توافرت معلومات لـ "الصفا نيوز"، أنّه وفور خروج السائق من الشاحنة الصغيرة بعد جنوحها على منعطف الكحالة، حضر عنصر من قوى الأمن الداخلي إلى المكان وقد تجمّع إلى جانبه عدد من شبان المنطقة لمعرفة ملابسات الحادثة وعند محاولتهم معرفة ما تحمله الشاحنة عبر رفع "الشادر" عنها...

إلى متى ستسلم الجرّة؟ هي دقائق قليلة كادت أن تُشعل فتيل الحرب الأهلية من على كوع الكحالة. لم يكن السبب  "بوسطة عين الرمانة" كما في 13 نيسان 1975، إنّما "شاحنة" تابعة لحزب الله، فعقب مرورها عند منعطفات الكحّالة نزولاً باتجاه بيروت تعرّضت إلى حادث سير ما أدْى إلى انقلابها من دون وقوع إصابات، ولكن سرعان ما تحوّل الأمر إلى تبادل لإطلاق نار سقط على إثره قتيلين أحدهما من مجموعة مولجة حماية الـشاحنة وآخر من أهالي الكحّالة وعدد من الجرحى من الطرفين.

في التفاصيل، توافرت معلومات لـ "الصفا نيوز"، أنّه وفور خروج السائق من الشاحنة الصغيرة بعد جنوحها على منعطف الكحالة، حضر عنصر من قوى الأمن الداخلي إلى المكان وقد تجمّع إلى جانبه عدد من شبّان المنطقة لمعرفة ملابسات الحادثة، وعند محاولتهم معرفة ما تحمله الشّاحنة عبر رفع "الشادر" عنها، وصل عدد من العناصر المولجين حمايتها على متن سيارة رباعية الدفع، وطلبوا منهم التراجع بالتزامن مع استقدام رافعة من أجل رفعها عن الطريق. تيقّن بعض الشبّان أنّها تابعة لحزب الله، فوقع تلاسن بينهم وبين عناصر الحماية ولكن سرعان ما تحوَّل إلى تضارب بالأيدي ورشق بالحجارة بدأه شبّان الكحالة، فاطلق عناصر الحزب النّار في الهواء، وبعد تفرّق المتجمعين سُمع إطلاق نار من جانب كنيسة رعية مار أنطونيوس - الكحاله، سقط على إثره عنصر من الحزب يدعى أحمد القصّاص من بلدة يونين البقاعية جريحاً بإصابة بليغة توفي على أثرها، الأمر الذي استدعى ردّاً من عناصر الحماية على مصادر النيران فسقط فادي يوسف بجاني قتيلاً على الفور. بعدها تدخّلت سريعاً قوة كبيرة من الجيش اللبناني وفرضت طوقاً أمنياً على طول الطريق وحول الشاحنة. وبعد استعصاء رفع الشاحنة إثر تجمّهر الأهالي، قام الجيش بتفريغ حمولتها في شاحناته ونقلها إلى مراكزه العسكرية.



اطلالة مرتقبة لنصرالله 

وعلى وقع قرع أجراس الكنائس لدعوة الناس للنزول إلى الشّارع ومنع إزالة الشاحنة، تجمّهر الأهالي إلى جانب عدد كبير من الفعاليات السياسية ووجهاء المنطقة وقطعوا طريق الشام - بيروت، مطالبين بمصادرة محتويات الشاحنة وعدم رفعها، إلّا أنّهم لم ينجحوا في ذلك حيث نفّذ الجيش قراره وبقيت الطريق مقفلة بالسواتر الترابية والحجارة ما أعاد إلى أذهان اللبنانيين مشاهد خطوط التماس إبان الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت منذ 1975 وحتى نهاية العام 1990.

كذلك، رجحت مصادر مقرّبة من الحزب لـ"الصفا نيوز"، بأنّ يكون للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله إطلالة متلفزة خلال الساعات القليلة المقبلة ليشرح تفاصيل الحادثة وتداعياتها. 

