قبيل الأعياد بأسبوعين، يغادر سفراء الخماسية المصري والسعودي والقطري إلى بلادهم لتمضية إجازة تستمرّ ما يزيد على أسبوعين. فترة توحي أنّ أفق البحث الرئاسي مسدود، ومغادرتهم تعني أن لا جديد يستحقّ البقاء لإنضاجه سريعاً. سيقدم كلّ منهم تقريراً عن جولته على المسؤولين مع أنّها لم تُستكمل بعد. غياب لأسابيع ثم يعاود أعضاء اللجنة زياراتهم التي ستشمل للمرة الأولى رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، باستثناء السفيرة الأميركية التي لن تكون معهم أيضاً في زيارتهم المرتقبة إلى رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.

في التقييم الأولي لحصيلة جولتها لم تخرج اللجنة الخماسية باستنتاج واضح. مع رئيس مجلس النواب نبيه بري كانت البداية. بحنكته استقبلهم بعرض مسهب عن أزمة الرئاسة والحوار، وبدل أن يقترحوا عليه سبقهم إلى اقتراح حوار يسبق تحديد جلسة انتخاب رئاسية. طلبوا أن تكون الجلسة مفتوحة إلى أن يتم انتخاب الرئيس، فأقنعهم أنّ الأجدى عقد جلسات انتخاب متتالية بحيث تُختم كلّ جلسة بمحضر ثم تُحدّد جلسة ثانية أو ثالثة. وهكذا دواليك. قال بري بعد اللقاء "إنّ الموقف كان موحّداً والاجتماع كان مفيداً وواعداً". لم يقطع برّي وعداً للخماسية بالانسحاب هو وحزب الله من ترشيح سليمان فرنجية، لكنّ اللجنة لمست منه تجاوباً بشأن المرشح الثالث، بحسب ما قالت مصادر ديبلوماسية.

الإيجابية التي سادت في عين التينة سرعان ما تلاشت بعد وصولهم إلى معراب. أقفل رئيس حزب القوات سمير جعجع الباب على أيّ حوار مع محور المقاومة، معتبراً "أنّ المشكلة هي لدى محور الممانعة لأنّه لا يريد انتخابات أو يريدها على قياسه". موجهاً إلى الخماسية نصيحة خلاصتها أن جوهر المشكلة هو محور الممانعة وعليهم البحث هناك". وهذا ما خلّف انطباعاً لدى أوساط سياسية مواكبة مفاده أنّ جعجع لا يريد انتخابات رئاسية في الظروف الحالية. يريد انتظار نتائج الحرب على غزّة، فإمّا يخرج محور المقاومة مهزوماً، فيكون للمعارضة أن تسمّي الرئيس، وإما أن ينتصر وحينذاك لا بدّ من التسوية على مرشّح يكون مناصفة بين محور الممانعة والمعارضة.

تؤكّد مصادر مواكبة لعمل الخماسية أنّ جولتها الأخيرة، كما الجولات السابقة، لم تخرج بجديد إذ رفض بري الدخول في تسمية مرشّح ثالث ترى الخماسية أنّ من الأهمية بمكان الاتفاق عليه قبل التوصل إلى هدنة للحرب على غزّة. ما تصبو إليه الخماسية هو انتخاب رئيس للجمهورية يؤمّن تطبيق بنود التسوية بعد الهدنة مباشرة.

فرنسا التي تقدّمت بورقة عمل لتطبيق القرار 1701 وانتخاب رئيس للجمهورية تتأهّب لجولة زيارات مكّوكية بين لبنان وإسرائيل للسعي إلى تطبيقها بعدما اعتبرت أنّ ردّ لبنان على ورقتها بمنزلة وثيقة يمكن التفاهم بشأنها مع إسرائيل. لكن الموضوع مرتبط بالهدنة في غزّة. لذا تستبعد مصادر سياسية زيارة قريبة للموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان إلى لبنان، حيث اقتنعت فرنسا أنّ زيارته قبيل التوصل إلى هدنة لن تؤدّي الغرض المطلوب. أمّا الأميركي فيسجّل له حراكه ضمن الخماسية وحماسته التي فاقت المرّات السابقة حيال انتخابات الرئاسة.

تنقل مصادر سياسية أن الخماسية سعت إلى طرح السؤال عن المرشّح الثالث وقالت إنّ بحثها في هذا الشأن سيُستأنف بُعيْد عطلة الأعياد مباشرة ريثما تكون الاتصالات الداخلية قد نضجت. وعندئذ يكون قد اتّضح مسار مفاوضات الهدنة في غزّة. وفي ضوئها يمكن استكمال التشاور بشأن جلسات الإنتخاب.

في موازاة ذلك، قالت مصادر سياسية مواكبة لمفاوضات حماس مع إسرائيل أن لا شيء محسوماً إلى الآن. الهدنة لم تنضج بعد. إسرائيل لا تستعجل قبل أن تحقّق انتصاراً، ولفتت إلى أن الوضع في لبنان، كما في العراق والمنطقة بأسرها، متوقّف على مفاوضات الهدنة. مشيرةً إلى أن الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين حاول ترسيم الحدود على مراحل مع لبنان، وسعى إلى حلّ منفرد مع بيروت، لكنّه جمّد مبادرته حتى أُبلغ باستحالة البحث قبل وقف الحرب في غزّة.

صورة الخماسية لم تكتمل بعد. ما سمعته من البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي ومن الرئيس بري والرئيس ميشال عون لم يلغ حاجتها إلى الاستماع إلى أطراف آخرين، من بينهم حزب الله والتيار الوطني الحر.

تحاول الخماسية أن تشتري الوقت وتراهن عليه لترى المتغيّرات التي تشهدها المنطقة، وكيف سينعكس الانفتاح بين السعودية وإيران على الملف اللبناني، وأبعاد زيارة رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا إلى الإمارات العربية المتحدة ومصير الهدنة في محادثات قطر، وفي ضوئها يمكن أن تعاود تحرّكها. أهمّ لقاءين كانا مع التيار وحزب الله. وبذلك تكون الخماسية قد كوّنت صورة واضحة عن تصورات الكتل للحلّ قبل أن تقترح إطاراً جديداً، وإلّا رُحّل الاستحقاق إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية في أميركا.