أزعور الذي حمل اسمه البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى الفاتيكان وفرنسا على أنّه مرشح الفريق الذي يُعتبر الكرسي الرئاسي من حصّته في التركيبة الطائفية اللبنانية، يدرس توقيت إعلان ترشّحه وبرنامجه. مع العلم أن لا ضرورة لهذا الأمر رغم أنّ خلفية المرشّحين تكفي للحديث عن برنامجيهما الرئاسيين.

"هذا ما جنته أيدينا" هكذا يمكن وصف لسان حال الثنائي الشيعي، بعد توافق المعارضة المسيحية على ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور ليخوض معركة الانتخابات الرئاسية. فوجد مرشح "الثنائي" الوزير السابق وزعيم تيار المردة سليمان فرنجية نفسه بمواجهة مرشح أغلبية القوى المسيحية، وهو ما كان ليحصل لولا كل تلك التصريحات والتحليلات التي غزت الصحف موحية بعدم قدرة الأحزاب المسيحية على التوحّد أو التوافق على مرشّح واحد، ومحاولة الإيحاء المستمرّة بأنّ رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل لا يمكن إلّا أن يعود إلى التوافق مع حزب الله والسير بمرشّح الثنائي بعد تحصيل حصّته من المكاسب.

هكذا يصبح مفهوماً ما حصل من صدمة بعد إطلالة قائد القوات اللبنانية سمير جعجع الإعلامية الأخيرة معلناً تبنّي ترشيح أزعور، وعلى نفس المنوال يمكن تفسير كثرة الحديث عن اجتماع تكتل لبنان القوي الذي حضره الرئيس السابق العماد ميشال عون، وتفسيره على أنّه محاولة لقمع الأصوات المعترضة داخل التّكتّل. وبخلاف ما درج عليه الثنائي الشيعي ومن معه خلال أشهر من دعوات للآخرين للإعلان عن مرشحيهم والدخول في المنافسة الديمقراطية، بدا جليّا أنّ المسألة أصبحت في بعدٍ آخر.

"فعلها باسيل" وأصبح جهاد أزعور الذي كان أحد من سمّاهم الزعيم وليد جنبلاط كمرشّحين للرئاسة حاول حشد التأييد لصالح أحدهم، مرشّحاً يعلن عنه قائد القوات اللبنانية سمير جعجع. باسيل العائد من فرنسا الدّاعم الأول لفرنجية سدّد كرة في مرمى "الثنائي" ومن معه، فأصاب عصفورين بمرشح يخوض معركته آخرون.

أزعور الذي حمل اسمه البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى الفاتيكان وفرنسا على أنّه مرشح الفريق الذي يُعتبر الكرسي الرئاسي من حصّته في التركيبة الطائفية اللبنانية، يدرس توقيت إعلان ترشّحه وبرنامجه. مع العلم أن لا ضرورة لهذا الأمر رغم أنّ خلفية المرشّحين تكفي للحديث عن برنامجيهما الرئاسيين.

يتسلّح داعمو فرنجية بقدرة هذا الأخير على مخاطبة سوريا لإقناعها بحلّ قضية النازحين وموضوع الضمانة للمقاومة

يتسلّح داعمو فرنجية بقدرة هذا الأخير على مخاطبة سوريا لإقناعها بحلّ قضية النازحين وموضوع الضمانة للمقاومة، وهاتين النقطتين تحديداً تدفعان للسؤال حول ما ورد من تأكيد على أهمية حلّ قضية النازحين السوريين في بيان قمّة جدّة العربية. فهل يمكن أن تتنكّر القيادة السورية لأهمية هذه القضية ولعودة أبناء الشعب السوري إلى وطنهم؟ فهل يمكن أن تكون المسألة ورقة مساومة عربية لبنانية فيما الجميع يدرك حجم الأزمة اللبنانية على مختلف الصعد؟ هكذا يصبح الحديث عن ورقة النازحين والقدرة على معالجتها وكأنّ دمشق تحتاج لوساطة لتعيد مواطنيها إلى أرضهم.

أمّا بالنسبة للمقاومة وحماية ظهرها فهنا يصبح من الضرورة السؤال هل يمكن لأحد في الداخل اللبناني فعلاً تهديد المقاومة بأي شكل من الأشكال؟ التجارب السابقة ورغم عدم وجود رئيس منسجم مع المقاومة وفي ظلّ موازين قوى لم تكن لصالح المقاومة وحلفائها، لم يستطع أحد أن يؤثّر على دور المقاومة ونشاطها وقدراتها. وطالما أنّ التشريع يحصل في المجلس النيابي الذي يرأسه حليف المقاومة الأول بحسب توصيفها هي نفسها، بل جناح المقاومة الثاني بحسب توصيف أنصاره، فهل من خشية حقيقية؟

