القمر "هلّ هلالو" واستقبل لبنان الأسبوع الأوّل من شهر رمضان المبارك، بزينة، وفرح، ونشاطات متنوّعة، ولو أنّها خجولة مقارنة بالسنوات الماضية، بعدما ألقت الأزمة الاقتصادية والأمنية بظلالها على جميع القطاعات.  

عادت الفوانيس إلى الشوارع، ومعها الإضاءة والرموز، وتأهبت الجمعيات للوقوف إلى جانب الفقراء، لمساعدتهم على الصمود في الشهر الفضيل. فالأسعار "نار"، والغلاء ضرب السلع كلها وعلى رأسها الخضر والفاكهة.  

ارتفاع في أسعار الخضر 

فطبق الفتوش وحده ارتفعت كلفته من 4,250 ليرة في الـ2020، إلى 174,127 ليرة، في الـ2023، فـ 287,970 ليرة، في الـ2024، أي بارتفاع عن العام الماضي مقداره 113,843 ليرة ونسبته 65%، بحسب أرقام الدولية للمعلومات. 

وفي حال احتساب سعر الكلفة وفقاً لسعر صرف الدولار في السوق السوداء حينذاك واليوم، نتبيّن أنّه كان يبلغ نحو 1.58 دولار (وصل سعر صرف الدولار في 22-3-2023 إلى 110 آلاف ليرة) وارتفع اليوم إلى 3.2 دولار (مع سعر صرف الدولار 89,500 ليرة) أي بارتفاع  102%. أي أن نسبة الارتفاع بالدولار تجاوزت نسبة الارتفاع بالليرة اللبنانية. 

وفي يوم الصوم الأوّل، تبيّن للدولية للمعلومات أن أسعار الخضر والمواد التي تدخل في تحضير طبق الفتوش لـ 5 أفراد قد ارتفعت، الإثنين في 11 آذار 2024، بنسبة كبيرة عن يوم الإثنين 4 آذار 2024، أي قبل أسبوع واحد. فقد ارتفع سعر الحامض  100%، من 35 ألف ليرة إلى 70 ألفاً، والخس بنسبة 33.3%، من 75 ألف ليرة إلى 100 ألفاً، في حين ارتفع سعر الخيار بنسبة 43%، من 70 ألف ليرة إلى 100 ألف. 

أمّا الحشائش، فأخذت هي أيضاً نصيبها من الغلاء، إذ ارتفعت باقة البقدونس ضعفي سعرها من 20 ألفاً إلى 40 ألفاً، وكذلك النعناع والفجل والبصل الأخضر. 

التجار يشتكون 

ولارتفاع الأسعار أسباب عديدة، يشرحها نقيب المزارعين إبراهيم ترشيشي، لـ "الصفا نيوز" ويذكر "تزامن صوم المسيحيين وصوم المسلمين، وبالتالي زيادة الطلب على الخضر من جهة، ومن جهة ثانية تهافت الناس يوم الأحد على الأسواق، قبل بدء شهر رمضان بيوم واحد، وهذا ما أدّى إلى ارتفاع الطلب على حساب محدودية العرض، وهذه الأٍسعار لم ترتفع سوى يوم واحد إذ وصل كيلو الخيار إلى 125 ألف ليرة والبندورة إلى 80 ألفاً. أمّا اليوم فسعر كيلو البندورة والخيار أقلّ من 50 ألفاً". 

واعتبر ترشيشي أيضاً أنّ "أسعار الخضر في أسواق الجملة والدكاكين لم ترتفع، فالـ100 ربطة بقدونس تباع بـ100 ألف ليرة، ومثل البقدونس، الفجل والملفوف والقرنبيط، والبندورة، فكيلو الملفوف يباع بـ15 ألف ليرة، أي أنّه لا يعود بثمن الكلفة على المزارع حتى، والخس بـ40 ألف ليرة وهو لا يستورد من الخارج لأنّه يفسد. أمّا الحامض فيباع بـ50 ألفًا، والبرتقال بـ20 ألفاً". 

