أكثر ما كان لافتاً في جولة الخماسية لموسم ما بعد الأعياد أنّها بدأت خماسية ثم صارت رباعية لتنتهي ثلاثية، فيرتضي ثلاثة من سفرائها زيارة حزب الله في عقر داره في ضاحية بيروت الجنوبية، في حين يعتذر السفير السعودي وليد البخاري، والسفيرة الأميركية ليزا جونسون التي لم تزر أيضاً رئيس التيار الوطني الحر لكونه مشمولاً بالعقوبات المفروضة من بلادها.

تخضع زيارات السفراء لعلاقة دولهم بالأطراف السياسية، وقد تحول وجودهم في عداد اللجنة او الغياب عنها إلى رسائل مقصودة. أمس، حاول السفير المصري علاء موسى التقليل من أهمّية تغيّب بعض السفراء عن الجولات، معتبراً "أنّ غياب سفير أو اثنين عن الخماسية لا يغيّر في موقفها". لكنه لم يشرح بالمقابل ما هو موقف الخماسية وإلى ما تسعى دولها وما الطرح الرئاسي الذي ترتئيه مناسباً.

يُحسد السفير المصري على تفاؤله. هو الأكثر نشاطاً بين زملائه. لا يملّ التصريح أو التعبير عن فائض أمنياته، ويعلن عقب كلّ زيارة أو لقاء عن التوافق على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية. فرق بينه وبين زميله في الخماسية السفير السعودي وليد البخاري. الحاضر بكامل أناقته في البياضة حيث يُحجز له مقعد منفرد بمحاذاة مقعد رئيس التيار جبران باسيل. مقلّ في الكلام لمّاح يترك للّبيب أن يفهمه من الإشارة. لم تكن زيارته لباسيل مفاجئة. مواقف الأخير من الحرب في الجنوب ووحدة الساحات لافتة في نظر المملكة، فكيف إذا حضر اللقاء نائب الرئيس ناجي حايك.

السفير الذي توعّك سياسياً واعتذر عن زيارة المرشّح سليمان فرنجية كي لا يظهر بلاده طرفاً في الرئاسة، بدا في صحّة جيدة في البياضة. للزيارة دلالاتها المهمة خاصّة أنّها تأتي بعد تراكم جهود استمرت ما يقارب العام شارك خلالها باسيل في احتفال اليوم الوطني للمملكة.

وقع ضحية التوعّك السياسي النائب سامي الجميل الذي لم يزره البخاري أيضاً. إذ لا يعقل أن يعتذر عن زيارة فرنجية لأسباب صحّية وينضم في اليوم نفسه إلى زملائه في زيارتهم رئيس حزب الكتائب.

السفير الذي توعّك سياسياً واعتذر عن زيارة المرشّح سليمان فرنجية كي لا يظهر بلاده طرفاً في الرئاسة، بدا في صحّة جيدة في البياضة

هذا في الشكل. أمّا في المضمون فلم تخرج جولة السفراء، سواء تلك المكتملة النصاب أو المختصرة عن سياق المتوقع. يختصر مصدر نيابي نشاط الخماسية بالقول "مشكورة أنّها حاولت ولكن لا نتيجة". تتقاطع مصادر التيار مع الخماسية على اعتبار أنّ اجتماعهما اتسم بالإيجابية. استمعت اللجنة إلى تطلعات رئيس التيار ورؤيته إلى الاستحقاق والحوار الذي يدخله بلا شروط مسبقة من أيّ طرف. لم يطرح أيّ طرف أسماء لمرشّحين والبحث اقتصر على الثوابت.

ما تسعى إليه الخماسية، وفق ما أعلن السفير المصري، هو "فصل الأحداث في الجنوب عن الملف الرئاسي". يلتقي في تمنّيه هذا ورئيس التيار الوطني، لكن ماذا عن الطرف المعني مباشرة بالحرب ونذر لأجلها خيرة شبابه، أي حزب الله.

من البياضة إلى حارة حريك. هنا كانت زيارة الفصل التي يتوقّف عليها حسم المسار الرئاسي. تأخّرت اللجنة في الوصول في الموعد المحدّد. كان جو اللقاء أكثر جدية والتزاماً بعناوين مختصرة. على وقع صواريخ حزب الله باتجاه إسرائيل انعقد اجتماع الخماسية مع وفد حزب الله. سمعت الخماسية شرحاً من وفد الحزب لمسار الحرب جنوباً وأهمية الجبهة. البحث لم يتضمّن جديداً من وجهة نظر حزب الله. التقى الطرفان على ضرورة ملء الفراغ الرئاسي، وتمنّى حزب الله تفعيل الحوار دون أن يفوته التأكيد على دعم ترشيح سليمان فرنجية، ولذا فهو يقبل حواراً يترأسه بري ومن دون شروط مسبقة. وفي تفسير هذا الموقف رفضٌ لأيّ حوار لا يترأسه بري ورفض شرط سحب ترشيح فرنجية. وهذا يعني أن ليس ثمّة تقدم. ورغم ذلك وصف الجانبان لقاءهما بالجيد، ولو أنّ البحث خلاله لم يتطرّق إلى تفاصيل العناوين العريضة. ثلاثون دقيقة استعرض إبّانها الضيف والمضيف خطورة الفراغ ودقة الوضع. في الضاحية، لم يجد السفراء ما يقولونه مقابل تمسك حزب الله بثوابته. زيارة رفع عتب بالجملة، أمّا بالمفرّق فطريق السفير الفرنسي سالكة بزخم باتجاه حارة حريك، وزميله القطري ليس بعيداً عنها. والعلاقة مع المصري لا تزال في بداياتها.

لم تختلف حصيلة لقاءات الخماسية أمس عن حصيلة اليوم الذي سبقه. في الحالتين لم يخرج أفرادها من ممثّلي دول القرار بنتيجة يُركن إليها. فالبحث لم يتطرّق إلى الأسماء ولا إلى العقبات وسبل معالجتها، ولا حمل السفراء أجوبة عن تصور بلادهم للوضع في غزة ومصير الهدنة وأفق الحل في الإقليم، وهي الأجوبة التي يفترض أن توضح مسار الرئاسة في لبنان.

أصرّ السفير المصري على جلسة تقييم مع زملائه لحصيلة الجولات. ومطلع الأسبوع المقبل، ستعاود الخماسية زيارة رئيس المجلس لوضعه في خلاصة ما سمعته من مواقف. لن يسمع بري جديداً وهو، كما غيره ممن استقبلوا سفراء الدول، يعتبر حراكهم خطوة في الوقت الضائع، ريثما تتوضح الأجواء الإقليمية، وعلى سبيل إثبات حضور ودحض الكلام المتداول والذي لا يخلو من الصحة حول خلافات بين السفراء تعكس خلافات دولهم على مقاربة الملف الرئاسي في لبنان، ولا سيما التوتر السائد بين الولايات المتحدة وفرنسا، التي يستقبل رئيسها ايمانويل ماكرون رئيس حكومة لبنان وقائد الجيش في محاولة جديدة للعب دور بات متعذّراً لتراجع حضور فرنسا وموقعها على خارطة التطورات الميدانية في الجنوب اللبناني وغزة.