هدأت "نار" الإصلاحات الاقتصادية واللقاءات "العملانية"، والاجتماعية التحضيرية المالية والنقدية بالتزامن مع تصاعد وتيرة الحرب الاسرائيلية - الايرانية. لم تُبحث التعيينات المالية في جلسة الحكومة الأخيرة، ورُحّلت إلى الجلسة القادمة التي لم يحدد موعدها بعد. ولم يظهر على "رادار" اللجان النيابية أي اجتماع هذا الاسبوع للجنة الفرعية المنبثقة عن "المال والموازنة"، لاستكمال دراسة مشروع قانون إصلاح المصارف وإعادة تنظيمها". ومازال قانون "الفجوة المالية" يحضّر في مصرف لبنان، من دون صدور أي إشارات على الشكل النهائي الذي سيُخرج به، وإن كان سيأتي متوافقاً مع ما سبقه من مشاريع قوانين، أو يختلف عنها بالشكل والمضمون!

في ظل هذه الأجواء عقد مجلس الوزراء جلسة أقر فيها بالإضافة إلى التشكيلات الدبلوماسية التي طال انتظارها، أربع مقترحات اقتصادية – اجتماعية، هي:

- خطة عودة النازحين المقدمة من نائب رئيس الحكومة، طارق متري.

- إعادة درس اقتراح إنشاء وزارة للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.

- الموافقة على إبرام اتفاق مع "صندوق النقد الدولي" لإنشاء مكتب لممثل الصندوق المقيم في لبنان.

- رفع قيمة القرض السكني للمستفيد الواحد من 50 إلى 100 ألف دولار.

مضاعفة قرض الإسكان

البند الأخير المتعلق برفع قيمة القروض السكنية، لاقى ترحيباً كبيراً من قبل مصرف الإسكان، وعموم المواطنين، ولاسيما مع ما فرضه العدوان الاسرائيلي على لبنان من ارتفاع بقيمة الشقق والأراضي. فـ"قيمة القرض التي كانت تصل بالحد الأقصى إلى 50 ألف دولار، لم تعد تكفي لشراء مسكن في مختلف المناطق اللبنانية"، يقول مدير عام مصرف الإسكان أنطوان حبيب. وذلك نتيجة "تدمير الحرب آلاف الوحدات السكنية في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، واضطرار المواطنين إلى البحث عن أماكن جديدة للشراء أو الاستئجار. الامر الذي زاد الطلب على العقارات بنسبة كبيرة وأدى إلى ارتفاع الأسعار".

التعاون بين القطاعين العام والخاص

في الوقت الذي انخفض فيه تصنيف لبنان الائتماني من قبل وكالات التصنيف العالمية إلى ضعيف للغاية لا يشجع على الإقراض، نجح مصرف الاسكان في العام 2023، بالتوصل إلى اتفاق مع "الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية" للحصول على قرض بقيمة 50 مليون دينار كويتي (165 مليون دولار) يخصص للإسكان. أهمية الاتفاق لا تنحصر بحصول المصرف على قرض كبير، سيكون له فوائد اجتماعية جمّة فحسب، إنما "ترسيخ مبدأ الشراكة بين القطاعين العام والخاص"، برأي حبيب. القطاع الخاص يملك 80 في المئة من رأسمال مصرف الإسكان، والقطاع العام 20 في المئة. ويمثل هذا التعاون برأي حبيب فرصة لتقاسم الموارد بين القطاعين، تقلل الأعباء عن كاهل الحكومة. كما أن القطاع الخاص يوفر خبرات وتقنيات متقدمة لتطوير مشاريع الإسكان، ويحسّن في عامل الكفاءة أو مستوى السكن، ويؤمن فرص عمل متعددة في كل القطاعات التي ترافق مشاريع البناء". أضف الى ذلك أن القرض يساعد اللبنانيين من ذوي الدخل المحدود والمتوسط، ويدعم الشباب اللبناني في التشبث بأرضه وقريته ومدينته، بعدما توقفت كل أشكال الإقراض من القطاع المصرفي، وتدنت الرواتب والاجور، أو فقدت قيمتها الفعلية.

معوقات الحصول على قرض

على الرغم من دخول القرض حيز التنفيذ، وبدء مصرف الإسكان استقبال الطلبات بالآلاف عبر موقعه الإلكتروني، فإن عدد الموافقات ما زال بالمئات"، بحسب حبيب. وهذا يعود إلى جملة من الأسباب:

- عدم كفاية المبلغ لشراء مسكن، ولو كان في مناطق الأرياف البعيدة على المدن، نظراً للارتفاع الذي شهدته أسعار العقارات بعد الحرب الاسرائيلية، وتأخر عملية إعادة الإعمار. اضطرار المواطنين من أصحاب المساكن المتضررة إلى تأمين مساكن بديلة. وقد تمنت كل من الحكومة اللبنانية ومصرف الإسكان على "الصندوق" الذي زار لبنان قبل فترة وجيزة، مضاعفة قيمة القرض. وبعد إبلاغ موافقته على الطلب لمجلس الانماء والاعمار، اتخذت الحكومة قراراً برفع سقف القرض إلى مئة ألف دولار.

- عدم القدرة على تأمين المستندات المطلوبة ولاسيما الإفادة العقارية، وصك الملكية نظراً للبطء في عمل إدارة العقارات.

- انجاز المعاملات الورقية للمقترضين بحاجة الى الكثير من الوقت، وعدم قدرتهم على تأمينها في الكثير من الأحيان من دون تكّليف سماسرة ودفع مبالغ مالية كبيرة للحصول عليها.

تعديل الإجراءات

رفع قيمة القروض من 50 إلى 100 ألف دولار، تفترض تمتع المقترضين بمداخيل أكبر. وبقدر ما يبدو مثل هذا الموضوع عائقاً نظراً لتدني المداخيل بعد الانهيار، وعدم تصريح المؤسسات رسمياً عن الراتب الفعلي المدفوع للتهرب من مستحقات الضمان الاجتماعي، فان هذا النوع من القروض "لا يُبنى على دخل الفرد الواحد، إنما على مداخيل العائلة مجتمعة"، يقول حبيب، "وتُقبل الكفالات الشخصية والضمانات العقارية". وهي كلها امور تسهِّل إمكانية حصول العائلات على قرض من أجل شراء مسكن. وسيعمل مصرف الاسكان في الأيام المقبلة على إدخال التعديلات المطلوبة على القروض، مع الأخذ بعين الاعتبار قدرة الشباب اللبنانية المالية، وأهمية حصولهم على مسكن يثبتهم في لبنان من الناحية الاجتماعية.

القرض من الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بقيمة 165 مليون دولار يؤمن قروضاً لحوالي 1650 عائلة فقط، في حين أن عدد القروض السكنية المعطاة لغاية عشية الانهيار كان يبلغ حوالي 29 ألف قرض سكني، بمتوسط 247 مليون ليرة للقرض الواحد تعادل وقتها 164 ألف دولار. وعليه فإن كمية القروض السكنية المعطاة منذ بدء الانهيار لا تشكل 1 في المئة من العدد المعطى في سنوات ما قبل الانهيار، وتحديداً منذ العام 2015 ولغاية 2016. أما متوسط قيمة القرض فهي أقل بحوالي 40 في المئة من قيمة القرض المعطى سابقاً. الأمر الذي يتطلب استعادة الثقة سريعاً بالقطاع المصرفي، وإعادة تفعيل المؤسسة الوطنية للإسكان، وتعزيز موارد مصرف الإسكان، لتلبية حاجات المواطنين اللبنانيين.