15 في المئة من حجم موازنة 2025. وهي تتوزع على الشكل التالي:
- 178 مليون دولار منحاً للعسكريين.
- 22.5 مليون دولار للقضاة.
- 30 مليون دولار للجامعة اللبنانية.
العودة إلى 2017
المشهدية التشريعية أعادت الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان إلى عشية إقرار سلسلة الرتب والرواتب. فعلى الرغم من أحقية المطالب، وضرورة انصاف العسكريين والقضاة، وأساتذة الجامعة اللبنانية، فإن "العودة إلى إعطاء المنح قبل تحقيق الإصلاحات المطلوبة من دون أي إصلاح مالي وإداري جدي، تعيد وضعنا على نفس الطريق الذي أودى بلبنان إلى الانهيار الاقتصادي.
فما حصل في العام 2017، على صعيد إقرار سلسلة الرتب والرواتب "لم يكن خطأ مبدئياً فقط، إنما برنامج تضخمي بامتياز"، برأي أبو سليمان. "فقد جرى رفع الرواتب قبل تحقيق الإصلاحات. والآن نعيد الكرة نفسها، إنما بوضع مالي أخطر. فكل دولار نعطية اليوم، ما هو إلا دين، أو ضريبة للغد". وبرأي أبو سليمان، فان "الإنصاف الحقيقي لا يتأمن بمنح ظرفية، بل بتحقيق الإصلاحات الفعلية، وتنظيف الادارة، وضبط التوظيف، ورفع الانتاجية، وتفعيل المحاسبة.. وبهذه الإصلاحات نكرم المواطن ونصون الدولة".
الاعتمادات بديلاً عن السلف
على الرغم من تشديده على ضرورة الإصلاح الإداري والمالي والاقتصادي، لا يرى عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الدكتور أنيس بو دياب، أن "فتح اعتمادات إضافية للقضاة واساتذة الجامعة في موازنة 2025، سيحمّل الموازنة نفقات إضافية غير مقرّرة. فالاموال التي أقرت تدفع اساساً بسلف مالية منذ العام 2023، وتُغطى من احتياطي الموازنة. ونزولاً عند طلب وزير المالية ياسين جابر بوقف السير بسلف الخزينة، تم تحويلها إلى مشاريع قوانين لكي تصبح من ضمن الموازنة. وعلى سبيل الذكر لا الحصر فان السلفة المعطاة للجامعة اللبنانية كانت 2640 مليار ليرة، مغطاة من الاحتياطي الإلزامي، وليست بحاجة إلى إيرادات جديدة. ذلك مع العلم انه في العام 2024 حققت الموازنة فائضا بنسبة 5 %". ومن المهم جداً برأي بودياب الاعتراف بأن "إقرار قوانين فتح الاعتمادات وتحويلها إلى الموازنة، يخرج المالية العامة من نظام السلف ويعيد إليها الانتظام".
أمّا في ما يتعلق بمنح العسكريين في الخدمة الفعلية والمتقاعدين، فسيكون من خلال الضريبة على المحروقات. وهذه الضريبية تفيض عن حجم الإنفاق المخصص لهذه الغاية. ولب المشكلة "لا يكمن بفتح الاعتمادات في الموازنة"، برأي بودياب، "إنما في عدم هيكلة القطاع العام، وغياب العدالة في الرواتب، وتراجع الانتاجية. وحل هذه المشاكل يحتاج إلى جرأة من قبل المسؤولين وأوّلهم الرؤساء الثلاثة والبدء بالإصلاحات الجدية التي تكمن في 3 عناوين عريضة:
- إصلاح القطاع العام، وإعادة تعريف ما هي الوظيفة العامة، وتحسينها وتوحيد مسمياتها. فلا يجوز الإبقاء على سبعة أو ثمانية أنواع من الوظائف العامة.
- التحول إلى الإدارة الرقمية.
- تحقيق الإصلاحات المالية، ولا سيما في القطاع المصرفي.
إقرار قروض بمئات ملايين الدولارات
الجلسة التشريعية تضمنت أيضا طلب الموافقة على إبرام اتفاقيتين مع البنك الدولي.
- الأولى، لتنفيذ مشروع الطاقة المتجددة وتعزيز نظام الطاقة في لبنان.
- الثانية لتمويل مشروع التحول الأخضر في قطاع الأغذية الزراعية من اجل التعافي الاقتصادي.
ومن المتوقع أن تتجاوز قيمة القروض من البنك الدولي وحده ملياراً و200 مليون دولار، إذا ما أضفنا قروض الحماية الاجتماعية، وتعزيز البنى التحتية، وغيرها. وعلى الرغم من كون هذه الأموال ديناً كبيراً يتحتم على لبنان إرجاعه، فهي "لا تشكل خطرا على الأمن الاقتصادي"، بحسب بودياب. فهي قروض ميسَّرة تمتد إلى مدة 50 عاما وبفوائد بسيطة من جهة، وتعتبر ضرورة لتنفيذ مشاريع تنموية وتحسين انتاجية العديد من القطاعات ورفع كفاءة البنى التحتية المتداعية من الجهة الثانية". فالقرض للزراعة مثلا هو أكثر من مهم لتحسين انتاجية القطاع واعادة ضخ النبض في الحياة الاقتصادية للقطاع الزارعي. وكما هي حال الاعتمادات فان "المشكلة ليست بالقروض بحد ذاتها، إنما بتراجع انتاجية الاقتصاد"، من وجهة نظر بودياب.
التمييز في القطاع العام
إن كانت المخاطر الاقتصادية للاعتمادات التي ستفتح في الموازنة، وإقرار المزيد من الديون، محدودة الأثر الاقتصادي، فإنها حكماً تثير الانقسام في جسم الإدارة العامة. فقد رأت "رابطة موظفي الإدارة العامة" في بيان، أن "هذا النهج يكرّس انقساماً طبقياً داخل الإدارة الواحدة. فهناك موظفون يتقاضون أقل من 200 دولار، مقابل آخرين برواتب خيالية (كرواتب الهيئات الناظمة التي تفوق أجر 20 موظفًا مجتمعين). ويلقى صندوق تعاضد القضاة دعما كاملا ومفتوحا، مقابل تهميش تام لباقي الموظفين الإداريين. وهناك تمييز فاقع عبر التحضير سرّاً لتهريب مخصصات لوزارة المالية والهيئات الرقابية، وكأن لا معايير موحّدة لدولتنا. ويتم رفع الحد الأدنى في القطاع الخاص، ويترك القطاع العام يتخبط في حد جوعٍ لا يتجاوز 675 ألف ليرة، وتقاعد يساوي ١/١٠ من راتب شهري لرئيس هيئة او مجلس".
وفي ظل هذا الإهمال الممنهج أعلنت رابطة موظفي الإدارة العامة التوقف عن العمل داخل الإدارات، أيام الأربعاء والخميس والجمعة. على أن يتوسّع التحرك تدريجياً وبثبات نحو توقف مفتوح عن العمل حتى تحقيق كامل الحقوق، وهي:
- ضمّ فوري وكامل لجميع المساعدات والتسميات إلى صلب الراتب.
- تنفيذ كامل بنود الورقة المطلبية التي أقرّتها الرابطة، وفي مقدمتها إقرار سلسلة رتب ورواتب عادلة، وتثبيت المتعاقدين.