بعد ساعات على عملية "طوفان الأقصى" تراجع سعر صرف العملة الإسرائيلية – الشيكل، مقابل الدولار من 3.88 إلى حدود 3.95، الأمر الذي اضطر المركزي الإسرائيلي للتدخّل بائعاً 30 مليار دولار من أجل المحافظة على ثبات العملة...

يُنقل عن أنديرا غاندي، سؤالها والدها الزعيم الهندي جواهر لال نهرو: ماذا يحدث في الحرب؟ فأجابها: "ينهار الاقتصاد، ومن ثمّ الاخلاق". هذا في خمسينيات القرن المنصرم حيث كان الاقتصاد مبنيّاً على قطاعات الإنتاج الحقيقية. أمّا اليوم، في زمن "التوريق"، والرّهان على الرهونات، ونفخ أسهم الشركات بالمنتجات الافتراضية، فإنّ الاقتصاد أصبح أكثر هشاشة وأسرع انهياراً بما لا يقاس. وهذا ما برهنته الحرب في فلسطين المحتلّة.

بعد ساعات على عملية "طوفان الأقصى" تراجع سعر صرف العملة الإسرائيلية – الشيكل، مقابل الدولار من 3.88 إلى حدود 3.95، الأمر الذي اضطر المركزي الإسرائيلي للتدخّل بائعاً 30 مليار دولار من أجل المحافظة على ثبات العملة. ذلك أنّ التراجع بسعر الصّرف يقابله ارتفاع بأسعار المستوردات، ما يحتّم المضيّ قدماً برفع أسعار الفائدة لمكافحة التضخّم. كما تراجع على صعيد أسواق المال المؤشّر الرئيسي لبورصة تلّ ابيب، وأغلق أوّل أيام التداول بعد العملية على تراجع 8 بالمئة وخسارة 26 مليار دولار من قيمته السوقية.

على صعيد الأكلاف المباشرة المحقّقة في الأيام الأربعة الأولى على بدء الحرب، قدّر بنك هابواليم الإسرائيلي، وهو واحد من أكبر البنوك، أن تكون الكلفة قد وصلت إلى حدود 6.8 مليار دولار

الأكلاف المباشرة للحرب

على صعيد الأكلاف المباشرة المحقّقة في الأيام الأربعة الأولى على بدء الحرب، قدّر بنك هابواليم الإسرائيلي، وهو واحد من أكبر البنوك، أن تكون الكلفة قد وصلت إلى حدود 6.8 مليار دولار. وقد استند البنك في تقديراته على تكاليف الحروب السابقة التي خاضتها إسرائيل، ومنها حرب تموز 2006 مع لبنان التي استمرت 34 يوماً، وكلفت 2.4 مليار دولار... وغيرها. وتنحصر التقديرات بكلفة استدعاء 300 ألف مجنّد احتياطي، وأسعار الذخائر ومنها بشكل أساسي كلفة إطلاق الصواريخ من القبّة الحديدية التي تتراوح بين 50 و100 ألف دولار للصاروخ الواحد. وأيضا كلفة التعويضات على ذوي القتلى والمفقودين. أمّا بالنّسبة للخسائر غير المباشرة والتي تتصل بكلفة الفرصة البديلة وتعطّل الاعمال، وتراجع أعداد السيّاح، والتغيّب عن العمل وتراجع الإنتاج واقفال موانئ بحريّة وجويّة إلى حين، فما زالت غير مقدّرة على وجه التحديد، مع العلم أنّ كلفتها تفوق المليارات.

