لا تنحصر معاناة دول العالم الثالث عموماً، ولبنان خصوصاً، بالاستيراد المكثّف لأحدث المنتجات التقنية بهدف التفاخر، إنّما تمتدّ إلى الأفكار أيضاً. بمعزلٍ عن قياس تأثيرها، وبعيداً عن أيّ ضوابط، استورد لبنان خلال السنوات الأخيرة فكرتين ثوريتين، هما: Airbnb وUber. الفكرتان عبارة عن تطبيقين ألكترونيين عابرين للقارات. الأول يربط المسافرين بالمضيفين المحلّيين، والثاني يسهّل تنقلاتهم. ويتشارك التطبيقان في سهولة الاستعمال وانخفاض الأسعار بشكل كبير مقارنة بالإقامة التقليدية في الفنادق، واستعمال سيارات الأجرة.

قبل أيام دعا النائب هاكوب ترزيان اللجان النيابية والوزارات المعنية إلى "تدارك خطر Airbnb، وإيجاد الحلول المناسبة لتنظيمه". وعرض النائب في بيان، مخاوفه من تأثير هذا التطبيق على الفنادق وتوسّع السوق الموازية في كلّ القطاعات، لا سيما قطاع السياحة. وتراجع واردات الدولة. ناهيك بالخطورة الأمنية في هذه الظروف الهشّة التي تمر فيها عاصمتنا بيروت وجميع المناطق. وقبل ذلك رفعت نقابات السائقين العموميين الصوت لمكافحة تطبيقات النقل الأكترونية، لكونها مخالفة للقانون أولاً، وثانياً لتأثيرها الكبير على عملهم، واستفادتها من عدم تسديد الضرائب والرسوم لتقديم أسعار أدنى بكثير.

ما هو الـ Airbnb

يحوّل تطبيق Airbnb أي منزل أو وحدة سكنية مستقلّة أو مُتشاركة إلى غرفة فندقية. ويكفي أن يكون لدى صاحب المسكن الرغبة في زيادة مدخوله كي يشترك في التطبيق على الأنترنت، ويعرض ما لديه لاستقبال الزبائن. أساساً هكذا ولدت الفكرة في العام 2007 حين توجّه براين شيسكي وجو غيبيا إلى سان فرانسيسكو لحضور مؤتمر التصميم الدولي الذي عُقد في المدينة في تلك الفترة. وبسبب نفاد الأماكن وارتفاع الأسعار، عرضا إيجار فرشة هوائية airbad، والفطور breakfast في مسكنهما. فأثبتت الفكرة نجاحها وانطلقا في تطبيق airbedandbreakfast بشكل محترف. إذ تحول التطبيق في العام 2017 إلى شركة ضخمة، قيمتها نحو 30 مليار دولار، وواحدة من أهمّ الشركات العملاقة في وادي السيليكون.

واقع تطبيقات الحجوزات في لبنان

التطبيق انتشر في لبنان خلال السنوات الأخيرة على نطاق واسع، حتّى أنّه لم يعد بالإمكان احتساب عدد الأشخاص الذين يعملون عليه بشكل محترف أو هاوٍ"، يقول سيزار محمود، وهو صاحب مشروع سياحي بيئي زراعي في منطقة الشوف. "يكفي أن نعرف أنّه في قرية الباروك وحدها، حيث يقع مشروعنا، أكثر من 50 شخصاً يعملون على التطبيق". وهو ما يشكّل سيفاً ذا حدين، فمن جهة يجذب هذا التطبيق السياح، ولا سيما الأجانب منهم، ويعرّفهم على المناطق الريفية بعيداً عن أماكن الجذب التقليدية. وهذا ما يرفع مداخيل الأسر والعائلات، ويسهم في تنشيط المرافق الزراعية والسياحية والصناعية ويساعد على صمود الأهالي في مناطقهم. إلّا أنّه من الجهة الثانية يسيء في الكثير من الأحيان إلى سمعة المنطقة كلها إذا كانت التجربة سيئة. خصوصاً أنّه جرى ربط هذا التطبيق مع بيوت الضيافة، وأصبح وسيلة تسويق لها. وإذا أتى التقييم المتاح وضعه على التطبيق نفسه، لمكان السكن، رديئاً، فسينعكس ذلك حتماً على بقية المرافق المنتشرة في المنطقة مهما كانت تجهد لتقديم خدمات مميزة. وهذا ما يتطلّب من وجهة نظر محمود "وضع معايير في تطبيق الخدمات لا تتعلق بالمأكل والمشرب فحسب، إنّما أيضاً بالأمان وجودة الغذاء وبقية التأمينات الأساسية، وصورة المناطق".

العمل على تطوير القطاع السياحي ومواكبته للحداثة العالمية "يفرض التشجيع على الحجوزات عن بعد (online)" برأي مدير محمية أرز الشوف، نزار هاني. وتطبيق الـ Airbnb واحدة من هذه الوسائل المعتمدة بشكل أساسي على الصعيد العالمي. وهو يجذب السياح بشكل كبير نظراً إلى التجارب الجديدة والمنوّعة التي يوفرها بكلفة أقلّ من الفنادق التقليدية. ولذا هو يشكّل منافساً حقيقياً للفنادق.

