حرب الاثني عشر يوما بين إسرائيل وإيران، والتي تخللها تدخّل عسكري أميركي، شكّلت تصعيداً كبيراً في تنافس إقليمي قديم العهد، ستظهر تداعياته العميقة على الجغرافيا السياسية العالمية.

في 13 حزيران 2025، شنت إسرائيل سلسلة من الهجمات استهدفت منشآت نووية وعسكرية إيرانية. فإسرائيل تعتبر البرنامج النووي الإيراني، مقروناً بقدرة إيران الصاروخية البعيدة المدى، "تهديداً وجودياٍ". وردّت إيران بإطلاق مئات الصواريخ والمطيَّرات على الأراضي الإسرائيلية، متجاوزةً دفاعات إسرائيل الجوية.

في هذه الحرب انتقلت إيران من الحرب مع إسرائيل بالوكالة إلى المواجهة المباشرة. إسرائيل تريد القضاء على البرنامج النووي في إيران وتحدّ من قدراتها الصاروخية فيما إيران مصرة على "حقّها" في تخصيب اليورانيوم وتطوير برنامج نووي للأغراض السلمية.

التدخل العسكري الأميركي

تدخلت الولايات المتحدة في 21 حزيران فقصفت من الجو ثلاثة مواقع نووية إيرانية: فوردو وناتنز وأصفهان. قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن بلاده لا تقبل بأن تملك إيران برنامجاً نوويا وتخصّب اليورانيوم على أراضيها. وبعد الغارة الجوية ادّعى الرئيس دونالد ترامب أن الضربات "محَت" البرنامج النووي الإيراني وهدّد بهجمات إضافية إن ردّت إيران على الهجمات.

جاء التدخل الأميركي بعد ضغوط من إسرائيل وأنصارها في واشنطن. ومع ذلك، ّردّت إيران بهجمات صاروخية على قاعدة العُدَيد في قطر. بعد ذلك، طلب ترامب من قطر التوسط مع إيران لوقف إطلاق نار مع إسرائيل دخل حيز التنفيذ بعد 12 يوماً من القصف المتبادل.

كانت استراتيجية ترامب مقامرة محفوفة بالمخاطر: ضربة عسكرية قوية تليها جهود دبلوماسية سريعة لتهدئة الأوضاع. ومع ذلك، لا تزال فاعلية الضربات في تفكيك البرنامج النووي الإيراني موضع خلاف.

دور روسيا؟

تبنت روسيا موقفاً حذراً ومحسوباً. يسعى الرئيس فلاديمير بوتين إلى الحفاظ على العلاقات مع جميع الأطراف لتجنب مزيد من العزلة الدولية وتحضيراً لأداء دور الوسيط، إذ تعتبر موسكو أن أفضل الحلول وقفُ إطلاق نار بوساطتها، فتعزّز مكانتها العالمية وتحوّل الانتباه عن حربها المستمرّة في أوكرانيا.

تجنبت روسيا تقديم دعم عسكري مباشر لإيران في هذه الحرب على الرغم من شراكتهما الاستراتيجية. وموسكو ممتعضة من اضطرارها إلى الاتكال على التكنولوجيا العسكرية الإيرانية وتتمنى الانتهاء منه لتجنب زعزعة استقرار مصالحها الجيوسياسية الأوسع.

أين الصين؟

اكتفت الصين بالتدخُّل الدبلوماسي مكررة دعواتها لوقف إطلاق النار والتهدئة. أدانت الصين بسرعة الضربة الإسرائيلية الأولى ضد إيران باعتبارها انتهاكاً للقانون الدولي وحثت جميع الأطراف على ضبط النفس. فهي تريد أن تحمي مصالحها الاقتصادية الواسعة في الشرق الأوسط، بما في ذلك إمدادات الطاقة وطرق التجارة.

وتفاعلت الصين بسرعة مع تهديد إيران بفرض حصار على مضيق هرمز، داعيةً إلى جهود دولية لمنع عدم الاستقرار الإقليمي الذي يمكن أن يؤثر على التقدم الاقتصادي العالمي.

التوقعات المستقبلية

أدى وقف إطلاق النار الذي رعته الولايات المتحدة وقطر إلى وقف القتال مؤقتاً، لكن القضايا الخلافية الأساسية لا تزال بلا حل. ومسألة استئناف القتال تتوقف على التحقق من مجموعة عوامل، باعتبار أن الأسباب متوافرة لدى الطرفين. يضاف إلى ذلك أن ترامب يريد الانسحاب سريعاً لتجنُّب التورّط في تعقيدات الوضع.

