مشروع القانون الكبير والجميل (Big Beautiful Bill)، هو عبارة عن سياسة دونالد ترامب الاقتصادية التي تُعتبر تحوّلاً كبيراً في السياسات الاقتصادية الأميركية. ويرتكز هذا المشروع على ثلاثة محاور أساسية هي: خفض الضرائب، والحماية التجارية، والإنفاق الداخلي (أنظر إلى الرسم البياني رقم 1). وأدّى هذا المشروع إلى إنقسام كبير لدى الأميركيين – حتى داخل فريق ترامب نفسه (إيلون ماسك مثال حيّ)، فمنهم من يرى فيه مشروعاً طموحاً وواضحاً، ومنهم من يرى فيه مُغامرة غير محسوبة العواقب.
في هذا المقال، نُسلّط الضوء على هذا المشروع يإيجابياتُه وسلبياتُه وعلى تداعياتِه في الداخل وعلى الاقتصاد العالمي.
رسم توضيحي 1: الأعمدة الثلاث الأساسية لمشروع ترامب "الكبير والجميل" (مصدر: تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي بناءً على النص)
خفض الضرائب
جوهر مشروع ترامب مبنيٌ على خفض الضرائب خفضاً كبيراً على الشركات في مختلف القطاعات وعلى الدخل الفردي لجميع شرائح المُجتمع الأميركي. والجديرُ ذكرُه أن قانون خفض الضرائب وإنشاء الوظائف للعامة 2017 (TCJA 2017)، كان خفّض الضرائب كثيراً وبالتالي فإن مشروع ترامب يطرح استمرارية هذا الخفض.
وبحسب المشروع سيؤدّي هذا الخفض في الضرائب إلى ازدهارٍ اقتصادي من خلال تحفيز الاستثمارات وخلق فرص العمل واستطراداَ زيادة الإنفاق الاستهلاكي. وهنا يواجه ترامب مُشكلة جيروم باول رئيس الإحتياطي الفدرالي الذي يرفض خفض سعر الفائدة خوفاً من التضخّم بحسب باول، ولأسباب سياسية بحسب ترامب. إذاً المواجهة مفتوحة بين الرجلين!
الحماية التجارية
الركيزة الثانية الأساسية في مشروع قانون ترامب "الكبير والجميل" هي اتخاذ إجراءات حماية مثل رفع الرسوم الجمركية على السلع المستوردة وحظر الاستيراد من مصادر أخرى. ويُبرّر ترامب هذه الإجراءات بأنها تهدف إلى حماية الصناعة والزراعة من المنافسة "غير العادلة". وهو ما سينعكس بحسب ترامب على قطاعَي الصناعة والزراعة من خلال تشجيع التصنيع والزراعة داخل الولايات المُتحدة وسيُجبر الشركات على نقل مصانعها إلى الولايات المُتحدة بعد أن اعتمدت خلال عقود على الإنتاج في البلدان الأرخص.
الإنفاق الداخلي
الركيزة الثالثة الأساسية في هذا المشروع تخصيص مبلغٍ كبيرٍ للأمن القومي يشمل بناء جدران حدودية مع المكسيك خصوصاً، وتخصيص أموال إضافية لإنفاذ قوانين الهجرة والترحيل وهو ما سيؤدّي بحسب ترامب إلى حماية الوظائف والموارد الأميركية من الهجرة غير الشرعية عملاً بمبدأ "أميركا أولاً".
إيجابيات وسلبيات المشروع
مما لا شكّ فيه أن مشروع ترامب يحتوي على إيجابيات وسلبيات قد تُترّجم على الأرض بحسب تطوّر الأحداث. هذه الإيجابيات والسلبيات يُمكن تلخيصها على الشكل التالي (أنظر إلى الرسم البياني رقم 2):
رسم توضيحي 2: إيجابيات وسلبيات "المشروع الكبير والجميل" (مصدر: تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي بناءً على النص)
- الإيجابيات: يستند ترامب في طرح إيجابيات مشروعه على عدد من النظريات الإقتصادية التي تدعم موقفه وعلى رأسها نظرية "اقتصاديات جانب العرض" (Supply-Side Economics) التي تقول بأن زيادة عرض السلع والخدمات تُحفّز النمو الاقتصادي أكثر من التركيز على الطلب. وهذا يتمّ عادة من خلال خفض الضرائب وتحرير القطاعات الاقتصادية وخفض الإنفاق الحكومي. ويستند ترامب أيضاً على صعيد "منحنى لافر" (Laffer Curve) الذي يقترح وجود مُعدّل ضريبي أمثل يسمح بزيادة الإيرادات الحكومية إلى أقصى حد وذلك من خلال آلية خفض الضرائب الذي يؤدّي إلى زيادة النشاط الاقتصادي وإستطراداً يرفع الإيرادات الضريبية كقيمة.
