ناقشت اللجان النيابية المشتركة ثلاثة اقتراحات قوانين مقدّمة من تكتّلات "الجمهورية القوية"، و"لبنان القوي"، و"التنمية والتحرير"، تتعلّق بإنشاء كيانات "مستقلّة" لإدارة أصول الدولة وممتلكاتها، والتعويض في ما بعد على المودعين.

نظرة عامّة إلى الاقتراحات

تكتّل الجمهورية القوية التابع للقوات اللبنانية اقترح إنشاء "مؤسسة مستقلّة لإدارة أصول الدولة". ينطلق الاقتراح من أنّ أصول الدولة ذات الطابع التجاري والربحي أصبحت تحقّق خسائر وباتت عبئاً استثمارياً على الخزينة. وعليه، فإن إدارتها من قبل مؤسسة مستقلّة تُجنّب خصخصتها وتنمّي أرباحها. الأمر الذي يساعد على إطفاء جزء من ديون الدولة، تحديداً مصرف لبنان والحكومة اللبنانية، في مرحلة أولى، ثم تحقيق أرباح فائضة وقيمة مضافة لمصلحة الدولة والمودعين، في مرحلة لاحقة.

تكتّل التنمية والتحرير التابع لحركة أمل، قدّم "اقتراح قانون يرمي إلى حماية الودائع المصرفية المشروعة وإعادتها إلى أصحابها". فبعد التأكيد على "قدسية الودائع" بناء على الدستور والقوانين، وتحميل الدولة مسؤولية الخسائر، يقترح التكتل "إنشاء هيئة مستقلّة للمراقبة والإشراف على الأملاك العامّة والخاصّة للدولة وكيفية إدارتها واستثمارها وتحسين مداخيلها ورفع قيمتها السوقية. تشرف الهيئة على مزايدة عمومية عالمية لإدارة كلّ مرفق وفقاً لقانون الشراء العام. ومن ثم تصدر الحكومة سندات مالية طويلة الأجل مضمونة بجزء من إيرادات الدولة، وتودع المبالغ المحصّلة من بيع هذه السندات في حساب مخصص في مصرف لبنان لإعادة أموال المودعين. وتخصّص نسبة من أموال المزايدات لإطفاء خسائر الدولة في مصرف لبنان إذ إنها أصلاً للمودعين. ولم ينسَ الاقتراح اقتطاع جزء من عائدات النفط والغاز للتعويض على المودعين.

تكتّل لبنان القوي التابع للتيار الوطني الحر اقترح قانون "إنشاء الصندوق الائتماني لحفظ أصول الدولة وإدارتها"، وينصّ على تحويل مؤسسات وأصول محدّدة هي: "الكهرباء، المياه، الريجي، المرافئ والمطارات، الكازينو، الشركات المالية، اليسار، لينور، تلفزيون وإذاعة لبنان، المدن الرياضية والغولف، منشآت النفط، معرض رشيد كرامي"، إلى شركات مساهمة لبنانية تخضع لقواعد القانون الخاص وتحوّل ملكية جميع أسهمها للصندوق الائتماني المنشأ بموجب هذا القانون. ومن عائدات هذا الصندوق يخصّص 30 في المئة إلى مؤسسة ضمان الودائع. ويمكن من يرغب من المودعين طلب تسجيل وديعته (حتى 3 ملايين دولار) في سجّل الودائع الذي سيُنشأ لدى مؤسسة ضمان الودائع. فتشتري المؤسسة هذه الوديعة على مراحل، فيستعيد المودع وديعته وتحلّ المؤسسة مكان المودع في علاقته مع المصرف.

اقتراحات القوانين الثلاثة لإنشاء كيانات تجارية مستقلةّ لإدارة ممتلكات الدولة وأصولها، والتعويض لاحقاً على المودعين، تحمل ثلاث دلالات مباشرة:

- الأولى، مجاهرة أكبر ثلاثة تكتلات نيابية، تضم 53 نائباً يشكّلون 41 في المئة من أعضاء الهيئة العامة لمجلس 2022، بفقدان الثقة بالدولة لإدارة أصولها بكفاءة. وهذا ما يحول تالياً دون تعزيز إيراداتها وتقديم خدمات بجودة عالية وأسعار مقبولة إلى مواطنيها.

- الثانية، تحميل الدولة المسؤولية الأولى عن إضاعة الودائع، وإلزامها التعويض عن الخسائر المقدّرة بـ 72 مليار دولار. وذلك خلافاً لتوجهات الحكومة (أقرّت بخطة استعادة الانتظام المالي بتحمّل 2.5 مليار دولار فقط، لإعادة هيكلة "المركزي")، وعلى النقيض من تراتبية المسؤوليات والخسائر التي يشترطها صندوق النقد الدولي، والتي تنصّ على تجنيب استخدام الأصول العامّة في إطفاء الخسائر المصرفية، مع حماية صغار المودعين.

- الثالثة، تشجيع الحكومة النوّابَ على التقدّم بمثل هذه الاقتراحات، بعد تضمينها خطّتها لاستعادة الانتظام المالي صندوقاً ائتمانياً توضع فيه أصول المصارف والفائض المحقّق في الموازنات للمساعدة في التعويض على المودعين.

اللبنانيون يخسرون مرتين!

