من المرجّح أنّ دول الـ "بريكس" لن تتوافق على تبنّي إصدار عملة جديدة، أو حتّى تبنّي عملة حالية لإحدى دولها الأعضاء، ناهيك عن أنّ الخلاف الصيني – الهندي سيجعل تقريب وجهات النظر شبه مستحيل

شهدت مدينة جوهانسبرغ في جنوب إفريقيا قمة مجموعة الـ"بريكس" الـ15 وحملت عنوان "بريكس وأفريقيا: شراكة من أجل النمو والتنمية المستدامة والتعددية". القمة التي عقدت يومي 21 و 22 من الشهر الحالي حضرها إلى الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا كل من الرئيس الصيني شي جين بينغ والبرازيلي لولا دا سيلفا ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي. في حين تحدّث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عبر الفيديو من موسكو وناب عنه في القمة وزير خارجيته سيرغي لافروف.

وتأتي هذه القمّة في توقيت عالمي دقيق للغاية، مع تصاعد التحديات والتهديدات الخارجية والداخلية، إلّا أنّ القضيتين الرئيسيتين اللتين ناقشتهما القمة كانتا:

- توسيع المجموعة بانضمام الدول الراغبة بذلك

- اعتماد عملة موحدة بين دول المجموعة

وتشكّل القضيتان أهمّية بالغة بالنّسبة لمستقبل هذه الشّراكة بين دول المجموعة الحاليّة والمؤلّفة من: روسيا والهند والبرازيل والصين وجنوب أفريقيا، والتي تعتبر صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم. وقد هدفت مناقشة هاتين القضيتين إلى إضفاء الشّرعية على المجموعة كقوة دولية اقتصادية عالمية جديدة، خاصّة مع تراجع الوضع الاقتصادي في الغرب، علماً أنّه لم يتم إحراز أيّ تقدّم يذكر حتّى الآن على صعيد أيّ من النقطتين. في حين يرى آخرون أنّ الـ "بريكس" لا تستطيع فعل شيء لافتقار الدول الأعضاء إلى نيّة التقارب في ما بينها أو التوافق بشأن المخاوف السياسية والاقتصادية، وخاصة بين الصّين والهند.

بين الولادة والمستقبل

في العام 2001، صاغ كبير الاقتصاديين العالميين "جيم أونيل"، لأوّل مرة مصطلح "مجموعة البريك"، الذي لم يكن يشمل جنوب أفريقيا في ذلك الوقت، وقد وصف الدول التي ستنضمّ إليها بأنّها ستتفوق على الاقتصاد الغربي في نهاية المطاف. وفي ذلك الوقت، لم تعمد الدول الأربعة الأعضاء إلى تشكيل كتلة رسمية لتعزيز التعاون في ما بينها. وفي عام 2009 استضافت روسيا قمّة مجموعة "البريك" الأولى، وأعلنت أنّ الأزمة المالية العالمية في عام 2008 كانت دليلاً على أنّ الاقتصادات الناشئة الكبرى في العالم تحتاج إلى التعاون لمنع الغرب من السيطرة على مصير الاقتصاد العالمي. ومن المهمّ أن نلاحظ أنّ عام 2008 كان أيضاً العام الذي غزت فيه روسيا دولة جورجيا، وبدأت تحاول استعادة السّلطة على الدول التي انفصلت عن الاتحاد السوفياتي السابق، ووعدت بالمساهمة في تنمية الدول الحليفة لها في آسيا وخارجها.

