داود إبراهيم

يتابع اللبنانيون بشغف، ومنذ فترة ليست بالقصيرة، المحاولات الفرنسية لإقناع المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية، لدعم مرشح الثنائي الشيعي إلى سدّة الرئاسة سليمان فرنجية، الذي لم يعلن هو نفسه ترشيحه بعد. ويبقى أن إعلان الترشح من عدمه ليس بذات أهمية في بلادنا، أو أقلّه هكذا يقال لنا، طالما أن التسويات الكبرى هي التي تنتج الحُكم على مختلف مستوياته.

لا يزال الموارنة في لبنان كما أغلب المسيحيين يتكلمون بلسانها حتى في يومياتهم الحياتية. ولكن فرنسا اليوم تتكلم بلسان الثنائي الشيعي. أو هكذا يراد لنا أن نصدّق. يكفي أن نطالع الصحف والمواقع الإلكترونية وشاشات التلفزة التي تغصّ بالمحلّلين والمحلّلات، يروون لنا وقائع الجلسات السرية أو المغلقة من لقاءات ثنائية أو خماسية أو موسعة، وكيف أن فرنسا اقترحت، فتجاهلت السعودية أو امتعضت، وكيف هزّت مصر برأسها فيما كان رأس الولايات المتحدة منشغل عن تطورات هذا البلد الصغير بالمارد الصيني. أما قطر فكانت تهتم بصفقة شراء فريق رياضي بريطاني. بعض نجوم الشاشة ينقلون للمشاهدين ما دار في خلد المفاوضين وليس وقائع المفاوضات فقط. مذهلة هذه المَقدرة بالوصول إلى مداولات هكذا اجتماعات معنيّة بها مؤسسات خاصة بدُوَل بيننا وبينها بحار وصحارى.

همست آن غيغن وهي مديرة قسم الشرق الأوسط في الخارجية الفرنسية بأذن باتريك دوريل مستشار الرئيس الفرنسي للشرق الأوسط سائلة: "لماذا يكرهون فرنجية؟ إنه رجل لطيف؟" فكان رد من مساعد وزير الخارجية القطري محمد الخليفي الذي سمع الحوار رغم الصوت المنخفض: "هل إسم العائلة فرنجية نسبة لكلمة إفرنجة والتي كان يقصد بها تاريخياً من ليسوا بعرب؟" ولأن الوفد السعودي لم يكن بعيداً أطرق بانتظار الجواب الفرنسي. في زمن مضى كانت فرنسا الأم الحنون، ومدّت يد العون للبنانيين والمسيحيين خصوصاً. إلّا أن الجواب لم يأتِ. أو قد تنتج مخيّلة البعض، سيناريو آخر أكثر تطوراً وتشويقاً وفيه الجواب الشافي.

هكذا يتعامل بعض الإعلام والساسة مع موضوع رئاسة الجمهورية في لبنان، وهكذا تتم صياغة بنود التفاهمات الإقليمية والدولية ولو كانت في الصين، من على أريكة مريحة في إحدى ضواحي بيروت. قد يؤدّي انقطاع التيار الكهربائي إلى تقطُّع في حبل الأفكار، فتنزلق فكرة من هنا وتلمع فكرة من هناك. وقد يستعير نجم الشاشة وكل الشاشات صراخاً وَصَلَ إلى مسامعه من الشارع على أنه من إحدى قاعات الدبلوماسية الغربية.

هي فرنسا إذا، ولكنّها هذه المرة بلهجة جنوبية. هل كانت باريس حاضرة في توقعات المنجّمين على شاشاتنا، أم أنهم انشغلوا عنها بالجيش الأحمر. نحن ضد التدخل الخارجي هكذا تقول الأطراف فيما يتمنى أغلبها على الخارج ممارسة الضغوط على الداخل لتمرير الاستحقاقات، وهو تمنّي يصل أحياناً إلى درجة الاحتفاء بتأنيب الخارج لبعض أبناء الوطن، وحتى للاحتفال بفرض عقوبات عليهم. إنها المواطنة والوطنية بأبهى صورها.

تنتظر الرئاسة الفرنسية كلمة السر من الثنائي حول مدى تمسّكه بدعم مرشحه، تنصت إلى دقات قلبه علّها تلحظ تغيراً عند ذكر اسمه أو أسماء مرشحين محتملين. تكرّر على مسامع موفديه السؤال حول رئيس الحكومة الذي يرضى به، ومن يرشح لموقع وزير مالية الدولة، صاحب التوقيع الثالث، الذي يملك أن يمنح البركة لمشروع من هنا أو يعرقل مشروع من هناك. بحسب مداولات اتفاق الطائف السعودي، والسعودي ليس غائباً ولكنه ليس بقريب أيضاً من هذا أو ذاك.

فرنسا تعود إذا إلى سابق عهدها في صناعة الرؤساء في لبنان، ألم يطالب البعض بعودة الانتداب؟ وربما يكون تأنيب باريس لأبناء وطن الأرز فيه شاعرية وحنين. إنها اللغة الغربية التي لا بد منها للوصول إلى حل. فهل هناك بين أغلب المحللين المنشغلين بكشف وقائع اللقاءات الباريسية من يجيد اللغة؟

كان زمن المارونية السياسة تقول فيه: فرنسا أمُنا الحنون. في زمن حكومات الرئيس رفيق الحريري كانت فرنسا جاك شيراك، وكانت باريس 1 و2 و3 ومشاريع الاستدانة وغيرها. اليوم هي فرنسا قصر الصنوبر ومشاريع المثالثة أو الثنائية.

فهل يعلن فرنجية ترشيحه من العاصمة الفرنسية كما أعلن سعد الحريري استقالته من الرياض؟

ولكن هذا ترشيح... وتلك استقالة، فيما يبقى الخارج هو نفسه والداخل ينتظر.