مقترحات القوانين من وجهة نظر المدير التنفيذي لشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية زياد عبد الصمد تسهم في "السعي إلى وضع اليد على أصول الدولة وممتلكاتها، التي هي فعلياً ملك كلّ الشعب اللبناني. فيكون اللبنانيون قد خسروا مرتين: المرة الأولى عندما فقدوا أموالهم في المصارف نتيجة الفساد والسرقة الموصوفة. والمرة الثانية عندما سيُسدّد قسم من أموال المودعين من خلال وضع اليد على ممتلكات الدولة". وبغضّ النّظر عن فشل الدولة الموصوف في إدارة مؤسساتها وتحويلها إلى ما يشبه "الخردة"، فإنّ المشكلة الأساسية في هذه المقترحات، التي قد تُجمع في النهاية بقانون واحد، هي أنّها "تسبق إقرار قوانين ملحّة ومهمّة مثل الكابيتال كونترول، ونزع السرية المصرفية، واتخاذ كلّ التدابير الضرورية لإعادة هيكلة المصارف ورسملتها"، بحسب عبد الصمد. "ساعد على ذلك أنّ لجنة الرقابة على المصارف التي كان من شأنها أن تشرف على كلّ هذه العملية تشكّلت في إطار المحاصصة والتنفيعات للأطراف السياسية المعنية، وبشكل خاص جمعية المصارف، فتعطّل دورها وأُحبطت قدرتها على حماية أموال المودعين".

الدولة فشلت في إدارة أصولها

في المقابل "لم تُبثت الدولة في أيّ مرحلة من المراحل قدرتها على إدارة أصولها بشكل فعّال ورابح، كما كان ينتظر منها في المراحل الطبيعية"، يقول رئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية الدكتور منير راشد. "وزادت الأمور سوءاً مع بدء الانهيار. علماً أنّ المسؤولية كانت تفرض عليها إصلاح القطاع العام وإعادة هيكلته لتخفيض النفقات وزيادة الإيرادات. وهذا ما لم يحصل ولن يحصل بسبب الفجوة الإدارية الهائلة في المؤسسات الأساسية الكبيرة مثل الكهرباء والمياه والاتصالات والأملاك العامة البحرية والطيران… والتدخلات السياسية الكبيرة التي تراعي المصالح الضيّقة في الصفقات والتعيينات، ولا تحرص على المال العام". فتحّولت هذه المؤسسات إلى خاسرة، "لا يمكن أن تربح إلّا إذا أدارها القطاع الخاص وفقاً لمعايير الحوكمة والشفافية"، يضيف راشد. "من دون أن يعني ذلك بيع هذه المرافق إنّما إصلاح إدارتها، وفقاً لمعايير الـ Corporatizationً (تحويل الأصول أو المؤسسات المملوكة للدولة إلى شركة، يكون لها مجلس إدارة ومساهمون). ومن ثم طرح أسهم كلّ شركة على حدة في بورصة بيروت وفق قواعد وضوابط معينة. فتحافظ الدولة على نسبة قد تصل إلى حدود 49 في المئة حدّاً أقصى، وترتفع إيراداتها تلقائياً نتيجة تحسّن العائدات، وتصطلح الإدارة ويتراجع تدخّل السياسيين. وقد طُبّق هذا النموذج في العديد من البلدان، ومنها الإفريقية بشكل أساسي".

وللمثال، فإنّ إدارة قطاع الطاقة وحده من قبل القطاع الخاص يوفّر على الدولة سنوياً نحو 3 مليارات دولار من التكاليف.وهذا يعني تحقيقها عائداً بالقيمة نفسها يوازي كلّ الإيرادات في موازنة 2024. وعلى غرار الكهرباء يمكن أن ندرج الاتصالات والمياه وبقية المؤسسات الخاسرة أو حتى الرابحة، إنّما بنسب لا يعتدّ بها مقارنةً بدورها، كالكازينو أو الريجي أو الطيران.

المقترحات تكرّس دور الدولة في الإدارة إنّما بطريقة مغايرة

يختلف ما يطرحه راشد عن مقترحات قوانين الكتل النيابية بشكل جوهري. فاقتراح إنشاء مؤسسة مستقلّة لإدارة أصول الدولة يتضمّن فجوات كبيرة، ولا يتوافق مع وضع لبنان، خلافاً لبعض النماذج المطبّقة بنجاح مثل البحرين. "فهذه المؤسسة ستتطلّب من جهة وقتاً طويلاً للتعرّف على أصول الدولة، وستترك جميع التعيينات في هيئة مؤلفة من أركان النظام، وعليه تعيد إثارة المخاوف من التعيينات السياسية. وستبقى الأمور تدار بالطريقة نفسها أي قطاع عام يدير قطاعاً عاماً مع المزيد من البيروقراطية. وعلى المنوال نفسه، فإنّ اقتراح إنشاء صندوق ائتماني لا يهدف إلى الخروج من الأزمة إنّما يعيد مركزية الإدارة أيضاً إلى مؤسسات القطاع العام، بهدف جمع المال، فيما الهدف وقف الخسائر.

مقترحا القوات والتيار حُوّلا إلى لجان فرعية للدرس بعدما سحبت التنمية والتحرير اقتراحها. وإلى حين خروجهما بالصيغة النهائية ستتبدّل الكثير من الأمور خصوصاً إذا جرى الاتفاق على توزيع الخسائر. ويبقى الأهمّ هو إيجاد الطريقة المناسبة لإدارة أصول الدولة وممتلكاتها بعيداً عن المركزية والاحتكار والإهدار والفساد.