وفي خضمّ الانكماش الاقتصادي العالمي، رأت الصين حاجة إلى تقليل اعتمادها على الأسواق الغربية، وخاصّة على الدولار الأميركي. ووجدت في مجموعة الـ "بريكس" مكاناً يمكنها من خلاله تنويع وتقوية منظومتيها الصّناعية والتّجارية. وكان كلّ عضو، وخاصّة الصين وروسيا، يرى في أفريقيا القارّة الرئيسية التي يستطيع من خلالها التنويع بعيداً عن الغرب. ودعوا جنوب أفريقيا للانضمام إلى المجموعة في عام 2010، وفي نفس العام انضمّت دولة جنوب أفريقيا إلى مجموعة "البريك"، وأصبحت تسمّى "مجموعة البريكس" والتي تشكّل مجتمعة ربع مساحة اليابسة على الكرة الأرضية. ومن وجهة نظر روسيا، أصبحت هذه المجموعة منصّة سياسية واقتصادية مناهضة للغرب.

الـ"بريكس" والعملة الموحّدة

ومع مرور الوقت، تحوّل تركيز الصّين بشكل متزايد لتقوية سياستها النقدية. وفي عام 2015، دعمت إنشاء المؤسستين الاقتصاديتين التابعتين لمجموعة الـ "بريكس" وهما:

- بنك التنمية الجديد

- ترتيب احتياطي طوارئ بريكس، (BRICS Contingent Reserve Arrangement)

هاتان المؤسستان كان من المفترض أن تصبحا بديلاً عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وفي عام 2015 أيضًا، تمّ إطلاق نظام المراسلة بين المصارف القائم على عملة "اليوان" الصينية، والذي يسمّى "نظام الدفع بين البنوك عبر الحدود"، بهدف تقليل استخدام الدولار وتعزيز "اليوان" كعملة دولية. ("اليوان" الواحد يساوي 0,14 من قيمة الدولار الأميركي).

أدّت زيادة نسبة التجارة بين روسيا والصّين وخاصّة خلال العام 2022، إلى تركيز البلدين الكبيرين على دراسة كيفية التخلص من الدولار إلى جانب تمويل روسيا لنظام تجاري موازي وإلى نموّ حصّة "اليوان" في السّوق الماليّة الرّوسية. وبسبب العقوبات التي فرضها الغرب، تحوّلت روسيا نحو الصّين، واعتمدت عملة "اليوان" كواحدة من عملاتها الأساسية للاحتياطيات الدّوليّة والتجارة الخارجيّة، وحتّى في بعض الخدمات المصرفية الشخصية. وفي الوقت نفسه، كانت روسيا بحاجة إلى توسيع نفوذها في الخارج للوصول إلى طرق التجارة البديلة، وبما أنّ الصين هي القائد الاقتصادي لمجموعة الـ “بريكس"، وروسيا هي الزعيم السياسي، فمن الطبيعي أن تناقش مجموعة البريكس إمكانية إنشاء عملة مشتركة، والبدء بالتوسّع بعد أكثر من عام من بدء الحرب الاقتصادية العالمية في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا وفرض الغرب عقوبات على موسكو.

ومع ذلك، فالملاحظ أنّ انخفاض استخدام "الدولار" خلال العام الفائت لم يكن نتيجة لاختيار روسيا استخدام "اليوان" على الدولار، ولكن بسبب السياسة التي اعتمدتها واشنطن لجعل الدولار أقلّ توافراً في الأسواق الروسية. إنّ اعتماد سياسة التخلّص من "الدولرة" في روسيا تحديداً، لن يتحقّق إلّا إذا تبنّت مجموعة الـ “بريكس" عملة مشتركة كالاتحاد الأوروبي مثلاً. ومع ذلك، فإنّ طرح عملة جديدة لا يتطلّب فقط إصدار الأوراق النقدية والإعلان عن جاهزيتها للاستخدام، فهو يتطلّب تقارباً اقتصادياً حقيقياً بين الدول المشاركة من خلال سوق مشتركة موحّدة، وهو الأمر الذي سيكون من الصعب للغاية على المجموعة أن تنشئه نظراً للاختلافات العميقة بين اقتصاداتها.