الموازنة والحساب الجاري

يفترض كبير الباحثين الاستراتيجيين في بنك هبواليم مودي شفرير، أن "تبلغ تكاليف الحرب حوالي 1.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يعني زيادة في عجز الموازنة بما لا يقلّ عن 1.5 في المئة في السنة القادمة". وبحسب الأرقام يبلغ حجم الناتج المحلّي الإسرائيلي 522 مليار دولار، فيما يبلغ حجم الموازنة التي صادق عليها الكنيست أيار الماضي نحو 130 مليار دولار للعام 2023، و140 مليار دولار بالنّسبة للعام القادم. أمّا في ما يتعلّق بالحساب الجاري، فهو يحقّق فائضاً بقيمة 4.1 مليار دولار. و"عليه حتّى مع افتراض تراجع التدفّقات النقدية، وتحقيق ميزان المدفوعات عجزاً بنسبة 2 إلى 3 في المئة، فإنّ الانعكاسات على الاقتصاد لن تكون كبيرة"، بحسب الكاتب الاقتصادي عبادة اللدن. "ذلك ميزان المدفوعات الإسرائيلي متين ولو أنّ هناك عجزاً محقّقا في الميزان التجاري. فإسرائيل تعتمد بشكل أساسي على صادرات الخدمات من قطاع التكنولوجيا، وهي تمثّل 56 في المئة من مجمل الصادرات". أمّا على صعيد الموازنة العامّة فقد حقّقت لأوّل مرّة منذ عدّة سنوات فائضاً خلال العام الماضي"، بحسب اللدن "فيما لا تتجاوز نسبة الدّين العام من الناتج 61 في المئة". ولفهم هذا الرقم الأخير يكفي أن نقارنه مع نسبة الدين إلى الناتج في لبنان التي تصل إلى 500 في المئة وكلّ الجهود تنصبّ على تخفيضها إلى 100 في المئة. هذا واستفادت إسرائيل من ارتفاع أسعار الغاز المصدّر إلى اوروبا تحديداً، وأسهم شركات التكنولوجيا وأنظمة الدفاع، بعد الحرب الروسية الأوكرانية، لتزيد مواردها وتخفّض دينها، وتحقيق نمو تجاوز 6 في المئة في العام 2022. وكان من المتوقّع أن يبلغ النموّ 3 في المئة هذا العام، لكن مع اندلاع الحرب والتوقّع بإطالة زمنها، سيتحوّل الفائض المتوقّع في الموازنة للعام 2023 بنسبة 1.3 في المئة إلى عجز قد يصل إلى 3 في المئة من الناتج المحلي، او ما يعني عجزاً بقيمة 16 مليار دولار.

التداعيات الدولية للحرب

التداعيات الاقتصادية لن تبقى محصورة داخل حدود فلسطين المحتلّة، بل ستتمدّد إلى العديد من دول العالم نتيجة ترابط إسرائيل مع العالم بموضوعين أساسيين: النفط والغاز، وشركات التكنولوجيا والدفاع. فقبل يومين أعلنت شركة شيفرون الأميركية تعليق الانتاج في حقل تمار للغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط، وذلك تلبية لتعليمات من الحكومة الاسرائيلية خوفاً من تعرّضه للقصف. وعليه ارتفعت أسعار الغاز بنسبة 20 في المئة لتصل الى 49 يورو للميغاوات في أوروبا، كون هذا الحقل يزوّد مصر التي تقوم بتصديره عبر محطتي ادكو ودمياط مسالاً. كما ارتفع النّفط 5 في المئة قبل أن تعود الأسعار لتهدأ عند حدود 87 دولار لبرميل برنت"، بحسب الباحث الاقتصادي المتخصّص في شؤون الطاقة عامر الشوبكي. وفي المقابل فإنّ "إغلاق الحقل يضغط بشكل أكبر على الاقتصاد الاسرائيلي، إذ يفقد أرباح تقارب 10 ملايين دولار يومياً، وما يقارب 3.6 مليار دولار سنوياً من الداخل الذي كان يتوفّر له عند استغلال أو بيع الغاز الطبيعي من حقل تامار النفطي، الذي أنتج ما يقارب 10.8 مليار متر مكعّب من الغاز الطبيعي في العام 2022 حسب بيانات رسمية". وبحسب الشوبكي فإنّ "العالم سيواجه نقصاً بإمدادات النّفط والغاز وارتفاعاً في الأسعار في حال تطوّرت الحرب وامتدت إلى الاقليم. وهذا السيناريو مرشّح للتفعيل في حال أُغلق الحقل الأهم والرئيسي في شرق المتوسط وهو حقل ليفياثان".

أمام هذا الواقع واستناداً إلى تعليق لال نهرو، فهل ينهار الاقتصاد الإسرائيلي؟ الجواب ما زال مبكراً، إلّا أنّه على الأكيد إنّ هذه الحرب انتقلت مباشرة للمرحلة الثانية المتمثّلة بانهيار الأخلاق، من خلال هدم السقوف على رؤوس قاطنيها في غزة.