يعتمد المستقبل على إجابات لا تزال غير معروفة لعدة أسئلة تتعلق بنتائج الحرب.

فلنبدأ بما هو معروف ومؤكَّد:

- أجواء إيران مشرّعة لسلاح الجو الإسرائيلي بعد تدمير الدفاعات الجوية الإيرانية.

- نجاح إسرائيل في اختراق جهاز المخابرات الإيراني، والحصول على معلومات مفصّلة عن القادة العسكريين وسلسلة قيادتهم ومسؤولي المخابرات والعلماء النوويين.

- نجاح إسرائيل في استهداف عدة مواقع نووية إيرانية مؤكَّدة أو مشتبه بها. تجمع التقييمات الأولية على حدوث أضرار، لكن من المبكر تحديد مداها - سواء تم "محو" البرنامج (كما يدعي ترامب)، أو "تضرره بشدة" (كما تقول إسرائيل)، أم أنه عزّز عزم إيران على متابعة أهدافها المعلنة والخفيّة.

- وضع القدرات الصاروخية المتبقية لإيران ومخزونها من الصواريخ الدقيقة المتطورة غير واضح.

- نجاح بعض الصواريخ والمطيّرات الإيرانية في اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية؛ ونظراً لصغر مساحة إسرائيل، فإن أي ضربة صاروخية إيرانية تسبب خسائر كبيرة.

- عدم قدرة إسرائيل على تحمل حرب طويلة دون مساعدة عسكرية ومالية واقتصادية كبيرة من الولايات المتحدة.

- عدم قدرة إيران على تحمُّل خسارة علاقاتها مع دول الخليج العربي، ولا تحمُّل تكلفة فرض حصار على مضيق هرمز.

- مخاوف اندلاع حرب إقليمية موسّعة مبالغ فيها، فجميع الأطراف التي يُحتمَل ن تشارك منشغلة بنزاعات أخرى أو بأوضاع سياسية واقتصادية داخلية.

أحدى النقاط الأساسية العالقة هي حق إيران في امتلاك برنامج نووي للأغراض السلمية وإصرارها على تخصيب اليورانيوم على أراضيها. وقد رفضت كل العروض التي تحرمها من حق التخصيب.

لكن إلى متى تستطيع إيران الانتظار للوصول إلى اتفاق يرفع عنها العقوبات الدولية ويحرّر أموالها المحتجزة في الخارج، مع العلم أن قدراتِها الصاروخية قد انخفضت وأذرعَها في المنطقة ضعفت وحلفاءَها الدوليين وقفوا على الحياد؟

التداعيات المستقبلية

- سياسياً: للتدخل الأميركي تبعات داخلية إذ سبّبت الضربات انقسامات داخل الحزب الجمهوري وانتقادات من الديمقراطيين بسبب عدم الحصول على تفويض من الكونغرس لتنفيذ الغارة. أما في إسرائيل، فيظل تركيز رئيس الوزراء على التهديد النووي الإيراني محورياً، بما يساعد على الاستمرار في انتهاج سياسات أمنية متشددة.

- بالنسبة لإيران: حرّكت الحرب مخاطر تهدّد استقرار النظام ولكنها قد توقظ أيضاً المشاعر القومية. قد يؤدي تدهور القدرات النووية والصاروخية الإيرانية إلى إضعاف نفوذها الإقليمي، ولكنه قد يرسّخ أيضاً تصميمها على السعي للحصول على التكنولوجيا النووية سراً.

- في الشرق الأوسط: من المرجح أن يتضاءل نفوذ إيران. فـ "العواصم الأربع" التي زعم المرشد الأعلى أنها "تحت السيطرة الإيرانية" تحرّرت من هذه السيطرة بعد تفكك الأذرع وتغيير النظام في سوريا.

- دولياً: سلّطت الحرب الضوء على هشاشة النظام العالمي لعدم الانتشار النووي ومخاطر التدخلات العسكرية الأحادية الجانب.

مع دخول ملف الشرق الأوسط في فترة مفاوضات تفضي إلى حل شامل لمشاكله وتعقيداته، ستتحوّل الأنظار سريعاً إلى الملف الأوكراني وستركّز الولايات المتحدة، بالتعاون المباشر مع روسيا على الوصول إلى اتفاق ينهي الحرب بما يداوي مخاوف روسيا الأمنية ويعوّض على أوكرانيا بعض ما خسرته.

ومع ذلك، وقبل كل شيء، فإن التدخل العسكري الأميركي المباشر يمثّل محاولة جادة لاستعادة زعامة الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم بالقوة العسكرية على الرغم من سياسة "أميركا أولاً".