لم يكد يمضي ثمانية أشهر على إدراج مجموعة العمل المالي (فاتف) لبنان على قائمتها الرمادية لتبييض الاموال وتمويل الارهاب، حتى لحقها الاتحاد الأوروبي بإدراج لبنان على "القائمة المالية السوداء".

اللائحتان تختلفان بالاسم فقط، وتتفقان في المضمون على ضرورة إخضاع لبنان للرقابة المتزايدة من أجل إصلاح أوجه القصور الأساسية في مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. ولا يعتبر التصنيف الجديد من الاتحاد الأوروبي تخفيضاً إضافياً لتصنيف لبنان، رغم أنه يحمل اسم اللائحة السوداء.

معايير متشابهة

على الرغم من عدم تطابق المعايير التي يعتمدها الاتحاد الأوروبي مع تلك المعتمدة من مجموعة العمل المالي، إلا "انها تبقى قريبة إلى حد بعيد"، بحسب العضو المستشار في لجنة الامتثال لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب في نقابة المحامين في بيروت المحامي كريم ضاهر. وفي حال نجاح لبنان في معالجة نقاط الضعف، وأوجه القصور الاساسية ولاسيما تلك المتعلقة بـ "تعزيز فهم المخاطر لدى الأعمال والمهن غير المالية المحددة، وتطبيق عقوبات فعالة ومتناسبة ورادعة في حالات انتهاك التزامات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.. وغيرها العديد من النقاط الأساسية المطلوبة من مجموعة العمل المالي، يخرج تلقائياً من قائمة الاتحاد الأوروبي السوداء. وذلك على غرار ما حصل مع الإمارات العربية المتحدة التي أزيلت في المراجعة الاخيرة للاتحاد الأوروبي عن القائمة السوداء، بعد حوالي عام وأربعة أشهر على إزالتها عن "القائمة الرمادية" الخاصة برقابة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب لمجموعة العمل المالي، نتيجة التزامها بخطة عمل لمعالجة أوجه القصور الاستراتيجية التي تم تحديدها، بسرعة ضمن الأطر الزمنية المتفق عليها.

النتائج المترتبة على التصنيف الجديد

ربّ قائل إن لبنان "الغارق حتى أذنيه"، بسوء التصنيفات الدولية، سواء تلك المتعلقة باللائحة الرمادية، أو التصنيف الائتماني من الوكالات العالمية، والمحجوب عنه المساعدات والقروض الدولية والعربية، والمحظور التعامل معه من بعض المصارف الأجنبية.. "لن يخشى بلل"، تصنيف الاتحاد الأوروبي الجديد. وفي هذا القول تسخيف كبير للمشاكل، وتبسيط لما قد ينتظر لبنان في المستقبل القريب. التصنيف الأوروبي الجديد سيؤدي إلى مواجهة لبنان تدقيقاً أكبر على التحويلات المالية، ويزيد من إمكانية استبعاده من بعض التمويلات الأوروبية، واتخاذ هذه الدول إجراءات وقائية إضافية ضد الشركات أو الأفراد المرتبطين به.

وأتى التطور المالي والقانوني الأخير بعد ساعات قليلة على اجتماع ممثلي الدول والمؤسسات المانحة مع رئيس الحكومة في السراي الحكومي للبحث في تفعيل المساعدات الخاصة بإعادة الاعمار، ومطالبة لبنان بمليارات الدولارات لدعم جهود التعافي الاقتصادي وتمويل النفقات الضرورية والأساسية. وهو الأمر الذي قد يدفع بالدول إلى إعادة النظر بوعودها، أو جدولتها، بأحسن الأحوال، إلى حين إثبات لبنان قدرته على معالجة المشاكل المشكو منها.

فراغ مالي مصاحب

في الوقت الذي يمر به لبنان بأدق مراحله النقدية والمالية، فرغت المناصب المالية الأساسية في مصرف لبنان، ولجنة الرقابة على المصارف، وهيئة الأسواق المالية، والقضاء المالي. بتاريخ 9 حزيران انتهت ولاية نواب الحاكم الأربعة، ورئيس وأعضاء لجنة الرقابة على المصارف، والخبراء الثلاث في هيئة الأسواق المالية، ومفوض الحكومة لدى مصرف لبنان، والمدعي العام المالي. وبحسب المتخصص في الرقابة القضائية على المصارف المركزية والاجهزة التابعة لها المحامي الدكتور باسكال ضاهر، فان شغور المناصب في المجلس المركزي سيؤثر سلبا على إمكانية اتخاذ القرارات. "ففي حين نجد أن المادة 30 من أحكام قانون النقد والتسليف قد أوجبت حضور الحاكم ومدير عام المالية والاقتصاد لإمكانية انعقاد اجتماعات المجلس المركزي، نجد أن المادة 31 أوجبت حضور عضو رابع بالاضافة إلى الثلاثة لتكوين صحة المذاكرة، وبالتالي فان عدم تعيين نواب الحاكم سيؤثر سلبا على سير عمل المجلس المركزي لمصرف لبنان، ولاسيما لجهة القيام بالواجبات المنوطة به بموجب أحكام المادة 33 من قانون النقد والتسليف".

أما بما يتصل بموضوع النيابة العامة المالية، فان "مبدأ استمرارية المرفق العام حال دون توقف سير هذا المرفق"، بحسب ضاهر "فالقاضي الأعلى درجة من بين المحامين العامين في النيابة العامة المالية وهي القاضية دورا الخازن، قد جرى تكليفها، وهي تقوم بتسيير أمر المرفق على أحسن وجه". إنما هذا الموضوع يطرح في منتهاه بحسب ضاهر "نقطة موبقات المحاصصة السياسية التي مازالت تعرقل التعيينات الاساسية للخروج إلى رحاب دولة القانون والمؤسسات".

المشكلة أن تأخير التعيينات في المراكز المالية لا يعود إلى نقص في خبرات الاشخاص المطروحين أو البحث عن الكفاءات المطلوبة، إنما للاختلاف على الحصص الموزعة طائفيا. وإذا كان من الممكن تجاوز هذه العقبة على صعيد تسمية نواب جدد للحاكم أو التجديد لبعضهم، فإن الخلاف الاكبر هو على اسم المدعي العام المالي الذي سيخلف القاضي علي ابراهيم، وهو خلال قد لا تنحصر مفاعيله بعرقلة التعيين، إنما قد يمتد إلى إحداث شرخ حكومي، ولاسيما مع إصرار وزير العدل عادل نصار على تسميته صاحب المركز الذي تشغله شخصية شيعية.

لبنان يغرق في بحر متلاطم من التصنيفات، التي يظهر أن اللون الرمادي أحلاها، وجوقة "التايتنك" السياسية مازالت تعزف أمام أنظار العالم لحن المحاصصة والتقاسم والاختلاف على الأسماء بدل الكفاءات وهو ما قد يطير كل الآمال بالانتقال إلى مرحلة جديدة من الإصلاحات التي استبشر بها اللبنانيون والعالم خيراً.