أيضاً يعتمد ترامب في مشروعه على نظرية المذهب التجاري لفرض رسوم جمركية والدعم للصناعات المحلّية بما يحميها من المنافسة الخارجية ويجعلها تنمو وتُصبح قوّة إقتصادية كبيرة.
ولخفض الإنفاق، يعتمد ترامب على نظرية المحافظة المالية (Fiscal Conservatism) التي تقول بخفض الإنفاق الحكومي واستطراداً الدين العام بحكم أن "الإنفاق الحكومي غير فعّال بطبيعته ويُنافس الاستثمارات الخاصة".
ويستخدم ترامب أيضًا نظرية القومية والسيادة الاقتصادية (Nationalism and Economic Sovereignty) لتبرير تفضيله الأميركيين أولاً وتفضيل المصلحة الأميركية على أي مصلحة أخرى.
كل هذا يؤدّي إلى ثلاث نتائج أساسية: زيادة النمو الاقتصادي، خلق وظائف، وتصحيح الخلّل في الميزان التجاري.
- السلبيات: في ما يخص السلبيات، يقترح مناهضو مشروع ترامب أن خفض الضرائب سيعود بالفائدة على الأثرياء ل على ذوي الدخل المحدود، وسيزيد عدم المساواة في الدخل بين الأثرياء والطبقات الإجتماعية الأخرى. وسيكون هناك تضخّم في الدين العام من دون نمو إقتصادي أو خلق فرص عمل مُؤكّد. ويُضيف المعارضون أن الحماية التجارية قدّ تؤدّي إلى حروب تجارية وارتفاع الأسعار في الولايات المُتحدة وتباطؤ الاقتصاد العالمي نظراً لحجم الاقتصاد الأميركي في الاقتصاد العالمي، وهو أكثر من ربعه. ويُضيف المُعارضون أن خفض الإنفاق سيطال قبل كل شيء البرامج الاجتماعية وهي أساسية لاستدامة النمو الاقتصادي.
ويرى بعض الخبراء الاقتصاديين أن التأثير على الاقتصاد العالمي قد يضرب سلاسل التوريد العالمية ويقوّض النظام التجاري القائم ويؤدّي إلى غموض كبير في اقتصادات العديد من الدول والتكتلات الاقتصادية التي ستعمد إلى إنجاز تكامل إقتصادي وتحقيق الإكتفاء الذاتي على حساب الاقتصاد الأميركي.
وبحسب السيناريوات، فإن احتمالات زيادة الدين العام مُرتفعة وهي شكّلت نقطة خلاف جوهرية بين ترامب وماسك أدّت إلى خلاف علني على منصات التواصل الإجتماعي.
محاكاة ماكرو اقتصادية
ثلاث سيناريوات مطروحة لمشروع قانون ترامب: تفاؤلي وتشاؤمي واستمرارُ للواقع الحالي. ويُظهر الرسم البياني رقم 3 النمو الاقتصادي والتضخّم والبطالة في الولايات المُتحدة بالإضافة إلى النمو الاقتصادي العالمي في ظل السيناريوات الثلاث. وإذا كان حساب الإحتمالات يتطلّب كمّاً هائلاً من المُعادلات الحسابية (أكثر من 100 معادلة) وموارد معلوماتية كبيرة، فإننا نكتفي بإعطاء هذه الصورة المُبسّطة لما قد يكون عليه الاقتصادان الأميركي والعالمي في ظل السيناريوهات الثلاثة.
رسم توضيحي 3: مُحاكاة للنمو الإقتصادي، التضخّم والبطالة في الولايات المُتحدة الأميركية في ظل السيناريوهات الإقتصادية (مصدر: حسابات الكاتب)
في الختام، لا يسعنا القول إلا أن مشروع ترامب قد يرتّب على الولايات المتحدة مزيداً من العجز والدين العام كما جرى في ولايته الأولى. ففي 2019 فقط، بلغ عجز الموازنة ألف مليار دولار وانتهى عهد ترامب الأول في بداية 2021 بزيادة 7800 ألف مليار دولار على الدين العام، إلى 28 ألف مليار دولار، مرتّباً على كل فرد أميركي ديناً بقيمة 23 ألف و500 دولار.