ومرّة جديدة أثبت هذا الجيش المُنهك بفعل الأزمات المتلاحقة التي يشهدها لبنان وخصوصاً الأزمة الاقتصادية التي جعلت من رواتب عناصره وضباطه لا تكفيهم وعيالهم قوت يومهم، أنّه على قدر عالٍ من المسؤولية حيث نجح في لمّلمة ذيول الحادثة في الكحالة، رغم تعرّضه وفق ما وثّقت عدسات الكاميرات التي كانت تنقل الاحداث للتدافع والشتائم وحتّى الضرب أحياناً، كما استبق أيّ خلل أمني يمكن أن يحصل على خط عين الرمانة - الشياح وفرّض طوقاً أمنياً، ولكن يبقى السؤال الجدّي الذي يطرح نفسه، إلى متى؟ إلى متى سيصمد هذا الجيش وإلى متى سيظلّ قادراً على التواجد في كلّ الساحات التي تستدعي تواجده فيها في بلد "واقف على كفّ عفريت"؟ 

أين أصبح غطاء حزب الله المسيحي؟

كذلك جملة من الأسئلة التي تطرح نفسها مع كل حادث من هذا النوع، ألا يستدعي كل ذلك مراجعة بسيطة من قبل الحزب لكلّ ما يجري فعلياً على أرض الواقع وفي خيالات العقول وحتى ما تختلجه النفوس على المقلب الثاني من الشارع المقابل؟ بماذا تزوّد الحزب بعد كلّ ما جرى خلال السنوات القليلة من حادثة شويا - حاصبيا التي وقعت قبل عامين تحديداً والطيونة وخلدة؟ وكيف يتحضّر لقابل الأيام، للسنوات العِجاف التي بدأت تذر بقرنها؟ هل ما تزال النظرة هي نفسها بالنسبة له من قبل جميع اللبنانيين أو أغلبيتهم على الأقلّ؟ أين أصبح غطاءه الوطني والمسيحي تحديداً، وما مدى شمولية هذا الغطاء؟ أيُقاس وفق مكيال الخيارات السياسية للحزب؟ كيف يقرأ الحزب اليوم ما ظهر في فلَتات لسان المحسوبين عليه كحلفاء من ناشطين ونواب، وآخرين أخصام باتوا بمنزلة الأعداء بالنسبة له؟ 

حادثة الكحالة ليست قضاءً وقدراً

ولنضع كلّ الحق على طبيعة الطريق التي كانت وما تزال بالـ"ويّل" من حيث ضيقها ووضعها المترهل منذ عقود من الزمن، فهل يُعقل أن تكون الطريق الدولية التي تربط العاصمة بيروت بشريان الشام والبقاع على هذا النحو؟ من هم وزراء النقل والأشغال العامّة ولمن تعود تبعيتهم الحزبية على مدى 6 حكومات سابقة؟ ألم يجد أحدهم الفرصة السانحة لإصلاح هذا الطريق وغيره من الطرقات "أيام العز" عندما كانت موازنات الوزارة بمئات ملايين الدولارات؟ فلنفترض أنّ حال الطريق كانت على ما يرام، فهل كان لهذا الحادث سبباً في أن يقع في الأصل؟ 

ماذا عن تعاطي بعض وسائل الإعلام اللبنانية مع الحادث والذي قام "بصب الزيت على النار" بغالبيته بدلاً من تهدئة النفوس ونقل الأحداث، وأين المهنية والموضوعية في نقل الأحداث، واللافت كان تطور رواية بعض وسائل الإعلام نفسها لما حصل، فهي التي تحدثت بداية عن تبادل لإطلاق نار بين طرفين أدّى إلى وقوع إصابات من الجانبين، ولكنها عادت شيئاً فشيئاً لتعدّل روايتها للأحداث بما يوحي بتوجيهات صدرت لتبنّي رواية تخدم البثّ المباشر أقلّه، وهو البثّ المتفلّت من عقاله وضوابطه ويصح وصفه ببثّ السّموم.

ويخشى المراقبون للأوضاع في لبنان، أن تكون البلاد مقبلة على أكثر من "كحّالة" عند كلّ منعطف محلّي أو إقليمي، بانتظار التسوية الموعودة.