منافسة الفنادق

مشكلة الفنادق مع تطبيقات الحجز تتمحور حول التفلّت الكبير الذي يرافق العمل عليها. فمن يضعون مساكنهم بيوت ضيافة في خدمة السياح، "لا يملكون رخصة تقديم خدمات سياحية، ولا يسدّدون الضرائب، ولا يملكون رقماً مالياً، وهذا ما يساعد على وضع تعرفات مخفّضة تنافس الفنادق والمؤسسات السياحية بشكل غير مشروع"، يقول الأمين العام للمؤسسات السياحية البحرية فؤاد فرنجية. "كما أنّ بيوت الضيافة والمساكن المؤجّرة على التطبيقات الالكترونية لا تصرّح عن النزلاء للأمن العام كما تفعل الفنادق. وهو ما يشكّل تهديداً للأمن، ولإمكان استعمالها من قبل مشبوهين أو بطريقة مشبوهة". و"نحن في منطقة البترون نلمس هذا الواقع لمس اليد"، يضيف فرنجية، "حيث تنتشر بيوت الضيافة وتنافس المؤسسات الكبيرة. فعلى عكس الفنادق، تستفيد بيوت الضيافة من عدم تسديد الضرائب والرسوم، وغياب التأمينات، وانخفاض أعداد الموظفين، وفقدان الخدمة والحماية، والالتزام بمعايير الجودة في المأكل والمشرب والمسابح، وبقية الخدمات اللوجتسية... فتضع تعرفات مخفّضة ومنافِسة للمؤسسات السياحية القائمة".

وضع الضوابط ممكن

مشكلة تطبيق Airbnb في لبنان هي استعماله بطريقة خاطئة لكونه دمج مع بيوت الضيافة. فأُبعد عن جوهره واستخدم للتسويق للأخيرة، "وهذا خطأ"، برأي سيزار محمود. وإن كان من الصعب وغير الضروري ضبط التطبيقات الألكترونية فمن الواجب ضبط بيوت الضيافة من خلال ثلاث جهات رئيسية هي:

- البلديات التي تعتبر سلطات لا مركزية مسؤولة عن الأمن والأمان وتطوير المجتمعات اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً.

- المحميات المنتشرة في لبنان والتي تحوز ثقة المجتمعات المحلية، وتعمل جاهدة على تطوير السياحة المستدامة ودعم محيطها الحيوي.

DMO’S - destination management organization وهو جهاز تنظيمي يُنشأ بكل الأقضية في لبنان. وقد يكون شركة خاصة تبغي الربح، أو مؤسسة أو جمعية لا تبغي الربح تعمل مع السلطات المحلّية على تنظيم العملية السياحة. ابتداء بوضع السياسات الضمنية التي تتلاءم مع بيئة كلّ منطقة، مروراً بالتدريبات الضرورية، وصولاً إلى مراقبة جودة الخدمات ووضع السياسات الضمنية. وذلك من أجل المحافظة على النظام البيئي، وطبيعة المنطقة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وكيلا يحرفها الانفتاح على التطبيقات إلى مسار يمسّ صورتها ويعرّضها وسكانها للأذى.

على غرار تطبيق Airbnb تنتشر تطبيقات النقل، وأبرزها Bolt و Uber وغيرها. مشكلة السائقين معها أنّها تعمل بلوحة خاصة وليست لوحة عمومية. وذلك خلافاً للمادة 154 من قانون 243 للسير الذي نصّ على اعتماد اللون الأبيض للمركبات الخاصة واللون الأحمر للعمومية. فالأخيرة تدفع رسوماً للدولة وتلتزم "نظرياً" شروط السلامة العامة، والتأمينات الضرورية للتعويض عن الأضرار في حال وقوع حوادث. وهذه الشروط كلّها غير متوافرة في التطبيقات الالكترونية، التي لم ينحصر عملها في نقل الركاب بالسيارات إنما امتدّ إلى الدراجات النارية والتوك توك. ومن هنا يطالب السائقون العموميون أن تكون سيارات التطبيقات بلوحات حُمر وتعتمد سائقين مرخّصين.

ككلّ الميادين، يمكن "اليد الخفية" للاقتصاد أن تكون الحلّ لتنظيم طرق العمل الجديدة. فإن استطاعت التطبيقات الألكترونية جذب السياح وتقديم الخدمات بكفاءة عالية، بالاستناد إلى نوع من المسؤولية العامة والمناطقية، فستجلب الازدهار والسعادة إلى الاقتصاد. وستجبر المؤسسات الكبيرة على إيجاد الطرق لتخفيض تكاليفها الانتاجية والعمل على جذب أنواع جديدة من السياحة والسياح، والكف عن تقاسم ذوي الدخل المحدود والذين لا يريدون إنفاق الكثير من الاموال. وبهذه الطريقة يكون الجميع رابحاً، واستتباعاً الاقتصاد.