أمّا السبب الكامن وراء شكاوى التجار في الأسواق من تدني أسعار السلع، فيعود برأيه إلى "تراجع القدرة الشرائية نتيجة الأزمة الاقتصادية والخوف من الحرب ما يجعل الناس تخبئ أموالها وتقتصد في مشترياتها". 

أنشطة المديرية العامة للأوقاف الاسلامية 

إمام مسجد العثمان - بحمدون، الشيخ إبراهيم الحصري

 وعلى الرّغم من كل ّالظروف الصعبة التي يمر ّبها البلد، يتمسّك المواطنون بعاداتهم وتقاليدهم، خصوصاً في هذا الشهر الفضيل، مع إصرار الجهات الدينية على إحياء الأنشطة الرمضانية، وهو ما يؤكّده إمام مسجد العثمان - بحمدون، الشيخ إبراهيم الحصري، لـ "الصفا نيوز"، مضيفاً "‎مما لا شكّ فيه أنّ الله فضّل في الأزمنة شهر رمضان على سائر الشهور، واختص هذا الشهر بفضائل عظيمة ومزايا كبيرة، فهو الشهر الذي أنزل الله فيه القرآن، وهو شهر فرض الله صيامه، وشهر التوبة والمغفرة، وتكفير الذنوب والسيئات، وهو شهر فيه ليلة القدر، التي جعل الله العمل فيها خيراً من العمل في ألف شهر، والمحروم من حُرِم خيرها، ونظراً إلى هذه الفضائل الجمّة، والمزايا العظيمة التي يتمتع بها هذا الشهر المبارك، كان لزاماً أن تُقام النشاطات الدينية في المساجد - بتوجيه من المديرية العامة للأوقاف الاسلامية- وتصنيفها وفق فئات عمرية. القسم الأول يُعنى بالأطفال فتقام لهم المسابقات الرمضانية وتوزع عليهم الجوائز التحفيزية لحثهم على الصيام وارتياد المساجد، كما تُقام لهؤلاء الاطفال حلقات لتحفيظ القرآن الكريم بإشراف أئمة المساجد. اما القسم الثاني فيُعنى بالبالغين فتُقام الدروس الدينية والمواعظ الاخلاقية بعد كلّ صلاة وعلى مدار اليوم ،كما تقام الإفطارات والموائد الرمضانية التي تبعث في النفوس روح الألفة والأخوّة والتعاون. القسم الثالث يعنى بالفقراء والمحتاجين والأرامل والايتام، فتقدم لهم حصص غذائية ووجبات ساخنة، فرمضان شهر الخير والعطف على المسكين المحتاج".  

وشدد على أنّ "هذه الأعمال لا يمكن أنّ تتحقق من دون جهود الجمعيات والهيئات التي تسعى جاهدة لإنجاح هذه المشاريع من خلال المساعدة والوقوف إلى جانب المساجد، ومساهمتها الفعّالة في إظهار العادات والتقاليد التي يحرص عليها المسلمون من خلال تزيين الشوارع وتأمين الكوادر البشرية المتطوعة في هذا الصدد". 

تقاليد "البيارتة" في رمضان 

كما أنّ لشهر رمضان المبارك عاداته الخاصة وتقاليد دينية واجتماعية وثقافية مختلفة، بحسب الحصري، "وهذا ما ينطبق على بيروت التي ترتدي شوارعها وساحاتها العامة ثوباً من الزينة بمناسبة حلول الشهر الفضيل. ومن أبرز العادات "سيبانة رمضان" وهي من التقاليد الرمضانية الشائعة في بيروت، ويذهب خلالها البيارتة إلى شاطئ المدينة في اليوم الأخير من شهر شعبان، وقبل يوم واحد من بداية شهر رمضان المبارك، احتفالاً بحلول هذا الشهر الفضيل، وكثيراً ما تتضمّن "سيبانة رمضان" تناول العديد من الأطعمة والحلويات المحلية الشهية، استعداداً لشهر الصوم. ومن التراث "مدفع رمضان" وهو التقليد الذي بدأ في بيروت مع الوالي العثماني إبراهيم باشا لضبط مواقيت الإفطار والإمساك، إضافة إلى قذفه 21 طلقة مدفعية إعلاناً عن حلول شهر رمضان عند ثبات رؤية الهلال". 

