في لبنان، ذكريات وآلام، وفي لبنان أحزانٌ وموتٌ مستمرٌ حتى الآن. لو تمّ طي صفحة الحرب الأهليّة واجتياحات الجيش الإسرائيلي، لا يمكن طي آلام المواطن والحزن على الأبرياء الذين لا يزالون يروونَ أرضَ جنوبِ لبنان بدمائهم. 

قبلَ عقود، عرفتِ النبطية امرأة تُشبهُ لبناناً حزيناً، هي الحاجة حسيبة هاشم، بصوتِها الشجي والمواويل والرثاء، سطّرتْ اسمَها في تاريخ جبل عامل.

ولِدَتْ حسيبة هاشم عام 1926، وتوفيت عامَ 1992، وحتى أيامها الأخيرة، ظلّت تظهرُ في المسيّرات الحسينيّة بالنبطية للمشاركةِ في رثاءِ "أهل البيت"، ضمن المراسم العاشورائيّة. وإلى جانب ذلك، ظهرت في فيلمين شهيرين بالسبعينيات، الأوّل "كلنا للوطن" (مارون بغدادي)، والثاني "مجزرة كفر قاسم" (برهان علوية)، وأدّتْ فيهما المواويل المُبكية.

الإمرأة التي ربّت ثمانية أبناء، وتعلمتْ قيادة السّيارة في الخمسين من عمرِها، تحوّلت لإسمٍ لا يُمحى في ذاكرةِ جزءٍ كبيرٍ ممَن عاصرَها من الجنوبيين.


ويرافقُ صوت الحاجة حسيبة ذكريات من الماضي البعيد: "شَك الدخان" و"البامية المعلّقة" وحجارة المنازل القديمة، وتجاعيد وجوهٍ كانت تبلغ الخمسين والستين، وتظهر عليها علامات الشيخوخة وكأنّها أكبرَ سناً، على أثر تعب الأيام وما كان يرافقها من سوءِ إدارة وحروب، ورغمَ ذلك يرتبطُ أهل الجنوب بصفات الطيبة والبساطة والعنفوان والقوّة والصّمود، وهو ما تجسّده "حسيبة" بصوتِها.



هذه الأيام، تستمرُ آلام أهل الجنوب، وكأنَ صوت الحاجة حسيبة يبقى مرافقاً مع تشييع "الشّباب"، وحاضراً مع نوستالجيا ماضٍ صارَ في طي الذّكريات، لكن يبقى الجنوب مفعماً بذكريات الأجداد، وطرقاته الوعرة، لا بدَ يوماً، أن تصبحَ سالكةً تماماً لكل محبّي الحياة.