"المشاركة في السياسة المحلية في لبنان: التحديات والفرص" قد يكون عنواناً عريضاً لموضوع تحتاج معالجته الدخول في أسس الدولة، وتركيبتها، والعوامل الرئيسية لقيامها، وهو ما حاولت المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية (DRI) مناقشته في ندوة دعت إليها تضمّنت 4 جلسات استمرّت لمدّة 5 ساعات، تناولت كلّ جلسة فيها عنواناً، قد يكون ركيزة أساسية من ركائز النّهوض بالدولة، فالأخيرة وبحسب ما انتهت إليه الجلسات تحتاج إلى نظام حديث، وقوانين متطوّرة وآلية شفافة للمحاسبة والمراقبة، بالإضافة إلى وعي سياسي ودور إعلامي فعّال، فضلا عن مشاركة النساء والشباب في العمل السياسي.

النساء والشباب – الإعلام - الاستدامة

وفي هذا الإطار رأى رئيس فرع لبنان في المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية (DRI)، د. أندريه سليمان، في حديثه لموقع "الصفا نيوز" أنّ "الاعلام هو الركيزة الأساسية للديمقراطية الفعلية، ونحن في DRI نتعاطى بجميع العوامل الكفيلة لحفظ الديمقراطية وتفعيلها، والإعلام يعتبر أداة مهمّة لنشر الوعي والمساءلة وحفظ المعلومات وإيصال الخطاب الديمقراطي المرتكز على معلومات حقيقية غير موجّهة. ونحن نعمل مع إعلاميين جدد لتطوير معرفتهم، وشقّ طريقهم في المجال الإعلامي الذي عادة ما يكون له اعتبارات سياسية، فالإعلام مرتبط بالنظام السياسي فمصالح الأحزاب هي الطاغية للأسف في الخطاب الإعلامي، ونحن نسعى لأن تكون أفكار الإنماء والخدمات المستدامة والتطوّر المجتمعي من أولويات وسائل الإعلام ونساعد الصحافيين على التعرّف على مواضيع جديدة واكتساب تجربة على الأرض والحديث بصوت حرّ وجديد، وإعطاء الأولوية لمواضيع التنمية المستدامة ومشاركة النساء والشباب في العمل السياسي وغيرها من المواضيع التي لا يغطّيها كفاية الإعلام التقليدي أو ليست ضمن أولوياته".

وكانت الجلستان الثانية والثالثة ناقشتا المبادرات المجتمعية المحلّية، وتعزيز المشاركة في الحكم المحلّي، وعليه أكّد سليمان أنّ "الشباب وعلى الرّغم من كلّ الظروف الصعبة المحيطة بهم، يتجاوبون مع ورشات العمل والتدريب التي تنظّمها المؤسسة، وهدفنا إعادة الأمل والخروج من فكرة الأفق المسدود، وتأهيل جيل شبابي يؤمن بمبادئ الديمقراطية وقيمها ويعمل على تطبيقها على أرض الواقع، في مناطقهم ومن هنا جاءت فكرة مجالس البلدية الشبابية في المناطق، والتي يعرض من خلالها الشباب حلولاً للمشاكل التي تعاني منها مناطقهم. وبناء على هذه المشاكل والحلول المعروضة تتعاون DRI مع جمعيات أخرى وبلديات لتأمين حلول مستدامة لهذه المشاكل في المناطق، ومنها مشاريع الطاقة الشمسية، وتركيب الإنارة للشوارع، وهنا تأتي أهمّية التعاون بين البلديات والجمعيات، حيث تحدّد الأولى الحاجات والأولويات وتلبّي الثانية هذه الحاجات".   

كما أشار سليمان إلى أنّه "للدور النسائي أهمّية كبيرة في العمل السياسي وضمان الشفافية والديمقراطية، وتطبيق مبادئ الاستدامة"، منتقداً "النّسبة الضئيلة لمشاركة النساء في العمل البلدي والتي لا تتعدّى الـ 5% من أعضاء البلديات والـ6% من أعضاء المجلس النيابي، فيما السياسات والمشاريع الإنمائية والخدمات لا يمكن السير بها إذا ما كان دور نصف المجتمع مغيّب في العمل السياسي، لذلك نسعى إلى دفع مشاركة النساء في العمل السياسي بدءاً من البلديات ووصولاً إلى المجلس النيابي والحكومة".