وعند الحديث عن مصادر الدعم وتوصيف المرشّحين على أنّ هذا مرشّح فرنسي وهذا مرشّح أميركي، هنا لا بد من التّوقّف طويلا عند الكلام الذي قاله حلفاء فرنجية من أنّ واشنطن لا فيتو لديها على ترشيحه، وهي لا تدعم مرشّحاً على حساب آخر وهي ستتعامل مع أيّ رئيس يتم انتخابه. طالما أنّ حلفاء فرنجية أنفسهم وخصوصاً من يدور في فلك رئيس مجلس النواب كانوا ممن هلّلوا للكلام الأميركي وأطربوا له. كما لا بدّ من التذكير بأنّ مرشّحا يروّج له الفرنسي ويرضى به الداخل قد لا يختلف عن أيّ مرشّح آخر تروّج له دولة أخرى طالما لم يكن لبنان الرسمي على عداء معها. والحديث عن مقبولية الرئيس المقبل عند الغرب وفي دول الخليج العربي كمؤشّر للنجاح بادر إليه أخيراً من كان يعتبره مأخذاً على أيّ مرشّح.

يمكن تفهّم ما تنطلق منه المعارضة المسيحية من أسباب لترشيح أزعور أو التوافق على ترشيحه في ظل ما يعيشه لبنان من قلق خصوصا على صعيد ماليته العامة وقدرة العملة الوطنية على التعافي

إذا اتفقنا على أنّ ما ينطلق منه الفريق الدّاعم لفرنجية لتبرير الإصرار عليه غير قابل للصرف فعلاً، يمكن الانتقال إلى الطّرح الآخر والمتمثل بدعم أزعور. وهو رجل على دراية بالملفّات المالية اللبنانية وبخبايا الدعم الدولي وخطط النهوض وسبل الاستثمار. وهو مدرك للمطبّات التي يمكن أن تواجه البلاد على طريق التعافي. من هنا يمكن تفهّم ما تنطلق منه المعارضة المسيحية من أسباب لترشيح أزعور أو التوافق على ترشيحه في ظل ما يعيشه لبنان من قلق خصوصا على صعيد ماليته العامة وقدرة العملة الوطنية على التعافي أو الدراية بما يتّصل بالتشريعات المتّصلة بالأزمة المالية وشروط صندوق النقد الدولي لدعم لبنان. أمّا الحديث عن دور لأزعور في ما آلت إليه الأمور كوزير مالية سابق فهو منطق يمكن محاججته عند السؤال حول المجلس التشريعي ودوره الرقابي وعن حجم مسؤوليته إن لم يكن مشاركته في إيصالنا إلى ما نحن فيه.

نجح "الثنائي الشيعي" من خلال حديثه عن شرذمة مسيحية وعدم قدرة الفرقاء على اختيار مرشّح ينافسون به فرنجية، وأنّ هذا الأخير هو المرشّح الجدّي الوحيد، في دفع من كانوا على خصومة إلى التّلاقي على مبدأ المنافسة بمرشّح يختاره المسيحيون ليمثّلهم في سدّة الرئاسة. وفي هذا الإطار يمكن أيضاً وضع التواصل بين أزعور والنواب التغييريين والمستقلين في محاولة لحشد الدعم وترجمته.

وقياساً على ترحيب داعمي فرنجية بالموقف السعودي المتمثّل بعدم وجود فيتو على أحد، يمكن اعتبار أن هذا الموقف ينسحب على أزعور وبالتالي داعميه. وما العودة إلى الحديث عن ارتياح خارجي أو دعم أميرمكي مستجد لترشيح أزعور سوى من باب المناكفة، حيث لم يعد من الممكن الحديث عن السيادة ممن يتلطى خلف دعم الفرنسيين لفرنجية.

يبقى ما قاله البطريرك العائد من الخارج أمام نقابة الصحافة اللبنانية عن ارتياح لمسه خلال لقاءاته في فرنسا والفاتيكان حول تفاهم المسيحيين على مرشّح رئاسي، إضافة إلى حديثه عن حوار سيبدأ مع مختلف الفرقاء على الساحة اللبنانية، وهو حوار يراد له أن يفتح باب المجلس النيابي لانتخاب رئيس للبلاد وليس لفريق بمواجهة أفرقاء آخرين..

وفي الختام، لا مفر من التّوقف مطوّلا عند ما قاله بري في معرض ردّه على مواقف البطريرك الراعي من أنه لن يدعو إلى جلسة انتخاب قبل ظهور ترشيحين جديين على الأقلّ. وهذا الكلام يفتح على نقاش حول ما إذا كان ترشيح فرنجية غير جدي أو أنّ بري كان يتعامل طوال الوقت مع ترشيح ميشال معوض ومع الجلسات السابقة على أنّها لم تكن جدّية أو أنه ينتظر الخروج من ترشيحي فرنجية وأزعور إلى ترشيح ثالث. المهم  أنّنا أصبحنا أمام أكثر من ترشيح جدّي أقلّه من قبل المرشَحين والمرشِّحين. أمّا كيف يمكن ترجمة واقعنا اليوم، فهذا الأمر ينتظر القادم من الأيام.