ومن المرجّح أنّ دول الـ "بريكس" لن تتوافق على تبنّي إصدار عملة جديدة، أو حتّى تبنّي عملة حالية لإحدى دولها الأعضاء، ناهيك عن أنّ الخلاف الصيني – الهندي سيجعل تقريب وجهات النظر شبه مستحيل. خصوصاً في ظل التقارب الهندي الأميركي الذي بدأ يسلك مسارات مختلفة ويشمل قطاعات عدّة.

هل يستمرّ الرابط الذي يجمع أعضاء مجموعة الـ "بريكس" بنفس القوة، أم أن المتغيّرات والمستجدّات على الصعيد العالمي يمكن أن تهدّد استمراره؟

أعضاء جدد في المجموعة

توسيع العضوية في الـ "بريكس"، قضية أخرى، حيث تسعى المجموعة للتوصّل إلى توافق بشأن ذلك، وقد ناقش الأعضاء إمكانية إنشاء مجموعة الـ "بريكس+" منذ عام 2017، وأثارت الصين هذه القضية العام الماضي أيضاً أثناء استضافتها للقمّة. ووفقا لأحد المسؤولين خلال الاجتماع الذي عُقد خلال الأسبوع الحالي في جنوب أفريقيا، طلبت 23 دولة رسمياً الانضمام إلى المجموعة، في حين أعربت 40 دولة بشكل غير رسمي عن اهتمامها بالعضوية. وبالرّغم من أنّ هذا العدد يعتبر عدداً هائلاً كأعضاء محتملين، علماً أنّ هدف روسيا والّصين هو زيادة الأعضاء في المجموعة، خاصّة وأنّ الحرب على أوكرانيا لا زالت قائمة، لكنّ الانضمام الرسمي يعتبر مسألة معقّدة للغاية لعدم وجود إجراءات رسمية للانضمام، حيث أن انضمام دولة جنوب أفريقيا في العام 2010، كانت بناءً لدعوة من جانب جميع الدّول الأعضاء.

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ دول مجموعة الـ "بريكس" بشأن قرار التوسّع منقسمة في ما بينها، وهناك تناقض في الاستراتيجية والعلاقة غير الثّابتة والمتزعزعة والتنافس الدائم بين بكّين ونيودلهي.

وأعلن رئيس جنوب إفريقيا خلال القمة عن انضمام ستّ دول جديدة إلى مجموعة البريكس وهي إيران والسعودية والإمارات العربية المتّحدة ومصر والأرجنتين وإثيوبيا على أن تلتحق بالمجموعة اعتباراً من الأول من كانون الثاني 2024. تجدر الإشارة إلى أن بلدان "بريكس" تمثّل 23 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وأكثر من ثلث سكان العالم.

ختاماً، وبالرّغم من حجم مجموعة الـ "بريكس" التجاري الضخم، وثقل تحالف موسكو - بكين الجيوسياسي، ورغبة أكثر من خمسين دولة الانضمام إلى هذه المجموعة من أجل بناء تكتّل عالمي، ونظام نقدي جديد يوازي النظام الرأسمالي الذي تقوده أميركا منذ أن فرضت نفسها كأكبر قوة عسكرية في العالم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبالتّالي على النظام الرأسمالي العالمي، يستبعد العديد من خبراء الاقتصاد والمال في العالم أن تنجح مجموعة الـ "بريكس" في إنشاء عِملة موحّدة أو نظام مالي جديد على غرار الاتحاد الأوروبي.

فهل يستمرّ الرابط الذي يجمع أعضاء مجموعة الـ "بريكس" بنفس القوة، أم أن المتغيّرات والمستجدّات على الصعيد العالمي يمكن أن تهدّد استمراره؟ أو أنّها قد تدفع إلى توسعته وتحويله فعلاً إلى سوق تكاملية قد تملك مستقبلاً عملتها الموحّدة حتّى لو أدّى الأمر إلى استبعاد أعضاء منها باتت مصالحهم وتطلعاتهم في محور آخر. إنّه عالم متغيّر والتغيّرات يمكن أن تطال الجميع.