الإعلاميون سفراء التغيير

وتناول عنوان الجلسة الأولى: "شبان وشابات لبنان: سفراء التغيير"، حيث تمّ تسليط الضوء على أهمية مشاركة الشباب في العمل السياسي والدور الذي يلعبونه في عمليّة التغيير، إلى جانب دور وسائل الاعلام في معالجة مواضيع التنمية المستدامة وطرح العمل السياسي بمفهوم شبابي جديد. ولهذه الغاية، عرضت DRI فيديو عن برنامج "نفس جديد"، والذي اهتمّ بتدريب عدد من الصحافيين تخرّجوا حديثاً، من خلال تزويدهم بالمعلومات الكافية عن أهداف الاستدامة، والقوانين والنظام في لبنان. وقد أشرف على تدريب هؤلاء الخرّيجين، عدد من الصحافيين المخضرمين وعلى رأسهم الإعلامي يزبك وهبه. والذي بدوره لفت في حديث خاص لموقع "الصفا نيوز" إلى أنّ "الجامعات الخاصّة تمكّنت من تقوية نفسها في مجال تدريب طلّاب الصحافة وتحضيرهم لخوض معترك الصحافة، واليوم أخذت بعض الجمعيات على عاتقها هذه المهمّة، لتدريب وتأهيل طلاب الصحافة لدخول ميدان الإعلام، ممكّنين ثقافياً ومدرّبين على الأرض. وهذه الجمعيات نجحت بتأمين التمويل اللازم كي يستفيد الطلّاب والمدرّبين من صحافيين ودكاترة متخصصين. وأصبح بذلك التدريب الإعلامي أساسي، لجميع الأفراد، من نساء يرغبن بالمشاركة بالعمل السياسي، أو مرشحين للانتخابات، أو حتى أفراد يرغبون بتطوير مهاراتهم بهذا المجال لمشاريع خاصة. فالإعلام يشمل العديد من الخبرات من تسويق إلى علاقات عامّة، ففنّ الخطابة وغيرها من المهارات التي من الضروري اكتسابها اليوم للنجاح في أيّ مهمّة اجتماعية وسياسية. والإعلام جزء من الثقافة، ويساعد على ثقل المضمون بمختلف اشكاله الرقمية والمكتوبة والمسموعة والمرئية. كيفية اختصار الأفكار كيفية الكتابةو التحقّق من المعلومات وكشف الأخبار المغلوطة".

واعتبر وهبه أنّ "الإعلام يساهم بإيصال المشاريع إلى الفئة المستهدفة، وتسليط الضوء على الثغرات المجتمعية والسياسية، وسبل معالجتها، وأصبح الإعلام شريكاً أساسياً للجمعيات، ويلعب دوراً تنموياً وتوعوياً، ويسلّط الضوء على الأشخاص الناجحين والرياديين في مجتمعهم، ويدعم الشركات الناشئة، والـEntrepreneur، كما أنّ العديد من المحطّات الإعلامية اليوم بدأت تعنى بشؤون التنمية المستدامة والخدمة الاجتماعية ليس فقط عبر موادها الإعلامية إنّما أصبحت تخضع موظفيها لتدريبات في هذا الشأن، وتطبّق مشاريع التنمية داخل المؤسسات".

وعن المشاكل الأساسية التي يعاني منها الاعلام في لبنان رأى وهبه أنّ "المشكلة الرئيسية هي في الأزمة الاقتصادية، التي تؤثّر على المؤسسات والإعلاميين على حدّ سواء إلّا أنّه على الرّغم من ذلك يملك لبنان قدرات إعلامية هائلة، وخبرات إعلامية تسمح لأصحابها باستقطاب مشاريع إعلامية وأفكار جديدة تواكب العصر والتطوّر والتقدّم الرقمي".

اللامركزية الموسّعة

 أمّا الجلسة الأخيرة، فتناولت مسارات الإصلاح من أجل تعزيز المساءلة وفعالية الحكم، حيث تمّ عرض بعض مشاريع القوانين التي عملت DRI مع جميع الكتل النيابية على تبنّيها سعياً إلى إقرارها في المجلس النيابي. وشهدت هذه الجلسة مشاركة فعاليات سياسية، أبرزها النائب السابق غسان مخيبر والنائب أنطوان حبشي، والذي بدوره صرّح لموقع "الصفا نيوز" بأنّ "للجمعيات دور أساسي ومهمّ في الأزمات وفي الأوضاع الطبيعية، حيث أنّ لمنظمات المجتمع المدني دور أساسي في الحركة الاجتماعية والاقتصادية، وفي نفس الوقت يجب أن يكون هناك إطار ناظم ينظّم حركة الجمعيات ويتابعها".

وأكّد أنّ "أسس بناء الدولة واضحة، إلّا انّ المشكلة تكمن بأنّ الحديث يبقى نظرياً ولا شيء يطبّق على أرض الواقع، حيث أنّ نظامنا ودولتنا أثبتوا فشلهم والسلطة المركزية أخفقت في إدارة شؤون البلد، لذلك نحن نحتاج إلى الانتقال من سلطة مركزية فاسدة بشكل بنيوي وفاشلة بشكل مطلق إلى نظام لا مركزي موسّع يعطي السلطات المحلّية إمكانية معالجة مشاكلها اليومية، وتمنع من تعطيل حياة الناس في ظلّ الازمات".

في المحصّلة، تبقى هذه المبادرات التي تقودها جمعيات كـDRI وغيرها، أساسيّة لإعادة التفكير بأسس بناء الدولة، وأسباب الفشل الذي أوصل بلبنان إلى وضعه المأساوي، كما هي ضروريّة، لترسيخ مفاهيم الديمقراطية والاستدامة والسياسة التشاركية في عقول الجيل الجديد، الذي يبقى هو الأمل الوحيد بإعادة بناء ما هدّمته الطبقة السياسية التقليدية.