دور الجمعيات في رمضان 

وأثبتت الجمعيات حضورها ودورها في احتضان العائلات الفقيرة والمحتاجة، في شهر رمضان المبارك، ومنها جمعية "جماعة عباد الرحمن"، التي قالت مسؤولة العلاقات العامّة المحلّية فيها، الدكتورة نسرين مشاقة لـ"الصفا نيوز": "كما جرت العادة في كلّ عام، تحضّر جمعيتنا مجموعة من المشاريع تنطوي جميعها تحت برنامج "مفاتيح الريان" الخاص بالشهر الفضيل". 

ومن هذه المشاريع تذكر "مشروع إطعام مسكين، إذ تقدّم الجمعية وجبة مطبوخة للعائلات المسجّلة لديها في قسم المساعدات، تكفيها للإفطار والسحور، ويستفيد من هذا المشروع قرابة 3500 عائلة في جبل لبنان وبيروت. أي حوالى الـ 160 أسرة كلّ يوم". 

والمشروع الثاني، تتابع مشاقة "هو إطعام سائل، ويحصل كلّ شخص يطلب وجبات في رمضان، على وجبة أرزّ بلحم مع بازيلا وجزر، وتوزّع الجمعية هذه الوجبات على كلّ من يسأل من دون تمييز بين الجنسيات والأديان. والتوزيع لا يقتصر على مركزنا، بل تتعاون الجمعية مع حوالى 40 مسجداً، بعد أن يتقدموا بالطلب، ويجري تنظيم الصفوف عبر إعطاء بطاقات، ويتمّ تأمين الوجبات من ثلاثة أيام في الأسبوع لكلّ أسرة حسب عدد أفرادها". 



وأضافت "أمّا المشروع الثالث فهو مشروع كسوة العيد، وهو مخصّص لأولاد الأسر المسجّلة لدينا، من عمر الـ 12 سنة وما دون، فيتمّ تأمين كسوة لكلّ طفل (طقم كامل للعيد) من منتصف رمضان وطوال 10 أيام، ونشترط أن يأتي الولد برفقة أهله، ويختار بنفسه قطعته. كما نقدّم ما توفّر من تبرّعات عينية كإكسسوارات وأحذية. ويستفيد من هذا المشروع حوالى الـ1500 طفل. أمّا عدد العائلات المسجّلة في لبنان لدى الجمعية فيبلغ قرابة الـ4000 أسرة من مختلف المحافظات. فضلاً عن المستفيدين المسجلين بصندوق الزكاة". 

ومشروعنا الرابع، تكمل مشاقة، "هو مشروع إفطار يتيم مع هدية. يذكر أن الجمعية تتعاون مع ثماني دور للأيتام في بيروت وخارجها، وهذا العام سننظم عشرة إفطارات. ويتضمّن المشروع نشاطات ترفيهية قبل الإفطار، والإفطار والتحلية، فضلاً عن أكياس فاكهة وحلويات وهدايا للأطفال. ومشروع إفطار يتيم هو الأحبّ إلى قلوب الأطفال، الذين ينتظرونه من عام إلى آخر. كما تكفل الجمعية 350 طفلاً يتيماً مع أسرهم، وهم يستفيدون من البرنامج نفسه". 



وأخيراً، يأتي مشروع صدقة الفطر قبل العيد، تشرح مشاقة، "تتبرع الأيادي البيضاء بالمال إلى الجمعية، ونحن نوزّع حصصاً غذائية للعائلات المسجلة، وإذا فاضت كميات الحصص نرسلها إلى مراكز الأوقاف وصناديق الزكاة ويستفيد من هذا المشروع قرابة 3000 عائلة". 

إنّه شهر رمضان شهر الخير في لبنان برغم التحديات والأزمات على أمل أن يحل في العام المقبل، وقد تغيرت أحوالنا إلى الأفضل.